الأستاذ منصور

هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:16
المحور: الادب والفن
    

الأستاذ منصور
( وإن منكم إلا واردها ).بهذه الجملة القرآنية المكتوبة بخط رقعة منمق , ومعلقة فوق مكتبه تدخل عليه. في منتصف الخمسين من العمر. لا تعرف إن كان واقفا أم جالسا فوق المكتب الخشبي المدهون بلون بني غامق .يستقبلك بابتسامة تملا وجهه. ودون أدني معرفة سابقة يقول لك.:
ـ حمد لله علي السلامة.
لا ينتظر الرد منك . فقط يقول لك الجملة وعند ذلك يتأكد لك إنه كان واقفا بعد أن يجلس ويشير لك أن تأخذ مكانك علي الكرسي أمام مكتبه:.
ـ طلباتك يا سيدنا.
كل من يدخل عليه سيدنا. وإن كانت امرأة فهي ريسة ولا يعود ذلك إلي انتسابه إلي جماعة معينة في الطرق الصوفية. فربما تتعامل معه لسنوات ثم تفتح حنكك ذات أصيل أمام بعض زملائك حين تفاجأ أن الأستاذ منصور مسيحي .تمد يدك إليه بالخطاب الموجه من الإدارة التعليمية ..يتناوله وهو ينظر من تحت النظارة بطريقة ترجعك إلي سنوات الطفولة حين كنت متيما بالتليفزيون والأفلام وتري فيه هؤلاء الموظفين الذين يظهرون في أفلام الأبيض و الأسود ...ينظر إلي توقيع المسئول ويقول لك بصوت جاد:
ـ الأستاذ حشمت هو آخر الرجال العظماء الذين سوف نفتقدهم عن قريب نظرا لقرب خروجه إلي المعاش. ثم يترك النظارة من بين يديه لتسقط بهدوء علي سطح المكتب ويروح يحدثك عن اليوم الأول الذي شاهد فيه الأستاذ حشمت,أو أي حشمت آخر. المعجزة التي نزلت علي الأستاذ منصور منذ نعومة أظافره هي أنه لا ينسى يوما وجها رآ ه , أوتعامل معه.
ـ إن شاء الله ياسيدنا ترتاح معنا.
هذه جملة دائمة ومحفوظة حين يتأكد له من الخطاب أن الذي تقدم به هو أحد المدرسين الجدد. ربما تمر أسابيع دون أن تلمحه أو تتعامل معه. لكن الأسابيع أبدا تمر ويأتي ذكره. لابد تعرف من أفواه الزملاء والزميلات أن الأستاذ منصور قاسم مشترك في الحياة داخل المدرسة. فالزميل الذي جاءته نشرة من الإدارة التعليمية بضرورة نقله لابد أن يقول لك حين تتحسس أخباره حين تلاقيه:
ـ أنا خدت وعد من الأستاذ منصور.
ولك أن تعرف أن ما من مدرسة داخل القطر إلا ويأتيها في الأسبوع أكثر من نشرة نقل. ولكن إن فاتك ذلك خلال الأسابيع , فلابد أن أحد الزملاء قد وقع في مشكلة مع أحد أولياء الأمور الذين يثقون فيه ويسحبون شكواهم حين يتدخل الأستاذ منصور ..بل قد يحملهم حق عرب لأنهم لجأوا للشكوي قبل الرجوع إليه ..ينتهي الموقف باعتذار الشاكي الذي تخطي الأستاذ منصور.. عند ذلك ستتعرف عليه . وربما حين تطلب من المديرة طلبا تحيلك إليه وتقول في نبرة الواثق الآمن :
ـ اسأل الأستاذ منصور.
وهكذا لابد لك أن تتعرف عليه عاجلا أم آجلا.

#هويدا_صالح (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات