أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)















المزيد.....

تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 12:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إسقاط الدين بفخ الملكية
يأتي الدين أول ما يأتي بحدود عامة شاملة لكل البشر. فهو فكرة فردية يأتي بها النبي، والنبي شخصية غير منتمية للجماعة، أو أنها شخصية متمردة على المألوف، ولو لم يكن النبي كذلك لما سعى للتغيير. وهذا يعني أن النبي لا يأتي بدين ينطلق من بيئة (نـحن)، التي غالباً ما تمارس معه نوعاً من أنواع الاضطهاد والمطاردة، وهذه المطاردة تكرس عند النبي الحاجة لتعميم فكرته وإخراجها من أفق الجماعة الضيق، هذا ما تؤكده غالبية النصوص المقدسة التي تعبر عن أفكار الأنبياء والمصلحين (وما أرسلناك إلا كافَّة للناس بشيراً ونذيراً ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون)(سبأ 28). (تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)(الفرقان1).

لكن بعد أن ينجح الدين وينتشر وتبدأ مرحلة جني الفوائد، تتحول إليه أنظار الجماعة التي اضطهدته أولاً، وتسعى لالتهامه داخل ملكيتها، من أجل الاستحواذ على خيراته كلها، وهكذا يتحول الدين دائماً من كونه مبرر التقاء بين الإنسان وأخيه، إلى كونه مبرر عداء بينهم.

من الجدير بالملاحظة أن الجماعة وباعتبارها مؤسسة حاضنة لمجموعة أفراد، تكون دائماً بحاجة ماسَّة لحدود تفصل بين مصالحها ومصالح الجماعات الأخرى، في سياق همّ تنافسي على موارد البيئة. الميل نـحو الملكية يمثِّل أكثر تجليات هذه الحدود وضوحاً وأهمية بنفس الآن. وهذه الحدود تكون ضرورية لحماية مصالح الجماعة وضمان بقائها. لكنها من جهة أخرى تمنع من وجود أشياء مشتركة تكون ملكيتها مشاعة بين جماعتين أو أكثر. وهذا ما يجعل الملكية مبرر هدم أيضاً وليس بناء فقط. وعندما يوجد نوع من الاشتراك فإن الجماعتين المشتركتين ستسعيان للاندماج مع بعضهما، وتقتربان إلى أن يحصل الاندماج. أما إذا لم يحصل ذلك فلا بد من تعارض هذا المشترك مع الملكية مما يحول دون تلاحم الجماعتين. بعبارة أخرى فإن ميل الجماعة لحصر الملكية بالضمير (نـحن) يحول بينها وبين القبول بالملكية المشتركة بينها وبين جماعة أخرى والمتعلقة بموضوع ما. والسبب أن الميل للتملك يحول بين الجماعات وبين الحالة المشاعية. ونستطيع أن نستشهد (مثلاً) على هذا الموضوع باندماج الثقافتين الأفغانية والعربية داخل إطار الإسلام المتطرف في أفغانستان من خلال ظاهرة تنظيم القاعدة، وعدم نجاح سنة العراق من عربه وكورده في الاندراج داخل جماعة واضحة المعالم، حيث شكَّل الإسلام المتطرِّف عامل اشتراك بين الأفغان والعرب المسلمين، فتشاركت به الجماعتان ثم اندمجتا في سياق تشكيل ثقافة واحدة متَّحدة، حيث كان العدو مشتركاً ولم تكن هناك عوامل صراع وتنافس تمنع الاندماج. أما بالنسبة للحالة الثانية فإن الإسلام لم يصمد أمام التعارض بين مصالح السنة من الكورد والعرب العراقيين، ولذلك فقد انفصلت الجماعتان وذهبت كل جماعة منهما بإسلامها بعيداً، وصارت كل منهما تعمل باتجاه مختلف دون أن يبدو للإسلام أي دور فاعل في تقريب وجهات النظر بينهما.

إذن فالملكية حدٌّ ضروري من حدود الجماعة، وهو يتعارض مع الأفكار المشاعية، كفكرة الدين أول ما تأتي، ولذلك فهو يسعى لإدخالها بإطار هذه الملكية،

إن هذا العامل أو ميّزة التملك هذه هي حجر الزاوية في تشكل الهوية الجماعية، كمرحلة أولى في سياق بناء التوجه الطائفي لدى الجماعات البشرية.

الدين أو الآيديولوجيا بصورة عامة ينتقل بين الجماعات البشرية، غير أنه يتعرض أثناء انتقاله لعمليات تملك متعددة، الأمر الذي يتسبب بظهور المذاهب المختلفة. ومن الواضح أن المذاهب لا تظهر بسبب الميل نـحو التملك الموجود عند الجماعات فقط، إذ يأتي هنا دور الثقافات المختلفة والتي تؤدي أو تتسبب باختلاف وجهات النظر المتعاملة مع الدين، ما يؤدي حتماً لوجود تنويعات على الفكرة الواحدة الأمر الذي، يجعل منها فكرة واحدة بوجوه مختلفة ثم تأخذ هذه الوجوه بالاختلاف التدريجي عن الفكرة الأصل، وهنا تبدأ آثار التملك بزحزحة الدين عن مساره الأصلي باتجاه المسار الجديد الذي يجعل منه حقاً مقصوراً على الجماعة.

لكن ما السبب الذي دفع بالمجتمعات الإنسانية إلى الانتقال من المشاعية البدائية، التي أكدت الأبحاث الاثنوكرافية انتشارها بين الشعوب (البدائية)، إلى الملكية؟



الغنم والغرم بين الهوية والدين

مع أن شحة الموارد الطبيعية قد تبدوا السبب المباشر وراء استدعاء الإنسان لفكرة التملك خلال تجربته التاريخية، بمعنى أن يكون المجتمع أو الكائن البشري قد تعرض بشكل ما للجوع بسبب بيئة قليلة الموارد، ما جعله يصارع الآخر على امتلاك تلك الموارد. غير أن شحة الموارد كعامل أو دافع لا يكفي وحده لتبرير الملكية، كما أنه من جهة أهم، لا يفسر أو يبرر طبيعة التطور الذي سارت على أساسه فكرة الملكية هذه. فمثلاً إن شحة الموارد لا تدفع بالإنسان باتجاه حرمان أبناءه من الطعام مثلاً، بمعنى أن العائلة لا تكون ميداناً مناسباً للصراع حول الملكية، الأمر الذي يؤكد بأن الشحَّة لا تكفي وحدها مبرراً للموضوع.

إذن نـحن بحاجة لعوامل وأسباب أخرى تفسر لنا بداية ظهور الملكية من جهة، وطبيعة التطور الذي لحق بها من جهة أهم.

لو تخيلنا بأن مجموعة من الصيادين كانوا يلهثون وراء طريدة، فأننا يمكن أن نجزم بأن لحظات اللهاث والتعب التي تتخلل ساعات المطاردة لا تُعَدُّ الوقت المناسب للتفكير بعملية التقسيم، في لحظات التعب والنصب تختفي الأنانية، وتعم، ربما، روح الجماعة. لأن الذي يريد حصّة أكبر، عليه أن يدفع جهد أكثر، لكن، بعد أن تقع الطريدة بالشباك، أو تتساقط تحت وطأة الأسلحة، تبدأ الضمائر بالحركة والتساؤل عن الحصص. إذن فعند الغنيمة تتحرك ضمائر التملك.

عندما يتحول الصيد من كونه (غُرْم)، إلى كونه (غُنْم)، ينطلق سؤال التملك، وتبدأ عملية البحث عن الحصَّة. عندما تلهث مجموعة الصيادين خلف الثور الوحشي فإنهم لا يفكرون بمشروع تحصيصه، بل فقط باصطياده، لكن ما أن يسقط أرضاً حتى يتحول لمشروع تقسيم ومحاصصة. وهذا الهم التنافسي على الحصص ليس مطلقاً في قوته، فبين أفراد العائلة الواحدة يكون ضعيفاً جداً والسبب هو وجود علاقة بين الحاجة للحصول على الحصّة الأكبر وبين الحاجة لحماية ودعم العائلة، الأمر الذي يؤدي للتفريط بالحصّة مقابل نوع آخر من أنواع الحصص، هو الحصّة بالحماية أو الدعم العائلي.

الدين وعندما كان غرماً لم يتقسَّم بين أتباع محمد(ص). ولا بين أتباع موسى(ع)، أو عيسى(ع)، وحتى لو تقسَّم الغُرم، فإن تقسيمه سيكون سلبي؛ بمعنى أن المتقاسمين سيحاول كل منهم أن يأخذ الحصة الأقل، وليس الأكبر. ولكن عندما تحول الدين من كونه طريدة لعظماء قريش وتهمة بينهم، أو بين الإسرائيليين أو المصريين، إلى كونه دولة وحكومة، سال له اللعاب، وبدأت تتصارع حوله ضمائر التملك. وهكذا تحول هذا الدين من كونه سُبَّة وعار يلحق بالعشيرة والعائلة، ما يدفع بها للبراءة من معتنقيه من الأبناء والأقرباء، إلى كونه ملك للعشيرة وحدها، وأرث تطالب به الآخرين، بل وتجلدهم بسببه.

هكذا تحول الإسلام، فصارت عائلة محمد تطالب قريش بأرثه كما أن قريش صارت تجلد غيرها من قبائل العرب بقرابتها من محمد وهكذا فعل العرب بالنسبة لغيرهم من أمم الأرض، وإلى الآن ما يزال الشيعة يدفعون ضريبة تمتعهم بالدين لأهل الدين من عائلة الرسول محمد(ص) وهم ذريته أو من يُطْلِق عليهم الشيعة تسمية (السادة) وهذه الضريبة تدفع على شكل أموال تسمى بـ(خمس السادة)، ومع أن محمد(ص) نفسه لم يطالب الآخرين بأي خصوصية: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى)، إلا أن جماعته أبت إلا أن تحول دينه العام، لملك خاصٍّ جداً.

إن خطورة انتقال العقيدة من كونها غُرْم إلى كونها غُنْم لا تكمن فقط بتحولها إلى حاجة قابلة للتملك والاستحواذ، بل أيضاً بتحولها إلى أداة للقتل والإقصاء. إذ الدين مكمن الشرعية، وعندما يتحول إلى ملك، فهذا يعني أن جماعة ما، أصبحت تحتكر الشرعية، ما يحجب هذه الشرعية عن الآخرين، ويجعلهم خلواً منها. وربما حتى من الأهلية.

كل صراع على الملكية يبقى هيناً حتى لو كان صراعاً دموياً، لأنه في النهاية سيكون صراع غير شرعي أو على الأقل صراع متهم في شرعيته (مزعزع الشرعية). إلا الصراع على الملكية الشرعية. ففي هذا الصراع وحده، تتحد (غريزة) التملك بالشرعية، فتصبح عملية إشباع (الغريزة) هي الشرعية ذاتها. وعندما تتطابق الشرعية بالغريزة فان شلال الدم يكون هادراً بشكل مخيف.



نـحن والآخرون

لا بد من العودة للميل نـحو التملك ودراسة حرص الإنسان فرداً وجماعة على حصر الأشياء في إطار بغيض من الامتلاك. حيث يتراءى للباحث أن جنون الملكية لا يتوقف عند حدٍّ معين، بل يستمر وتتضخم الملكية بسببه حدَّ استحوذها على الشرعية نفسها، من خلال استحواذها على الدين. لكن ومن جهة أخرى سرعان ما يتبادر للباحث أن ليس هناك أي مبرر ماورائي ـ لا في الدين ولا في غيره ـ لاحتكار الشرعية. وسواء كانت الأديان منتج بشري، أم ما فوق بشري، فإن حكر الشرعية بدائرة معينة لا بد أن تكون بشرية، إذ لا معنى يبقى للدين، ولا للقيمة الإصلاحية فيه، في حال أنه تبنى هذا الاحتكار وشرعن له.

الشرعية ليس لها أي معيار خارجي: لأن ليس لها وجود خارجي، حالها حال أي قيمة أخلاقية، فهذه المعايير ذات أبعاد ذاتية وليست موضوعية. بمعنى آخر أن الشرعية لا تفرض على الإنسان من خارجه؛ أي ليس هناك معنى لأن نقول للإنسان بأن الحق هنا ويجب عليك إتباعه إلا من باب الإشارة والتعليم. وهذا الباب له حدود واضحة ليس فيها أي منحى قسري أو إجباري.

ليس للحق وجود خارجي، إذ هو فكرة والفكرة تصنع داخل الذات المفكرة. نعم عملية الصنع هذه تحتاج إلى مواد خام، وهذه يتم استيرادها من المحيط الخارجي. ولكن الفكرة تصنع داخليا؛ أي ذاتياً. وعند ذاك لا يكون هناك معنى للحق، على مستوى العقاب والثواب، إلا المعنى الذاتي. فالإنسان لا يعاقب إذا اتبع إيماناته، ويجب أن لا يثاب في حال انه خالف هذه الإيمانات واتبع إيمانات الآخرين. فهو في هذه الحالة يخالف الحق والقيم الجمالية التي يؤمن بها، وبحسب المصطلحات الإسلامية سيكون كافرا، إذ لا يكون مؤمنا إلا ذلك الذي ينسجم مع متبنياته هو، لا متبنيات الآخرين، لأن الإنسان إذا خالف ما يؤمن به لصالح ما يؤمن به الآخرون، سيكون كافراً بالحقيقة التي يصدق بها هو، وهي الحقيقة الوحيدة، فما يؤمن به الآخرون لا يعبر عن الحقيقة.



التطبيق على الحالة العراقية

لا يدرك الإنسان حاجته للانتماء إلا بعد أن يتعرض للتهديد الذي يُلْجِئُه إلى الجماعة التي تكفيه هذا التهديد، وسواء كانت هذه الجماعة هي العائلة أم كانت الدولة فسيعرف بأن عليه القبول باشتراطاتها، وهكذا تتحول الهوية إلى عقد مضمر بين المنتمي والبيئة الحاضنة، ما يشكل مركب (وعي الهوية)، هذا المركب الذي يتكون من (منتمي وبيئة وعقد بينهما).

في العائلة يبدأ الصغير بعملية (وعي الهوية) كلما كبر سنه وازدادت عمليات التعارض ما بين رغبته ورغبات السلطة في العائلة، وبما أنه لا يتنازل عن ميوله لصالح ميول غيره، إلا نتيجة ضغط، وبما أنه يقبل بالتنازل ويرضخ للضغط، فهذا يعني بأنه أخذ يدرك معنى الانتماء للجماعة. ويقبل بالتالي بعقد غير مرئي بينه وبينها، ذلك أنه يعلم حتماً بأن التهديد الذي سيتعرض له حال تمرده على العائلة لا يمكن له أن يتحمله، الأمر الذي يجعل حرصه على التمتع بامتيازات الانتماء يغلب على حرصه على التمرد لتلبية الحاجات الطارئة.

ومن خلاصة ما تقدم نفهم بأن الطائفية تتأسس على الطائفة، التي هي إحدى أوجه الهوية الجماعية (نـحن). من خلال حركة ضمير التملك نـحو فكرة الشرعة وحرصه على الاستحواذ عليها وإبقائها داخل إطار جماعته. ثم ومن جهة أخرى نفهم بأن الجماعة هذه تجد جذرها في الميل نـحو الملكية. فهي بحاجة دائماً لحماية ذاتها من سطو الآخرين، أي أنها بحاجة دائمية لمعرفة حدودها وتشخيص هذه الحدود للآخرين ليتسنى لهم تجنب المساس بها، ثم وبمرحلة لاحقة يمكن تشخيص المعتدي من خلال تجاوزه على هذه الحدود وهو يعرف عائديتها للجماعة. هذا من جهة، ومن جهة أهم، فأن حدود الجماعة مرنة، أي أنها تشخص من قبل الجماعة نفسها، ويتم استبدالها أيضاً أو التحول عنها وتركها، بحسب الظروف المحيطة ذات العلاقة بالموضوع.

بعد 9-4-2003، دفعت الأحداث المتسارعة في العراق بالهويات الفرعية نـحو عملية محمومة لرسم الحدود فيما بينها. وكما قلنا بحسب الظروف المؤثرة. فكركوك صارت إحدى حدود الهويتين التركمانية والكوردية. الحكم صار حدٌّ بالنسبة للهويتين الشيعية والسنية. فكل من هاتين الهويتين يرى في حكم العراق حداً مميزاً لهويته، ويعدُّ الاعتداء على هذا الحد بسلبه، اعتداء على حدود الهوية. الكورد بالنتيجة لا يعلِّقون آمالاً كثيرة على حكم عموم العراق، فهم في نهاية المطاف يمكن أن يقتنعوا بالاستقلال عن العراق. هذا الأمر جنبهم الوقوع بصراع مباشر مع العرب من الشيعة والسنة، إلا أنه أوقعهم بصراع مباشر مع التركمان، باعتبار اشتراك التركمان مع الكورد بجعل كركوك حدٌّ في هوية كل منهما.

الشيعة والسنة اشتركوا بحدود واحدة، حكم البلاد، ولذلك صار استحواذ الشيعة على حكم البلاد بمثابة اعتداءاً صارخاً على الذات السنية والعكس صحيح تماماً.



الخلاصة

حتى الآن نستطيع أن نستخلص عدة صفات تميز الهوية أو الطائفة أو القومية أو الذات الاجتماعية، يمكن استثمارها في فهم ما يجري في العراق الآن:

أولاً: إن الذات الجماعية ليست جسداً محدداً لا يتغير، بل هي مجموعة ولاءات لمجموعة أفكار، منها فكرة الملكية، فالذات تجد حدودها داخل وعي الإنسان ومن خلال مفردات وعيه تتشكل معالمها.

ثانياً: أن سعي الذات الاجتماعية للحفاظ على حدودها قد يصل حدَّ ارتكاب جرائم الإبادة، وحروب البشر عبر التاريخ لم تكن غير ترجمة لهذا الموضوع.

ثالثاً: الإنسان ينتمي لعدة هويات، ولكنه آنياً يشعر بولاء واحد، أو أن المؤثرات الخارجية تستطيع أن تثير لديه على الأغلب ذات واحدة لتبقي الذوات الأخرى ضامرة. بالنتيجة تتغير حدود الذات ومعالمها تبعاً لتغير القناعات الفكرية التي ترسمها، فبالنسبة للعراقي وعندما يستثار المدرك الديني الإسلامي لديه، كأن يتعرض الدين الإسلامي لتهديد معين، فإن الذات التي تستيقظ لديه تكون أكبر حتى من العراق فهو سينتمي للهوية الإسلامية ويتحد داخل ذات كبيرة تضم جميع مسلمي العالم، لكن عندما يستثار ولائه المناطقي بسبب تهديد ربما يوجه لمنطقته التي يسكنها فإن الهوية التي تكون مسيطرة عليه هي الهوية المناطقية الضيقة، البلدة أو المحافظة. وبالتالي فيمكن أن يخوض صراع دامي مع مسلمي المنطقة المجاورة لمنطقة سكناه.

على هذا الأساس نستطيع أن نفهم بأن الهوية بعد إدراكي معرفي. أو هي بعبارة أدق: ظاهرة تجد تجلياتها في السلوك الجماعي، ومؤثراتها وكوامنها في الوعي الجمعي،. بالنتيجة نستطيع أن نخرج بتوصية بسيطة ومهمة هي أن التمييز وسواء كان طائفي أو عرقي يجب أن لا يعالج على أنه ظاهرة سلوكية فقط. بل إدراكية أيضاً، لا بل يجب أن لا يصار لمعاملته على أنه سلوك إلا بعد استنفاذ كل إمكانيات معالجته باعتباره عملية إدراكية. بمعنى أن القتل على الهوية يجب أن لا يواجه بالسلاح إلا من أجل تحجيمه والسيطرة عليه، أما معالجته النهائية فيجب أن لا تتوجه إلى الأجساد بل إلى الكوامن الإدراكية التي حركته.

في مدينة الصدر حدثت معارك لمرات متكررة داخل نفس (الذات/ الهوية) الشيعية بين أتباع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وبين أتباع التيار الصدري، الطرفين من سكنة نفس المنطقة وهم مسلمون شيعة، لكن بعض المثيرات جعلت هذه الهوية العامة (مسلمون شيعة من سكنة مدينة الصدر) تتقسم إلى هويتين (مسلمون شيعة صدريون ومسلمون شيعة مجلس أعلى) وهكذا حصلت المعارك، لكن ما أن هدأ الموقف وبدأت وتيرة الحراك السياسي تتصاعد وانظم التيار الصدري لقائمة الإئتلاف التي يترأسها المجلس الأعلى حتى عادت الهوية الواحدة للتلاحم، بعد أن هدأت المثيرات التي شطرتها داخل وعي الجماعة الواحدة.

إذا المثير الإدراكي شطر الهوية وعاد لتجميعها من جديد، وهذه التجربة تستطيع أن تختصر معظم ما حدث ويحدث على صعيد التمييز والإقصاء.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)
- عقلية المواجهة... قراءة في كتاب (امبراطورية العقل الأميركي) ...
- قرية العراق.. الحاجة للانثروبولوجيا السياسية
- العائد مع الذات
- مرض الزعامة
- سرد الشياطين
- العودة إلى القرية
- الواقع الافتراضي.. الانترنت بوابة العالم الخيالي الجديد
- محكمة الاطفال
- حصاد السنين
- وحده الحيوان لم يتغير
- التنين العربي (مشنوقا)
- منطق الثور الهائج
- الاختلاف والدين.. كيف يمكن إجراء مصالحة بين الدين والاختلاف؟
- يوم كان الرب أنثى
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الأولى
- جريمة أنني أفكر/ أفكر؛ أنني مجرم
- كذبة كبيرة أسمها.... العراق


المزيد.....




- أصابه بحالة خطيرة.. الشرطة الأسترالية تقتل مراهقًا بالرصاص ل ...
- زاخاروفا تصف كلمات زيلينسكي حول -شيفرون على كتف الرب- بـ -ال ...
- -هو متعجرف ويجب طرده-.. الإعلام الإسرائيلي يكشف عن مشادة كلا ...
- نتانياهو: الحكومة قررت إغلاق قناة الجزيرة في إسرائيل
- رغم العقوبات على موسكو.. الغاز الروسي مازال يتدفق على أوروبا ...
- لوزانسكي: أوكرانيا مادة استهلاكية تستخدمها واشنطن للحفاظ على ...
- مشاهد توثق الأضرار الناجمة عن قصف -كتائب القسام- للقوات الإس ...
- الحكومة المصرية تكشف موعد عودة تخفيف أحمال الكهرباء
- ضابط أوكراني يدلي للغارديان بتصريحات غير متوقعة عن الصراع مع ...
- ثاني زلزال يضرب إنغوشيا جنوب روسيا خلال 24 ساعة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)