أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية















المزيد.....

تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1979 - 2007 / 7 / 17 - 10:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ثلاثة فاعلين غير عقلانيين هم من يحتمل أن يشكلوا مستقبل المشرق العربي خلال العقود الأخيرة: أطقم السلطة الحاكمة، التكوينات الأهلية في مجتمعاتنا، والقوة الأميركية المهيمنة.
مصدر لا عقلانية أطقم الحكم في منطقتنا سلم أولوياتها الذي يشغل البقاء على قيد السلطة فيه أولى أولوياتها. هذا يدفع نحو سياسات لا تعزز الاندماج المجتمعي، بل بالعكس تجتهد في تفريق المجتمعات المحكومة كي تغدو السيادة على أسهل، وتمسي السلطة مرجعية حصرية لكل التفاعلات الاجتماعية، فلا يتواصل الناس إلا عبر قنواتها المراقبة والمتحكم بها. وبالنتيجة يخفق المجتمع المحكوم الفاقد لاستقلاله في إنتاج تماسك ذاتي، ويرتهن تماسكه بقوة تضبّه من خارجه. هذا نموذج المجتمع الممسوك الذي أشرنا إليه غير مرة في هذه الصفحة وغيرها. ومن المألوف في مجتمعاتنا المشرقية أن يقتضي الإمساك بالمجتمع المحكوم استنادا تفضيليا إلى عصبية دينية أو مذهبية أو أثنية أو قرابية، الأمر الذي يزيد تماسك طاقم الحكم لكن بتناسب طردي مع تدهور تماسك المجتمع المحكوم. هذا أمر محقق في مجتمعات المشرق بدرجات متفاوتة.
حماية هذه الأولية تقتضي تركيز السلطة وإقامتها على "الأمن"، وتأمين أجهزة الأمن في منطقتنا المشرقية بأيدي أهل الثقة برهان قاطع على أن أمن الحكم يتقدم على الأمن الوطني. والواقع أن مفهوم المصلحة الوطنية يغيب تماما. وقلما يجد المرء نقاشا حوله. والسلطات تصادر على أنها تجسيد للمصلحة الوطنية، لكن دون أن يتاح لأحد إثارة نقاش عام جدي حول الموضوع. قضايا السياسة والسلطة والحكم كلها محاطة بغلاف سميك من التكتيم والخوف والتخوين، ما يقوض أية إمكانية لنقاش عقلاني.
وليست الولايات المتحدة الشرق أوسطية فاعلا غير عقلاني لأنها تصدر عن عداء أصلي لسكان المنطقة وثقافتها (لا جدال في شيء من هذا)، ولا لأن البيروقراطية السياسة والأمنية الأميركية لا تكاد تعرف شيئا عن "الشرق الأوسط" (هذا أكيد أيضا)، ولكن أولا وأساسا لأن منظورها الشرق أوسطي يندر أن يتطابق مع الدول القائمة. فهو إما يلتف من تحتها ليتصل بمكوناتها الأهلية، أو يلتف عليها من فوقها ليدخلها في ترتيبات إقليمية تتصل بالأولويات الأميركية. وهذه بدورها معنية بأن تكون القوة الأميركية المرجع النهائي لتفاعلات الدول جميعا بما يضمن استدامة السيطرة الأميركية في المنطقة. بكلام آخر، نجد هنا أيضا نموذج النظام الإقليمي الممسوك، المهدد بالتبعثر والانفراط إذا رفعت عنه القوة الأميركية، على أن نضع في بالنا أن القوة هذه تحرص على أن لا تنتج المنطقة أي نوع من الالتئام أو التماسك الذاتي.
من "قوانين" الشرق الأوسط قبل أن يطلق عليه هذا الاسم عام 1902، ومنذ مطالع أيام "المسألة الشرقية" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أن تنامي تأثير القوى الغربية على بنيانه السياسي يترافق مع تمخضات واختلاجات عنيفة في تكويناته الاجتماعية الأهلية. هذا شيء عرفناه في "عصر التنظيمات" العثماني، وكان منبع إحدى ديناميات إخفاقها. وخبرناه أيام الاحتلال الغربي في المشرق بين الحربين. ثم نتعرف عليه اليوم في موجة الهيمنة الأميركية الجديدة. ولا ريب أننا نلحظ اليوم تراجع السياسة الوطنية وتقدم السياسة الأهلية أو الأهلية الجديدة في كل مكان من المشرق. وأعني بالأهلية الجديدة السياسة التي تستند إلى حركيات الإسلامية المعاصرة أكثر مما إلى العشائر والطوائف، ومنها حركة "حماس" في فلسطين و"حزب الله" وتنظيم "القاعدة"..، دون أن نضمر أنها سواء من وجهات نظر أخرى.
وبينما التشكيلات الأهلية الجديدة محاربة تكوينيا، وتشكل المقاومة المسلحة عنصرا جوهريا في تعريفها وهويتها، فإن التشكيلات الأهلية التقليدية تنافسية ومتنازعة تكوينيا أيضا. المكسب الدال الذي تحققه العشيرة أو الطائفة هو ما يتحقق لها ضد عشيرة وطائفة أخرى، وليس بالتأكيد ضد "الاستعمار" أو "الاستبداد". هذه "عقلانية" العشيرة. أما الحركات الأهلية الجيدة فهي منفتحة على عالم الدول والنظام الدولي، لكنها تحمل مشاريع خصوصية، تتصل بـ"الأمة" المتجاوزة للدولة أو بجماعة دينية محلية ما دون الدولة.
ما نراه إذن أن ركائز السياسة الوطنية تتحطم، ويكاد ينقرض الفاعلون السياسيون الوطنيون، أولئك الذين يمحورون تفكيرهم ومبادراتهم السياسية حول مفاهيم الدولة والمصلحة الوطنية والأمن الوطني.
أطقم الحكم تمارس سياسة عقلانية إذا قبلنا بأولوياتها، لكن أولوياتها تجعل من الدول ذاتها أداة بينما هي مقر العقلانية والوطنية معا. ولا تكاد الدولة تؤثر في سلوك وتفكير الأطقم هذه، إما بسبب حداثتها وضعف تكوينها هي ذاتها، أو لأن الأطقم تلك نجحت في غزوها واحتلالها وتفريغها من أي مضمون عام وعقلاني، وردتها أداة في خدمة مصالحها الجزئية والفئوية. والسياسات الأهلية، بشكليها، ليست وطنية لكون أولوياتها متمركزة حول تعزيز العشيرة والطائفة والمنظمة الدينية و"الأمة". والطرف الأميركي يفكر بالعشائر والطوائف أو بترتيبات إقليمية تحت إشرافه كما قلنا، أي بما فوق الدول القائمة أو ما تحتها. وهو من جهة أخرى غريب عن المحددات الثقافية والقيمة للعقلانية الوطنية، أعني البعد المعنوي والثقافي للمصلحة الوطنية. فالعقلانية ليست شأنا أداتيا أو إجرائيا، ومفهوم المصلحة الوطنية، وهو ركيزة عقلانية السياسة، لا ينفصل عن تصور للصلاح والوطنية لا يستمدان من غير الثقافة والتجربة التاريخية للمجتمعات المعنية.
ما هو موحش في هذا المشهد أن الوطني العقلاني لا يجد سندا في أي من الأطراف الثلاثة. هو معرض للقمع من قبل السلطات التي تجد فيه إما منافسا أو ناقدا مزعجا. وهو مغترب عن التكوينات الأهلية القديمة والجديدة، لا يجد فيها إلا تشكيلات غريزية معادية للعقل، ولا تصلح أطرا للارتقاء الأخلاقي والثقافي. وهو وطني لا يقبل الالتحاق بمشاريع قوى هيمنية لا تعنيها سوى إدامة سيطرتها.
وتشكل السياسة الأهلية نقطة تقاطع لفاعلين الثلاثة. طواقم السلطة تستعمل التشكيلات الأهلية لترسيخ حكمها. وللأميركيين هي ركيزة هيمنة وتدخل متاحة على الدوام. ولا ترتفع التكوينات الأهلية بشكليها عن السياسة الأهلية، حتى وإن انفتحت الجديدة منها على "الأمة" وكانت أوسع أفقا.
والوطأة العظمة لالتقاء القوى الثلاثة تقع على الدولة. أطقم السلطة تجعل منها قوقعة لحكمها العائلي أو العصبوي. ولا يكاد الطرف الأميركي يقر لها بسيادة داخلية أو خارجية، أو يحترم كيانها؛ وهذا نابع بنيويا من الهيمنة الأميركية الشرق أوسطية، وإن تعزز وقتيا قبل سنوات بعقيدة هجومية تتصل بـ"تغيير الأنظمة" و"إعادة رسم الخرائط". فسحب هذه الخطط العدوانية والمفرطة الطموح من التداول السياسي اليوم لا يعني أن الهيمنة الأميركية موالية للدول. وقد يكون عداء الهيمنة الأميركية للدول، كيانات ومؤسسات حكم، هو ما يميزها عن الاستعمار الأوربي الذي شكل دولا من الصلصال العثماني بعد الحرب العالمية الأولى. والتشكيلات الأهلية بدورها معادية للدولة، وفي "برنامجها الوراثي" بالذات استعداد للسير في ركاب كل "صاحب شوكة".
يجب الدفاع عن الدولة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي
- في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية
- الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
- بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
- نظرات أولى في أطوار التاريخ السياسي الإيديولوجي المشرقي المع ...
- أية أكثرية جديدة لحل المشكلات الطائفية؟
- حين تكون المذابح أداة سياسية.. السياسة تموت!
- في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة
- في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويل ...
- أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
- هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
- أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج ...
- أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية