أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد النمري - الدولة ما بعد الحديثة















المزيد.....

الدولة ما بعد الحديثة


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2113 - 2007 / 11 / 28 - 11:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جزعت كثيراً من التصادم المتواصل مع الإيديولوجيين الدوغمائيين من أنصاف أو أشباه الماركسيين، عداك عن القومجيين والوطنجيين، حول موضوع الدولة الحديثة والدولة ما بعد الحديثة والتي جرى تسميتها في علم السياسة بدولة الرفاه (Welfare State). ثمة فرق جليٌ وواضح بين الدولة الحديثة والدولة ما بعد الحديثة أو دولة الرفاه، فرق يراه كل من له نصف بصر وربع بصيرة غير أن الأدلجة وابنتها الشرعية الدوغمائية تعميان البصائر والأبصار.

عرفت الإنسانية عبر تاريخها الطويل خمسة أشكال للدولة :-

1. دولة العبودية وظهرت في عهود العبودية والأنظمة البطريركية كما في الإمبرطوريات القديمة مثل إمبراطورية الفرس واليونان وامبراطورية روما القيصرية وبيزنطيا والخلافات الإسلامية العربية والتركية. جيوش قيصر روما كانت تغزو البلدان المحيطة والبعيدة لتأتي بالعبيد كي يخدموا في مزارع شيوخ روما وتجبي الضرائب الباهظة من شعوب الدول التي تقهرها. حاربت مملكة تدمر روما وكذلك حاربتها مملكة الأنباط بسبب الضرائب الباهظة قبل أي سبب آخر. وقام اليهود في فلسطين بمائة ثورة وثورة بسبب الضرائب الباهظة خلال قرن طويل (48 ق.م ـ 73 م) وما حركة يوحنا المعمدان ويسوع الناصري [نسبة إلى الطريقة الناصرية”Nazerite” في التنسك وليس إلى مدينة الناصرة التي لم تكن قد سكنت بعد كما يعتقد العامة] إلا عصياناً ضد دفع الضرائب وقد أفصح يسوع عن ذلك (متى 25:17). سياسة روما ذاتها انتهجتها الخلافات الإسلامية حتى وإن اقتصر استعباد العلوج والإماء على خدمة البيوت بسبب احتقار القبائل البدوية المتسلطة للزراعة والمزارعين.

2. دولة الإقطاع وتجسدت دولة الإقطاع في ممالك أوروبا الغربية بشكل خاص عبر القرون الوسطى. لم يكن الملك وهو رأس دولة الإقطاع أكثر من منسق للأمور العامة التي يقررها في نهاية الأمر الإقطاعيون أنفسهم. لقد كان الملك بلا سلطة إلا بمقدار ما يوليه الإقطاعيون الذين يزودون جيشه بالرجال وبالأموال فكان يترتب على الملك أن يحرم القن من المواطنة إلا إذا كان ملتحقاً بأحد الإقطاعيين. وثيقة الماغنا كارتا (Magna Carta) تشهد على تحديد صلاحية الملك في إنجلترا وليس أدل على ذلك من أن الوثيقة استبقت للملك من الصلاحيات تلقي "مساعدات" من الإقطاعيين لزواج ابنته!

3. دولة الرأسمالية والتي شكلتها الرأسماليات الإمبريالية وظهر هذا الشكل من الدولة في أوروبا الغربية أيضاً وأمريكا الشمالية. بدأت الدولة الحديثة أو الرأسمالية بالظهور مع استخدام الطاقة المركزة في الإنتاج والإنتاج الكثيف قبل نحو ثلاثة قرون. أقام الرأسماليون جهازاً للقمع فاق كل قمع دولاتي سابق أو لاحق بما في ذلك قمع دولة دكتاتورية البروليتاريا كما أكدّ كل من ماركس ولينين. فالدولة الرأسمالية قامت في باكورة أعمالها بتحطيم أوسع طبقة في المجتمعات الغربية الميركنتالية، طبقة البورجوازية الوضيعة التي اعتمد انتاجها على صناعات المانيفاكتورة ذات الطابع الفردي في الإنتاج (Individual Production) واستكملت ذلك فيما بعد بتحطيم طبقة الفلاحين الواسعة أيضاً التي اعتمدت على الزراعات الفردية الصغيرة وصادرت أراضيهم لصالح البنوك والرأسماليين وعرفنا بعدئذٍ الزراعات الكبيرة الحديثة الممكننة.

4. دولة دكتاتورية البروليتاريا الإشتراكية وقامت مثل هذه الدولة في الربع الثاني من القرن العشرين في الإتحاد السوفياتي إلى أن ألغاها رسمياً خروشتشوف في العام 1959. لعلنا أفضنا في الشرح عن دولة دكتاتورية البروليتاريا فيما كتبناه قبل بضعة أشهر تحت عنوان "دكتاتورية البروليتاريا". ولسنا بحاجة للحديث عنها أكثر. إنها الدولة التي يشكلها العمال وتتوظف بصورة رئيسية في محو الطبقات ووسائل الإنتاج الخاصة بها. وتهتم بصورة رئيسية بتطوير أدوات الإنتاج وتعظيمها.

5. دولة الرفاه وقامت هذه الدولة في البلدان الرأسمالية سابقاً بعد أن تحللت النظم الرأسمالية فيها مع بداية الربع الأخير من القرن العشرين. ووظيفة هذه الدولة هي المحاولة الدؤوبة لإلغاء طبقتي العمال والرأسماليين.

ثمة شكلان آخران هما في حقيقة الأمر " شبيه الدولة " إنما ليسا بدولة حقيقية، وهما: دولة الدائر المغلقة (Closed Circle) أو العصابة وهذا الشكل من الدولة يقوم في البلدان المتخلفة التابعة وبحماية حثيثة من العسكر وتقوم كذلك في بعض البلدان البطريركية ذات الإقتصاد الريعي كما حال دول الخليج ومثل هذه الدولة لا تمثل أي طبقة إجتماعية ذات دور في الإنتاج الوطني. وشبيه الدولة الآخر هو الدولة الدينية التي سرعان ما تفقد دينها وتولي أمرها لمموليها مثل الدولة الإسلامية في إيران وهي حقيقة دولة البازار ودولة الإمارة الإسلامية في أفغانستان التي اعتمدت على الإتجار بالمخدرات وحماية عسكر طالبان. مثل هذين الشبيهين بالدولة لا يجوز أن يسترعيا أي اهتمام في بحثنا هذا لأن أياً منهما ليس بدولة حقيقية.

أهم ما علمنا ماركس هو عدم تشكيل أي رأي أو فكر سياسي قبل الوقوف على وسائل الإنتاج المعنية، أي كيف يتحرك الناس من أجل تحصيل وسائل عيشهم الحيوية، وهو وحده ما يحركهم ويحكم تفكيرهم. وتبعاً لهذه القاعدة الذهبية فإننا نخلص، بعد النظر بتمعن إلى أشكال الدولة الخمسة أعلاه، إلى أن لكل وسيلة إنتاج دولتها الخاصة بها والتي لا تتشكل لتخدم أي وسيلة أخرى للإنتاج أو تتواءم معها وهو ما يعني أن وسيلة الإنتاج المعيّنة لا تستطيع أن تشكل أي شكل من أشكال الدولة المعروفة إلا الشكل الذي يظهر في إطارها ليخدمها ويستجيب إلى احتياجاتها الحيوية. القانون التاريخي العام هو أن نظام الإنتناج السائد في كل مرحلة تاريخية هو ما يقرر شكل الدولة من حيث نسيجها من جهة ووظيفتها من جهة أخرى. الدولة التي يشكلها نظام العبودية لا بد وأن تختلف كل الإختلاف عن الدولة التي يشكلها نظام الإنتاج في مرحلة الإقطاع سواء من حيث الشكل أو من حيث المحتوى بالرغم من أن أسلوب عمل الدولة هو دائماً القمع وفي جميع المراحل التاريخية.

ما يهمنا هنا هو الإضاءة بقوة على الفروق الحدية بين الدولة الرأسمالية التي توصف بالدولة الحديثة، مقارنة بالأشكال القديمة للدولة، وبين الدولة ما بعد الحديثة أو " دولة الرفاه "، وهو ما يخلط فيه كل الإيديولوجيين بمن فيهم الليبراليون من أمثال فرانسس فوكوياما.

خبأ الرأسماليون بشاعة دولتهم القمعية تحت أردية زاهية وألبسوها عباءة الإنتخابات العامة التي عمدوها وحدها كضمانة أمينة للديموقراطية. إدّعى مؤسسو الديموقراطية عند بداية التاريخ أن الديموقراطية هي حكم الشعب بالشعب وللشعب غير أن التاريخ وكم تكشفت صفحاته بعد ثلاثة آلاف عام وأكثر رسم صورة مختلفة للديموقراطية فتجلّت بصورة حكم الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج حكماً دكتاتورياً مطلقاً ولصالح الطبقة ذاتها تحديداً. إن من يملك أدوات الإنتاج يملك أيضاً وبنفس القدر أدوات الإنتخابات العامة ومنها قانون الإنتخابات نفسه بالإضافة إلى الأموال ووسائل الدعابة والإعلام. لم يحدث يوماً أن انتخابات عامة في بلد ما قد أنتجت تبديلاً لطبقة مالكي أدوات الإنتاج. يشكل العمال في الغالب أغلبية الناخبين ومع ذلك لم تفرز النتائج قط عمالاً حقيقيين في البرلمان ولو لمرة واحدة على الأقل. هكذا حال البرلمانات وحكوماتها حتى في الدول المتقدمة سياسياً فما حال مؤسسات الدولة الأخرى التي لا تؤثر في تشكيلاتها الإنتخابات مباشرة ؟! لا تقوم الدولة الحديثة الرأسمالية بحراسة نظام الإنتاج الرأسمالي وتأمين استغلال الرأسماليين لمواطنيهم العمال وحسب بل هي أيضاً تتجاوز الحدود الوطنية وتشن الحروب بجيوش جرارة على شعوب أخرى لاستغلالها ونهب ثرواتها؛ تدفع بشعبها إلى حروب كبرى مدمرة لا ناقة له فيها ولا جمل مخاطرة بملايين الأرواح من أجل توسيع مستعمراتها وأسواق إضافية لمنتجات الرأسماليين.

لن يفلح المناضلون الحقيقيون المخلصون من أجل التقدم والتغيير في امتلاك رؤىً صائبة وسياسات ناجعة بالتالي قبل أن يدركوا تماماً طبيعة التغيرات النوعية العميقة التي جرت في علاقات الإنتاج المحلية والعلاقات الدولية في سبعينيات القرن الماضي وما بعدها ـ الأزمة القاتلة في النظام الرأسمالي العالمي في العام 1971، خروج الولايات المتحدة من معاهدة (بريتونوود) الغطاء الذهبي في العام 1971، إعلان الأمم المتحدة عن نهاية الإمبريالية في العام 1972، انهيار الدولار المتسارع في العام 1973، تعاظم العجوزات في الموازنات العامة للإدارة الأميركية كما في الميزان التجاري 1971 ـ 1975، مؤتمر الأغنياء الخمسة (G 5) وإعلان رامبويية الذي كسر الأساس الذي يقوم عليه النظام الرأسمالي وهو قيمة النقد التبادلية كما الاستعمالية 1975، الانتشار السريع للاقتصاد الاستهلاكي (Consumerism) وما رافقه من توسع متعاظم في إنتاج الخدمات منذ العام 1976، تعاظم الديون الدولية من 70 إلى 3000 مليار دولار خلال خمس سنوات فقط 1976ـ1981، نضوب القروض وإفلاس الدول المدينة 1982، نزوح الشركات من مراكز الرأسمالية في الثمانينيات والتسعينيات فيما يسمى بالعولمة. وأخيراً انهيار الإتحاد السوفياتي ومجموعة الدول الإشتراكية بفعل التناقضات الداخلية وليس التناقض مع الخارج 1991.

الإيديولوجيون الدوغمائيون ورغم إقرارهم بكل هذا التغيرات لكنهم مع ذلك يصرّون على الإحتفاظ برؤاهم وببرنامجهم السياسي الذي كانوا قد رسموه في خمسينيات القرن الماضي. كيف لعاقل أن يوافق على ذلك؟! وكيف له ألاّ يتشكك في إخلاص هؤلاء الإيديولوجيين لقضية التقدم والتطوير التي يدّعونها؟! كيف له ألاّ يظنهم تجاراً يتاجرون بولاءات الناس وبالقضية الوطنية العامة؟!

تجْمع دور الدراسات المتخصصة على أن نمط الإنتاج الخدمي قد أخذ منذ ثلاثة عقود يطرد الإنتاج السلعي من المجتمعات الغربية التي ظلت تقود المجتمعات البشرية خلال القرون الثلاثة الأخيرة. وتشير الإحصاءات الصادرة عن مختلف دور الدراسات المتخصصة إلى أن نسبة الإنتاج الخدمي إلى مجمل الإنتاج العام هي 75% بالمعدل في سائر البلدان الغربية الرأسمالية سابقاً. الإنتاج الخدمي هو من نمط الإنتاج الفردي في كل أحواله ولا يتحقق إطلاقاً في نمط الإنتاج الرأسمالي. من هنا يمكن التأكيد على أن علاقة البلدان النامية في العالم الثالث بالبلدان الغربية الرأسمالية من العالم الأول سابقاً قد تغيّرت كلياً. لم تعد البلدان النامية سوقا مفتوحة لمنتجات الدول الرأسمالية سابقاً وقد غدت سوقاً لمنتجات الدول الأسيوية الشرقية غير الإمبريالية ـ وليس بوسعها أن تكون إمبريالية. وبناء عليه فإن البرامج السياسية التي رسمتها الأحزاب في خمسينيات القرن الماضي قد جرى عليها التقادم ولم تعد تستجيب لقضايا العصر أو صالحة للاستعمال على الإطلاق. على مخلف الإيديولوجيين في مروحة الأدلجة العريضة أن يراجعوا أنفسهم ويرسموا برنامجاً سياسياً مختلفاً يحاكي حقائق العصر.

تراجع الإنتاج الرأسمالي السلعي لصالح الإنتاج الفردي الخدمي في الدول الغربية الرأسمالية سابقاً اقتضى بالضرورة استبدال الدولة الحديثة (الرأسمالية) بدولة أخرى من طراز جديد ووظيفة جديدة هي دولة الرفاه (Welfare State). ومن خصائص الدولة ما بعد الحديثة ..
1. التوسع بالاستهلاك كما بالإنفاق .
2. العجز الدائم في الموازنة العامة كما في الميزان التجاري.
3. الإستدانة المتزايدة والمعاناة من تضخم المديونية.
4. تآكل قانون القيمة الرأسمالي وانهيار السوق بقواعدها الرأسمالية.
5. تفاقم الضرائب والغرامات على الرأسماليين وأصحاب الدخول المرتفعة.
6. هجرة الشركات الإنتاجية الرأسمالية إلى خارج الوطن (العالم الثالث) وهي ما تسمى العولمة.
7. تحوّل أكثر من 90% من رؤوس الأموال من التوظيف في الصناعة الرأسمالية إلى المضاربة في البورصة.
8. التضخم الفعلي للنقد وهو ما تآمرت الدول السبع الغنية (G 7) على تزويره بضمانة اسمية في الأسواق.
9. الإنتاج الكثيف والمتنوع للخدمات والإغراق في استهلاكها في تحضّر أجوف وغير حقيقي.
10. تقلص عناية الدولة بالشؤون الخارجية.
11. استغناء الدولة عن معظم القوى المسلحة.
12. تعاظم اتساع الطبقة الوسطى لتحتل أكثر من 80% من مساحة المجتمع.
13. تعالي صيحات الديموقراطية وحقوق الإنسان كمناخ مناسب لإنتاج الخدمات الفردي.

الإيديولوجيون الدوغمائيون ينكرون كل الفروق بين الدولة الرأسمالية من جهة والدولة ما بعد الرأسمالية (دولة الرفاه) من جهة أخرى رغم أن خصائص الدولة الرأسمالية هي تماماً عكس خصائص دولة الرفاه التي ذكرنا العديد منها. إن مثل هذا الإنكار من شأنه أن يدفع بهم لاقتراف أخطاء تعود عليهم بالضرر الفادح والخسران، سيدفع بهم إلى الفراغ وإضاعة كل نضالاتهم لقرن طويل. عليهم أن يعترفوا بالفرق الكبير بين الدولة الأميركية الرأسمالية وعلى رأسها لندون جونسون (1963ـ1969) والدولة ما بعد الرأسمالية وعلى رأسها بل كلنتون (1992ـ2000). فعندما كان جونسون يرسل أكثر من 300 ألف عسكري مع كامل ماكنة الحرب الأميركية لتدمير فيتنام وتقتيل شعبها في الستينيات كان الشاب بل كلنتون يتظاهر ضد الحرب على فيتنام في شوارع لندن. ليس من سبب يدعونا إلى عدم تصديق كلنتون عندما افتتح مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل ديسمبر 1999 وقال بصوت عالي أنه يضم صوته إلى أصوات المحتجين ضد العولمة في مظاهرة صاخبة خارج القاعة وطالب المؤتمر بأن يضع حقوق العمال في مقدمة الأولويات. وكيف يفسر هؤلاء الإيديولوجيون الدوغمائيون مباحثات كلنتون مع زعماء الإشتراكية الأوروبية الرؤساء، جوسبان/فرنسا، شرودر/ألمانيا، بلير/بريطانيا، في لندن عام 2000 وبعد يومين من المباحثات خرج ليقول أن المباحثات قد تركزت على نظام الطريق الثالث (Third Way) أي النظام غير الإشتراكي وغير الرأسمالي !! هل مثل هذا الكلام يصدر عن رئيس أكبر دولة رأسمالية إمبريالية ؟؟

ما نود أن نؤكد عليه في النهاية هو أن صورة العالم في ستينيات القرن الماضي ليست مثل صورته اليوم. ليس إلا مكابراً من يقول أن العلاقات الدولية ما زالت على حالها منذ نصف قرن أو من يعتقد أن اختلاف العلاقات الدولية ليس بسبب اختلاف في علاقات الإنتاج في كل دولة على حدة. في الحقيقة أن العالم دخل في العقود الثلاثة الأخيرة مرحلة ضبابية لا تساعد على قراءة صورته بخطوطها الدقيقة وألوانها الباهتة. ومما يزيد الأمر تعقيداً هو أن العامة تستريح إلى الحياة الإستهلاكية من جهة، ونمط الإنتاج الفردي وما يوفره من حريات فردية من جهة أخرى، وهو النمط الذي من خلاله تقوم الطبقة الوسطى بإنتاج طوفان من الخدمات. وهذا ما يشجع على الإستمرار في الإحتفاظ بالبرامج السياسية المتقادمة.

لكن كل هذا إنما هو على حساب البروليتاريا العالمية إذ يؤكل خبزها دون شكور. ما نقرؤه في الصورة الضبابية لعالم اليوم هو أن " النظام " الدولي القائم اليوم هو نظام السرقة. السرقة التي تجري في قناتين مختلفتين، أولاهما تتمثل بالنهب غير المنظم الذي تمارسه الدول الأغنى (G 7) بعد أن تكافلت بضمان أسعار نقودها في أسواق النقد الدولية وهو ما يسّر لها مضاعفة كتلها النقدية دون حسيب أو رقيب على حساب الدول الأخرى وشعوبها، وثانيتهما ويتحقق من خلالها نهب أكثر بشاعة مما في القناة الأولى حيث تبادل الطبقة الوسطى خدماتها بالسلع من إنتاج البروليتاريا بأضعاف أضعاف قيمتها في ظل تآكل قانون القيمة وانهيار السوق الرأسمالية. إن أي باحث متخصص في علم الإقتصاد لا بد له من أن يجد أن قيمة الخدمات تتحقق أولاً وأخيراً بقيمة السلع وهو ما يعني أن لا قيمة للخدمات على الإطلاق إلا بإنتاج السلع. لا تستطيع الخدمات الوصول إلى السوق بقصد المبادلة إلا محمولة في جوف السلعة. ما كان الإنسان لينتج أي خدمة لو لم يكن هدفه إنتاج السلعة المادية بقيمتها الإستعمالية. ما نراه اليوم هو عكس سنة الطبيعة حيث تقوم الخدمات بافتراس السلع برعاية دولة الرفاه.

الأمل الكبير الذي يداعب الخيال اليوم هو أن عمر الحرامي قصير، فدائماً ما كان يتم القبض عليه ويحاكم ويشنق ! فمتى يتم شنق " النظام " العالمي القائم اليوم، نظام السرقة ؟؟

فـؤاد النمـري
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب إلى أحد منتحلي الشيوعية - رزاق عبود
- أي دولة، في أي فلسطين ؟
- على هامش الفلسفة
- معزل المتثاقفين
- متى تستحق الإشتراكية ؟
- أوجب واجبات الشيوعيين
- ليس من السهل أن تستمر ماركسياً حقيقياً !!
- ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأميركية؟!
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟ (2) الديموقراطية الشعبية
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟
- نداء للكريمين: مروّه وهاشم
- اليسارية مجهولة الهويّة
- بين اللينينية والستالينية
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (3)
- العداء الكاذب لأميركا ولإسرائيل
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (2)
- في نقد ماركس
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية
- البنية الطبقية في الأردن والعمل الشيوعي
- الحزب الشيوعي المصري والماركسية المبتذلة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد النمري - الدولة ما بعد الحديثة