أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - عطر البنفسج الذي شاغب روحها















المزيد.....

عطر البنفسج الذي شاغب روحها


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 11:13
المحور: الادب والفن
    



ربما كانت منتبهة تماما لعيونه المتلصصة . ربما كانت واعية كل لفتة منه ، تعمدت مرارا أن تترك جزءا من صدرها البض يشاغبه وهي تجلس تحت الشجرة ترضع صغيرتها .. كانت منحنية علي مقدمة سيارة أحد التجار في شارع عبد العزيز الذي لا يرضي بغسيل الشاب في البنزينة المجاورة ،ويأتي بسيارته إليها، يداعبها في مودة ويخبرها أنه لا يقتنع بنظافة سيارته إلا بعد أن تمر عليها بيديها القويتين ، ثم يدس في يدها عشرين جنيها بحالها ، تفرح وتعد صغارها في ذهنها بعشوة تمام ، تدس النقود في صدرها وتبتسم ابتسامة امتنان ولا تعلق ، ينصرف الرجل الذي لم ينتظر منها الشكر يوما وهي تواصل عملها بهمة .
جاء الرجل الذي تنتظر في موعده ، شمس الغروب تسقط علي وجهه الشاحب ، فتظهره أكبر من عمره ، تظهره ضعيفا ووحيدا ، يجلس في سيارته يرقبها وهي تواصل عملها ، ولما تحس بعيونه ، تترك الرغوة الكثيرة تغطي مقدمة السيارة .تجفف يديها في جلبابها المعقود حول وسطها . تفرده وتنفضه ، ثم تتجه إلي الشجرة ، تمسك بقطعة قماش بيضاء وتنظف وجه صغيرتها ، ثم تقربها من صدرها ، وهو جالس هناك يرقبها بأسي . فكرت كثيرا أن تصيح في وجهه ، أن تلم عليه الناس وتقول له عيب يا أستاذ جلستك دي ، ولكنها حين تلمح نظرته الأسيانة تقف الكلمات في حلقها ، وتتظاهر أنها لا تراه ، فقط تتركه يتلصص عليها ، وفقط تتمني أن تذهب إليه وتسأله بوضوح ماذا يريد منها .. أيام لا تعرف عددها وهو جالس في سيارته الفخمة في نفس التوقيت ، يمكن لواحد يسير في طريق جانبي ويبحث عن واحد ليسأله كم الساعة الآن أن يعرف التوقيت بوصوله .. ولما امتلكت الآن قدرا من الشجاعة قررت أن ترقد الصغيرة التي ارتوت تماما ونامت ، قررت أن تذهب إليه وتحادثه . أرقدت الصغيرة في الفراش الذي أعدته لها من جلباب قديم فرشت فوقه عباءتها التي تعود بها إلي منزلها في حارة البرقوقي في مصر القديمة ، ونصف ملاءة مهترئة صنعت منها مخدة صغيرة أنامت عليها رأس الصغيرة . وسارت بخطوات هادئة . حدسها الأنثوي لم يخبرها عنه بشيء .. تتقدم نحوه في بطء .. لم يرتبك باقترابها ، فقط ابتسم ابتسامة الواثق بتحقق توقع ما ، راهن نفسه عليه طويلا . قال لها بصوت هادئ حنون لم تسمع مثله قبلا وأشار بيده نحو الصغيرة النائمة : دي بنتك ، ضاعت كلمات كثيرة جهزتها وهي في الطريق إليه وتمتمت :
ـ أيوه يا بيه .. ...
سألها بذات الصوت الدافئ :
ـ أنت اسمك إيه ؟
نظرت إليه كما المسحورة وقالت :
ـ اسمي فادية ..
رد بثقة لا يعرف مصدرها .. ولا يعرف كيف ستتقبل المرأة كلماته ، فربما تنزل بكفها القوية علي وجهه .. وربما تقول له ألفاظا يخجل حتى من مجرد التفكير فيها .. ومع ذلك قال وعيناه تتركزان في عينيها اللتين لا تستقران علي شيء منذ أن اقتربت من سيارته .. :
ـ بكره يا فادية حاولي متجيبيش البنت معاكي علشان هتروحي معي ....
وبصوت يعجب الواحد من سماعه وخاصة من امرأة عرفت بقسوتها مع الغرباء ، وعرفت كذلك بصوتها العنيف الذي تعتبره حائط دفاع تداري به ضعفها الأنثوي ، قالت :
ـ حاضر يا بيه .. في نفس الميعاد ..؟
ضحك ضحكة رائقة وقال :
ـ أيوه .. سلام .....
قاد سيارته الفضية وراقبها في وهي تتراجع للوراء وتبعد . وقفت تائهة لا تفعل شيئا .. انتبهت من غفلتها علي صوت فرملة قريبة . اتجهت إلي السيارة التي جفت عليها رغاوي الصابون السائل ، أكملت غسلها ، واشترت لأطفالها طعاما وفاكهة وعادت بقلب شجي . لا تعرف هل هي خائفة أم حزينة ، غاضبة أم فرحة .. فقط كل ما تعرفه أنها باتت تحلم بصوته الحنون وهو يحادثها ..........
هو
هل كان حقا أسيرا لحزن عينيها ؟
ألم يعد لها الفخاخ التي تجعلها تتوسل إليه أن قيدني بمودتك ؟
ألم يحلم بملامسة نصف صدرها الذي يبين وهي ترضع الصغيرة ؟
ألم يكن قاسيا حد البداوة حين قال لها بلهجة من تملك فؤادها موعدنا غدا ؟
وذلك القميص الوردي الذي عطره برائحة البنفسج وفرده بطوله علي الكرسي الملاصق لسريره هل كان مصيدة أحكم غزلها ؟.. من للفقيرة بتنسم عطر البنفسج وملامسة قميص وردي مفرود بعناية علي كرسي ملاصق لسرير ؟!
هي
ألم تر نظراته المتفحصة لها منذ شهور ؟
ألم يخطر ببالها أنه يريدها كما يريد الرجال النساء ؟
هل صدقت حقا دفء صوته وحنانه ؟ وهل قابلت يوما رجلا أو حتى سمعت عنه يعطف علي امرأة من أجل حزن عينيها .. هي محض أنثي وتستشعر جيدا ما يريده الرجال .. وللحق حتى هذه اللحظة كل الرجال سواء ... ينظرون للمرأة مهما اختلفت وضعيتها كونها محض جسد ..
كيف تناست ما عاهدت نفسها علي فعله دوما ، وهي أن تصنع حائط دفاع قوي لا يلين حتى تقدر علي الوقوف في الشارع هكذا تعمل كما الرجال دون خوف .. ؟
تعمدت القسوة والعنف دوما حتى تداري ضعف روحها .. فكيف رآه ذلك الضعف الذي يؤرقها دوما ؟
كيف نسيت عهدها الذي قطعته علي نفسها ألا تسمح لرجل يوما بقهرها .. منذ أن تخلي عنها من باعت الدنيا من أجله .. تركها وبضعة صغار تقف طوال النهار لإطعامهم .. أقسمت ألا تسمح لرجل بابتزازها أو الإساءة إليها .. هي تمشي لقدرها بعينين مغمضتين وقدمين تائهتين ..
أنا
كنت أراها في الفضاء الحكائي الذي كان يتشكل كلما مررت من أمامها في طريقي لمطبعة الأمل في شارع عبد العزيز .. كنت أقف لحظات أراقبها وهي تشد أطراف جلبابها حول وسطها ، وتبين سيقانها بضة مغرية ، وبنطلونها الرخيص يشاغب العيون .. وساعداها القويان يمران بعنف علي الليفة المغموسة في رغاوي الصابون ، ثم وقفتها علي مسافة نصف متر أو يزيد من السيارة التي انتهت توا من غسلها .. تتأمل لمعان الصاج الذي تتغير ألوانه حسب كل سيارة .. ثم تبتسم راضية وتتجه بقوة آلة لا تلين إلي أخرى تنتظر .. ولا تلتفت لكل التعليقات التي تأتيها من المارة أو من السيارات المسرعة.
وحين رأيته يجهز قميصا ورديا وزجاجة من عطر البنفسج ضحكت منه ، كل الحكايا يكون فيها عطر وقميص وردي ، وكل الحكايا تكون فيها امرأة مستعدة في لحظة للوقوع في الحبائل ... وكل الرجال سواء ، ونحن ـ الكتاب ـ نتصيد لهم لحظات الإحكام الجيدة .
هويدا صالح
القاهرة



#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الزمان والمكان في رائحة الغائب
- أسئلة القصة القصيرة
- سينما السبعينيات وحقوق الإنسان
- النساء يبحثن عن كوي للضوء ما بين قاسم أمين والطاهر حداد
- قراءة في قصص ذاكرة الجسد
- المرأة الحزينة والمرأة الحالمة دوما
- الشيخ أحمد
- كوي صغيرة نبص من خلالها علي أعماق الأنثي المنسية
- أفضية الذات / عندما يصبح النقد موازياً
- رجل وحيد وشجرة عارية
- سبع مقاطع من يوميات شجرة عارية
- من يوميات شجرة عارية
- تزييف الوعي
- الواقف في مفرق التيه
- جل أسطوري
- نجيب محفوظ بين الرمز الفني والواقعي
- انعتاق
- نهاية الأضداد وبداية الإعلام غير المحايد
- الأستاذ منصور
- الموسيقي الكلاسيكية / عصر الباروك


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - عطر البنفسج الذي شاغب روحها