أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - إنتبه فلربما يتناول اطفالك في العراق منذ سنين سموم الزئبق مع الحلوى روائح رأسمالية (3) (#)















المزيد.....

إنتبه فلربما يتناول اطفالك في العراق منذ سنين سموم الزئبق مع الحلوى روائح رأسمالية (3) (#)


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 12:35
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في اواخر عهد صدام في العراق، وصل حال الناس في احد اغنى بقاع الأرض على الإطلاق، وضعاً مريعاً من الناحية الإقتصادية، نتيجة حماقات وامراض الحاكم وبراغماتية تعامل العالم بقيادة اميركا معه انظلاقاً من ايديولوجية لاتحسب اي حساب لقيمة انسانية. وكالسمكة التي تتقلب مختنقة خارج الماء بجنون بحثاً عن الحياة، راح العراقيون يدورون هنا وهناك عن طريقة لسد رمقهم.

من هؤلاء الناس كان صاحبي لطيف علو، صاحب العائلة الكبيرة التي احرقها جندي امريكي فيما بعد، كان يبحث عن حل لسد رمق اطفاله. ولأنه كان يعمل سابقاً كمهندس في معامل لصنع الحلوى لدى بعض اغنياء البلد قرر ان يجرب ان يؤسس "ورشة" صغيرة قدّر انها كافية لإنتاج وبيع الحلوى. فباع ما لديه واشترى، باستشارة خبير في تلك الصناعة دفع له حقه غالياً، ماكنة قديمة عاطلة ووضعها في منزله. وبعد جهود جبارة لامجال لها هنا، اشتغلت الماكنة مع كل ما رافقها من دوي وانفجارات ودخان، لتصبغ وجهه ووجوه وايادي عماله (اطفاله).

ولأن لطيف ليس "رأسمالياً" ماهراً فانه لم يحسب الأرقام مسبقاً بل افترض انه مادام الآخرين يربحون فيمكنه ان يربح هو ايضاً حتى ولو كان اقل، فأي ربح يأتيه سيكون نعمة كافية.
وحين تم اخيراً انتاج اول بضعة كيلوات من الحلويات وذهب بها الى السوق، فوجئ المفاجأة التي حطمت كيانه: كان سعر الكيلو الواحد اقل حتى من كلفة المواد المكونة له!

ذهب لطيف الى "الخبير" يسأله عن السبب وكيف ينتج الآخرون بهذا السعر، فابتسم هذا وقال له:
"ما هي المواد التي تستخدمها؟" فقال لطيف كذا وكذا...
اجاب الخبير: " آه ..أصباغ الأغذية التي تستعملها غالية الثمن لأنها مستوردة، بكم تشتري الكيلو من اصباغك؟"
" بـ 45 الف دينار"
"الصناعية الكيلو بالف دينار فقط، وفوق ذلك هي براقة...اصباغك اضافة لغلائها معتمة ولن يشتري احد حلوياتك"
"لكن اليست هذه سامة؟ ان فيها مركبات الزئبق حسبما اعلم؟" (*) اجاب لطيف.
فقال الخبير مبتسماً: "الجميع يستعملها"
"لكنها خطرة على الحياة...تترسب في الجسم وتقتل الإنسان"
"لم ار احداً يموت"
اسقط في يد لطيف وقال محتاراً: "والحل؟"
فأجابه الخبير بحيادية: "اذا اردت ان تربح فعليك ان تستعملها!"

إن لم يكن لجميعهم, فلمعظم الصناعيين لم تكن تلك مشكلة، لكن لطيف كان "معوقاً" من هذه الناحية فلم يستطع ان يربح. كان عوقه القاتل الذي يمنعه من السباحة بـ "براغماتية" في المحيط التجاري الرأسمالي انه لم ينس انه "انسان" وانه لايستطيع ان يكون سعيداً ان جاءت تلك السعادة على حساب الآخرين وحيواتهم، دع عنك الأطفال منهم. وهكذا انتهى مشروع لطيف ومايمتلك الى ماكنة سكراب مازالت ملقاة في زاوية من زوايا بيته.
قال لي لطيف انه اتصل بمسؤولين بوزراة الصحة فقالوا له انهم يعلمون به ويتابعونه لكن الموضوع "صعب".

بعد سقوط صدام كتبت له ان يحاول إثارة الموضوع ثم كتبت له ان يرسل لي اية معلومات تفيد في الضغط على المسؤولين، لكن الرياح في العراق، عفواً العواصف، كانت تجري بجنون فنسي الموضوع الخطير وتراكم عليه الغبار رغم انه من المحتمل ان اطفال العراق (ومن يدري اية دول اخرى ايضاً؟) مازالوا يأكلون الزئبق في حلواهم.

ليس للإحتلال في هذه الجريمة يد، إلا اللهم باعتبارهم من جلب نظام صدام وساندوه وغيره من الدكتاتوريات التي اتاحت لهم اللعب بالبلدان وتحطيم شعوبها. لكن بلا شك الجرم الأساسي يقع على ابناء البلد من الصناعيين الذين لايهمهم الوصول الى مثل تلك الأفعال الإجرامية لتأمين ارباحهم. إنها شيم الرأسمالية المتوحشة التي تري ابشع وجوهها الأخلاقية عندما تترعرع في بلاد سائبة تتيح لها حرية ممارسة جشعها المنفلت بلا رقيب.

حين زرت العراق قبل ثلاث سنوات حاولت اثارة الموضوع من جديد وطلبت من لطيف ان يرتب لي لقاء بالـ "خبير" لنحاول تسجيل فلم وثائقي عن هذه الكارثة لكن الأمور في العراق كانت تسير من سيء الى اسوأ ثم جاءت مأساة عائلة لطيف فمات الموضوع ثانية وتراكم عليه الغبار, واخذت مآسي العراق المدوية المتتالية كل الإهتمام فمن يدري او يهتم بما يبتلع الناس في ظروف اشبه بالحرب الأهلية؟

تحدثت امس مع احد اصدقائي عن الموضوع امس فأكد لي الأمر وحدثني عن انه كان يعمل مهندساً في معمل "الكرنك" قرب معسكر الرشيد في بغداد, وكان هذا يصنع الحاويات المعدنية الكبيرة لحساب معامل الشامبو والصابون والمواد الغذائية، وانه كان يستعمل حاويات يشتريها من مصادر مثل التصنيع العسكري و "غيرها" وانها كانت تستعمل حسب رأيه لخزن محتويات "في غاية الخطورة"، فيقوم المعمل بقصها واستعمال صفائحها لتلك المعامل. كان صاحب المعمل ، برغم التحذير الشديد لصديقي الذي ترك العمل بعد ذلك، يكتفي بغسل تلك الصفائح او الحاويات بالماء والمكنسة ثم يصنع من صفائحها حاويات للمعامل المذكورة فيسقط شعر الناس الذين يستعملون تلك الشامبوات ويصاب بالتسمم من يأكل من المحتويات ولا احد يعلم السبب!

لذا ارجو من أي مسؤول يطلع على هذا او اي شخص يمكنه ايصال الأمر الى مسؤول او نشره بين الناس ان يفعل ذلك الآن وبلا تردد، لحث الحكومة على التحقيق فيما تستعمل الشركات من مواد ضمن منتجاتهم الغذائية فلربما يأكل اطفال العراق منذ سنين حلويات مغلفة بمركبات الزئبق!


(*) الزئبق "شديد السمية ويتراكم في الدماغ حيث قد يتسبب في تدمير الجهاز العصبي. لذلك ينصح بتجنب ملامسة الزئبق وحمله في اليد وكذلك ينصح بتجنب الاقتراب منه لتفادي استنشاق بخار الزئبق حيث انه سريع التبخر. ويقدر نفص العمر للزئبق في الدماغ ب 230 يوم وفي بقية الجسم 70 يوم"
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B2%D8%A6%D8%A8%D9%82

(#) سلسلة "روائح رأسمالية": في لقاء تلفزيوني مع جبر صولاغ، وزير المالية العراقي، وزير الداخلية السابق قبل عام قال:" نحن نتجه إلى اقتصاد السوق الحر أما التشريعات والقوانين الحالية فأشم فيها رائحة الاشتراكية". في هذه السلسلة من المقالات نود ان نشمم صولاغ المرعوب من رائحة الإشتراكية، بعض روائح الرأسمالية "العطرة"!
حلقات سابقة من السلسلة:

1- رجال الضربة الإقتصادية
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=100627

2- روائح رأسمالية : كيف صعدت اميركا على اكتاف بريطانيا- الضربة الإقتصادية- قانون النفط
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=103273



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضياع المنطق ونتائجه الخطرة في تحليل ياسين النصير
- 11 سبتمبر: الحقيقة بين عشق -نظرية المؤامرة- والخوف من وصمتها
- تنزيلات هائلة في محلات بيترايوس
- القواعد الأمريكية بين قلق العراقي وضمير ممثليه!
- القواعد الأمريكية بين قلق العراقي وضمير ممثليه
- الجزء الثاني - قصة مدينتين و-الحرس القومي-: سوابق امريكية في ...
- الجزء 1 - قصة مدينتين مع -الحرس القومي-: سوابق امريكية في إع ...
- ليش الصدريين زعلانين؟
- عن الضابط الروسي الذي انقذ الحياة على الأرض عام 1962 وأحاديث ...
- هول الجريمة لايبرر نبذ التحقيق: ردود الفعل على جريمة سنجار
- حين زارني السينالكو والمتنبي والمشهداني في المنام
- الشلاتية والسياسة: التوافق والمرأة السفيهة في الحارة
- الشلاتية والسياسة في هولندا والعراق - 1- السياسيين الشلاتية ...
- أشقاؤنا يحتضنون سارقينا الأثرياء ويلفضون مسروقينا الفقراء: خ ...
- مطالب الكرد النفطية ونهاية العراق
- قانون سيء سيورث احتلالاً دائماً
- روائح رأسمالية 2(#): كيف صعدت اميركا على اكتاف بريطانيا- الض ...
- شرعية قانون النفط كشرعية إعتراف تحت التعذيب 1- سلة الحيل الد ...
- ايها الدراجي الجميل...لقد انقذت يومي فكيف اشكرك؟
- تعال يا فالح ننتقم لرحيم، ونسجل هدفاً للعراق


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - إنتبه فلربما يتناول اطفالك في العراق منذ سنين سموم الزئبق مع الحلوى روائح رأسمالية (3) (#)