أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - أصابع كفها فقط خلف الباب !















المزيد.....

أصابع كفها فقط خلف الباب !


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2091 - 2007 / 11 / 6 - 09:25
المحور: حقوق الانسان
    


كنت يومها أقف على باب منزلها ولكنني لم أستطع رؤيتها لأنها كانت خلف الباب الذي شقته نصف شقة لا تكفي إلا لإخراج يدها منه , ومن خلال يدها عرفتها من هي دون أن تكلمني كلمة واحدة .
فأصابع يديها رأيتهما كما رأيتهما أول مرة في حياتي يشتعلان بالفن والنحت بقلوب الرجال من أمثالي الذين يقعون في الغرام من أول نظرة ويعشقون على سرعة البديهة ويطيشون على أقل من فتر أو شبر ماء أو على قطعة قماش مبللة بالماء .
وهذا ليس عيبا بي, بل هي صفة كل عاشق للجمال.

حقا أنا عاشق للجمال أينما رأيته وخصوصا أنني أستطيع أن أرى كافة ملامح غالبية النساء والبنات والصبايا من خلال الكف أو أنني أشتم في رائحة الأصابع, و سعة الصدر وضيق الخصر وإنكماش الجبين ولون البشرة .
ومنذ أن مدت أصابع كفها من الباب حاولت لمسهن لأي سبب وعن غير قصد أحسست بدوار في رأسي كدوار البحر والأماكن المرتفعة , وسبب دوار البحر متعلق بالخوف الذي نشعر به خشية الغرق بالماء والإختناق به حين يملأ الماء رأتينا .

أما الدوار الذي أحسست به على باب منزلها فهو متعلق بالحب الذي غمرني والجمال الذي بهرني فشعرت فعلا ولأول مرة في حياتي بقصيدة نزار قباني : رسالة من تحت الماء وأحسست كم كان عبد الحليم حافظ متعب ومرهق من الغرق في بحر العشق وأحسست بنفسي أنني لأول مرة في حياتي أشعر بما شعر به المجانين من قبلي أمثال قيس ولبنى وكثير عزة وعنترة وعبلى ....و كم كان مصير عابدي الجمال مأساوي وإتراجيدي جدا .

وها أنا على عتبة الباب لم أتكلم معها كلمة واحدة غير تلك الأفكار التي راودتني على باب بيتها , وإزداد إحساسي بالدوار وإزدادت رغبتي بكتابة قصيدة على باب بيتها من ألف بيت من الشعر العامودي ولم أستطع أن أقاوم شعوري فأخرجت من جيبتي قلمي العظيم عظمة الملوك والأباطرة وأحسست أنني ملك يريد أن يتخذ قرارا نهائيا لا رجعة به ولكن دوار الرأس إزداد فأعاقني جدا وما زالت أصبع كفها الخمسة تقبض بمقبض باب بيتها ويدها مكشوفة حتى كادت نصف الكرة الأرضية أن تظهر أمامي ووطنا مجهولا يسكنني وأضيع به وأتوه به وأفقد هويتي به فتتبناني مؤسسات رعاية الأيتام والأطفال الناتجين عن السفاح الجنسي وأحسست في تلك اللحظة أن عندي جرأة لأقبض بمقبض الباب ولكن منظر جمال أصابع كفها الخمسة تستحوذ على 90% من ممتلكاتي الذهنية وملكاتي الفكرية وإنه بهذه اللحظة ستكتب رواية عربية جديدة أبطالها من المجانين والجهال والمراهقين والمتعبين من عشقهم للجمال.

فخطرت ببالي فكرة وهي أن أستحيل إلى دخان أبيض كي أتسلل من خلف الباب لأرى باقي التفاصيل لأصعد جبال عمان الشاهقة وأنزل بيدي المرتجفتين على شلال شعرها ألأسود وحاجبها الهلالي الذي جمع بجماله شوارع مدينة الزرقاء وماحص ليلا .

ومن شدة الدوار إزدادت حيرتي من أمري ولم أستطع أن أستحيل إلى دخان أبيض أو أسود وملكاتي الذهنية إزدادت إنشغالا برسم تفاصيل جسم عاري من العصر الروماني وشفاف حمراء مثل أراضي أهلي في مدينة إربد وحيها الشرقي ذا التراب ألأحمر وكل هذا رأيته فقط من خلال أصابع يديها الخمسة ولم أرها من قبل وهذه أول مر ة كنت رايتها بها في حياتي فأصبحت جزءا من تاريخنا العربي المحروم من لمسات الفن القوطي وتغاطيس المعمدان الكنسية.

وبدأت أحاول أن أمد لساني بأي كلام يفتح بيني وبينها بابا للنقاش ولكنني أحسست بإرتباك كبير في الكلام وكأنني أمام جمهور من النقاد يريدون أن يستمعوا لقصيدة فيعيبونها جملة وتفصيلا لأن النقاد يبحثون دائما عن الثغرات ويتجاهلون قيمة الجمال الذي في قصائدنا فقلت في نفسي : بيني وبينها يدي وسآخذ حقي منه بيدي وبأصابع كفي كما قتلتني هي بأصابع كفيها فجاءتني جرأة نادرة جدا لأول مرة في حياتي فقررت لمس أصابع كفيها بكفي ولتكن النتيجة ما تكن فلن أستطع صبرا على الجمال وخصوصا إذا كان في كاحل رجل المرأة أو أصابع كفها .
ولكنني تخليت قيليلا عن جرأتي وتذكرت أنه قانونيا لا يجوز إستيفاء الحق بفعل اليد فخفت لو فعلت أن يحبسونني وأن يطعمونني للكلاب الجائعة أو أن يطعمونني لبلاط السجون وقمله وجبروت خزنته , فتنازلت قليلا عن حبي للجمال ..ومع ذلك عندي إصرارا على غزو الجمال ولمسه بيدي .

أرأيتم كم هي الحسابات دقيقة في مجتمعنا حين نريد أن نستمتع بلحظات حياتنا؟
وكيف هو الموت ثمنا باهضا للإحساس بالجمال ومتعته؟ .
وكيف يكون جسدنا طعاما لبلاط السجون وقمله ؟!
ومع ذلك قررت في نفسي أن أستحيل إلى ذكر من ذكور النحل يموت ثمنا لنزوته وشهوته وشعرت عندها أن كل عربي لا يستطيع أن يمد يده للجمال ويتحسسه ,أحسست فعلا أنه مثلي حشرة تافهة , طالما أنه لا يستطيع أن يستحيل إلى غيمة يلف بها خصر من يحب أو دخان يتسلل من خلف الباب .

وفعلا مددت أصابع كفي لألمس كفها الأبيض وأصبحت بيني وبينها خطوات قليلة وقدرت المسافة في ذلك الوقت بيني وبينها بما يعادل 3سنتمتر ومع ذلك شعرت وكأنني إنسان أوروبي من أصل مجتمع مدني حديث, وهي من العصور الوسطى ,ولذلك تحولت المسافة بين أصابع كفي وكفها إلى أكثر من مليون كيلو متر مربع ولذلك تعبت من حساباتي الدقيقة ومن كلفة السفر وطول السفر وبعد المشقة ونظرت حولي فلم أجد وسيلة نقل تنقلني لزمنها أو وسيلة نقل تتقارب بها المسافة بين عصرها وعصري ...وآه من طول السفر وقلة الزاد .
في ذلك الوقت شعرت أنها ستتكلم هي إن لم أتكلم أنا فهذه اللحظات التي أرويها لا تتجاوز حلم قصير مع أنها واقعة حقيقية وقعت معي إستمرت على أبلغ تقدير أكثر من 5 خمس ثواني .
وقبل أن أجد وسيلة نقل تنقلها لزمني سمعت من بعيد صرخة رجل تشبه صرخات عنترة العبسي وأمها تقف من خلف أبيها وخرج شقيقها يصعد سطح منزل الدار وركض الأطفال الذين خرجوا من باب آخر يسترقون السمع وبدأت أصابع كفها بالتراجع شيئا فشيئا عن مقبض باب الدار وإرتخت أصابعها وعادت يدي إلى جيبي مقطوعة محرومة بعد أن قررت أن ترتوي من كفها الأبيض وسمعت قحة رجل من الغابرين مع سعال يخرج من فمه وسمعت أصوات عالية تسأل عني وتقول : مين على باب إلدار ...مين ....مين تفضل يا أخي ...ولكن كيف أتفضل وهذا الحرس الشخصي يلف المنزل بطوق أمني ؟عندها قررت الرحيل تاركا خلفي ذكر رجل يعشق الجمال على الفطرة وبسرعة البديهة مقموعا قمعا صوفيا يلبس ثوبا ليس ثوبه ويخلع عن جسده رداءه الأصلي رداء حب الجمال والحرية والعلمانية والمجتمع المدني الحديث.
وتلاشت بيننا السنون والأيام والأعوام العشر ة ... وأبعدتنا جبال عمان عن بعضنا... مع أننا نحب عمان حبا عظيما بحجارتها البيضاء وقرميدها ألأحمر...آه كم نحن نحبك يا عمان ...ويا إربد يا عروس الشمال ...كل هذا جعلني أشعر بدوار البحر كلما دخلت باب حبيبتي عمان.
من ذكريات عاشق



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجوم على الإسلام3, أم الهجوم على أعداء الحرية ؟
- الهجوم على الإسلام 2
- أطيب من إلنسوان؟لا مال ولا خمره
- الخجل الثقافي
- الهجوم على الإسلام 1
- البطل التاريخي الذي لم يظهر على خشبة المسرح
- الدول العربية غير معنية بالتقدم لأنها أنظمة فاسدة
- خاطرة مثقف متعب
- المسلمون مصابون بإنفصام فكري
- يوم وفاة الدكتور علاء علاونه
- من ذكريات عاشق1
- العرب أللصوص ألكرماء
- عانقتها في ...
- فلسفة الفقراء
- إندروفين الحب
- قراءة في ملحمة الخلق البابلي (الإينوما إيليش)
- يا بعيد ...ما أبعدك!
- مزرعة الحيوان (جورج أوريل1903-1950)
- العامل والمجتمع الصناعي
- من باع فلسطين ؟


المزيد.....




- فرار 8 معتقلين من سجن في هايتي والشرطة تقتل 4 آخرين
- الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة باتفاق رهائن مع حماس
- ميقاتي ينفي تلقي لبنان -رشوة أوروبية- لإبقاء اللاجئين السوري ...
- فيديو.. سمير فرج يُشكك في عدد الأسرى الإسرائيليين: حماس تخفي ...
- برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش -مجاعة شاملة-
- مديرة برنامج الأغذية العالمي: شمال غزة يواجه بالفعل مجاعة كا ...
- -جيروزاليم بوست-: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ...
- فعلها بحادثة مشابهة.. اعتقال مشتبه به دهس طفلة وهرب من مكان ...
- المياه ارتفعت لأسطح المنازل.. قتلى ومفقودون وآلاف النازحين ج ...
- طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - أصابع كفها فقط خلف الباب !