القضية الفلسطينية ودور قوى اليسار العربي


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 7822 - 2023 / 12 / 11 - 22:30
المحور: القضية الفلسطينية     

مداخلة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب

في ندوة بعنوان: "القضية الفلسطينية ودور قوى اليسار العربي"

الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني الرفيق سعود قبيلات، الضيوف الكرام

الرفيقات والرفاق

الحضور الكريم

اسمحوا لنا ان نرحب جميعا اجمل ترحيب بالرفيق سعود قبيلات هنا في بيروت العروبة والوطنية، بيروت عاصمة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني. كان من الطبيعي ان نلتقي معا من اجل الوقوف عند التطورات السياسية الخطيرة التي تمر بها منطقتنا العربية ومنها بخاصة القضية الفلسطينية ودور قوى اليسار العربي ليس لمناقشتها فحسب بل لتحويلها الى أفعال، موجهّين معا في البداية تحية اجلال واكبار الى الشعب الفلسطيني وشهدائه وجرحاه ومهجريه والى مقاومته البطلة التي سطّرت أروع أساطير الصمود والبطولة بفصائلها كافة في قطاع غزة والضفة وفي قلب فلسطين وأراضي ال ٤٨، والى كل المقاومين وأهلنا الصامدين في الجنوب .



القضية الفلسطينية قبل 7 أكتوبر :

ما كان يجري قبل عملية 7 اوكتوبر هو تصفية القضية الفلسطينية وفق بنود صفقة القرن: نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني- تشريع «يهودية الدولة» العبرية – تراجع حتى عن اتفاق أوسلو حول القدس وحق العودة ووقف الاستيطان والامعان في القمع وضم الأراضي والطرد من المنازل والأبعاد والاعتقالات والاغتيالات وتسليح المستوطنين ودفعهم لارتكاب الجرائم على الشعب الفلسطيني فضلا عن مسلسل اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج وآخرها البدء بهذا المسار مع المملكة العربية السعودية من خلال الطريق التجاري الهندي وكان آخرها خريطة نتنياهو التي عرضها في الأمم المتحدة حول الشرق الأوسط الجديد التي تشطب فلسطين عنها ما يدل على ان القضية الفلسطينية بلغت حدود التصفية النهائية أي انها انتقلت من مرحلة التقسيم عام 1948الى التصفية النهائية عام 2023 .

مع بدء عملية 7 اكتوبر اعلن بايدن ضرورة تطبيق قرار "حل الدولتين" للتضليل والتعمية وهو من صرّح في اعلان القدس ان حل الدولتين ليس مطروحا في المدى المنظور؟ فمن يصدّق ان من أقر ودعم هذه السياسات وتلك الحروب التي شنت خلال ال75 سنة الماضية ولا يزال يدعم الآن نتنياهو في حربه على غزة وإلغاء حماس والمقاومة الفلسطينية ، يريد تطبيق "حل الدولتين".

القضية الفلسطينية بعد 7 أكتوبر:

ستون يوما مضت على عملية 7 اوكتوبر جعلت القضية الفلسطينية القضية الأولى في العالم . اصابت الكيان الصهيوني بالضياع والصدمة واصبح بحاجة لأساطيل الامبريالية لحمايته بدل ان يقوم هو بحماية مصالحها الاستعمارية، فضحت حقيقة صورته وطبيعته الفاشية العنصرية امام شعوب العالم وامام حكومات وبرلمانات العالم . أحقت به خسائر سياسية وعسكرية ومالية واقتصادية حيث تفاقمت أزمة مشروعه مع اشتداد حالة العداء ضده على الصعيد العربي بعد أن وصل الى أفضل أحواله مع توسّع حالة التطبيع معه بحيث لم يعد الإقتصاد "الإسرائيلي" معتمدا على الأميركي، فأصابت الأخير بالعزلة الدولية في الأمم المتحدة فصوتت 120 دولة الى جانب وقف العدوان على غزة، بعد ان انكشفت "إسرائيل " كدولة احتلال استيطاني تنتهج الإبادة الجماعية وان الدول التي تدعمها هي دول استعمارية تدعم كيانا فاشيا - عنصريا خلافا لما تدّعيه من شعارات زائفة حول الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية والحريات العامة ، جمّدت مسار التطبيع وخاصة مع السعودية، واضطرت كل من مصر والأردن إلى رفض مشروع التهجير وطلب وقف العدوان...فرضت عملية تبادل جزئي للأسرى عن طريق المفاوضات غير المباشرة خلافا لما وعد نتنياهو بتحريرهم بالحرب. ادخلت بعض المساعدات الإنسانية وسط حالة معنوية فلسطينية عالية، اعادت للقضية وهجها العادل والمحق والإنساني وترسّخت قضية تحرر وطني واجتماعي للشعب الفلسطيني.



وحده انتصار المقاومة الفلسطينية في مجرى نضالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمسلّح، ومشاركة ودعم أحرار العالم وشعوبنا العربية وقواها التحررية ، سيشق - ولو بالتدريج – كما العديد من التجارب والثورات في العالم ، طريق تحرّرها من الاحتلال و نظام الفصل العنصري ليفرض بالنهاية تأمين حق العودة للاجئين واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس. فالكيان الصهيوني لم ينفذ ولا في أي يوم من الأيام الاتفاقيات التي عقدت معه ولا القرارات الدولية بما فيها حل الدولتين، بل استخدم المفاوضات واتفاقيات التطبيع التي جرت معه للأعتراف به وتصفية القضية الفلسطينية.

عملية 7 أكتوبر وموازين القوى



امام هذه التغطية السياسية والدعم العسكري والمهل الزمنية المفتوحة المعطاة من قبل الأميركي وحلفائه الغربيين وتواطؤ أنظمة التطبيع العربي بحيث لم يجد الشعب الفلسطيني لا نظاما عربيا واحدا ولا جامعة عربية ولا رئيسا ولا ملكا يتدخل لوقف العدوان المستمر حتى الآن على غزة، لم يجد الا شعوبنا العربية وشعوب العالم والأحزاب الشيوعية واليسارية والوطنية والقومية وحركاتها العمالية وقوى مقاومة في لبنان واليمن والعراق وسائر الدول ال120 التي صوتت لصالح وقف العدوان على غزة ومع ذلك فقد ضربت الولايات المتحدة الأميركية كل ذلك عرض الحائط واطلقت العنان للموجة الثانية من العدوان لمتابعة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني باساليب واسلحة اكثر وحشية وقتلا وتدميرا ما يستوجب رفع وتيرة التضامن الشعبي والدعم العسكري بما يؤمن حماية الشعب الفلسطيني ومقاومته من حرب استنزاف في غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية وبقاء وتيرة مشاركة الضفة الغربية والاسناد السياسي والعسكري لقوى مقاومة (أبرزها في لبنان واليمن) على ما هو عليه، الأمر الذي لم يستطع حتى الآن تأمين ميزان قوى قادر على فرض وقف اطلاق النار. ان استمرار العدوان على غزة وعلى الشعب الفلسطيني يكشف اختلال موازين القوى الدولية والإقليمية لصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها رغم التراجع الذي أصاب نفوذهما في المنطقة.

لا شك ان الأولوية يجب ان تكون لوقف العدوان على غزة واطلاق سراح جميع الاسرى. وهو ما يستدعي توسيع حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته وزيادة الضغط الدولي وهي مهمة كل أحرار العالم ولا سيما قوى اليسار العربي.

اليسار العربي ودوره المطلوب تجاه القضية الفلسطينية:

تتنوع وتتعدد تلاوين قوى اليسار العربي كما تختلف في منطلقاتها الفكرية وبرامجها وفي أساليب عملها وتشكيلاتها التنظيمية. لكن ما يعنينا الآن في هذه المحطة التاريخية هو ان تكون قوى اليسار العربي موحدة في موقفها مما يجري وفي قلب المعركة الدائرة الآن وجزءا لا يتجزأ منها ، مقدمة كل ما لديها من إمكانيات وطاقات انتصارا لقضية فلسطين قضية العرب المركزية لتكون بذلك أمينة للتاريخ النضالي لشعوبنا العربية ولتضحيات الشهداء وللتجارب المشرّفة في مواجهة الاستعمار الذي يحاول ترسيخ احتلاله في غير مجال ، فشعوبنا العربية في الشارع تتظاهر تنديدا بالعدوان، وأنظمتها في مكان آخر. هكذا كان المشهد عندما انتفضت ضد أنظمتها دفاعا عن حقوقها السياسية والاجتماعية، وها هو المشهد يتكرر اليوم في تظاهراتها دفاعا عن القضية الوطنية والقومية ، الأمر الذي يؤشر الى مشروعها بقيام حركة تحرر وطني عربية تولد في المعارك من رحم مقاومة عربية شاملة تتوحّد فيها طاقات القوى اليسارية والتقدمية حول أولويتين متلازمتين ومتكاملتين: أولوية المقاومة بكل الوسائل بما فيها خصوصا المقاومة المسلّحة ضد العدوان الصهيوني والاحتلال الأجنبي، وأولوية مواجهة نظم التبعية والقمع والإستبداد السياسي والإجتماعي التي شكّلت تاريخياً المرتكز الداخلي الفعلي لهذا العدوان.

وبعد أن أسقط العدو الصهيوني المدعوم أميركيا كلّ الاتفاقيات والقرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ، فإنه بات مطلوبا التأكيد أكثر من ذي قبل على مركزية هذه القضية، بكل مضامينها ومندرجاتها، كركن أساسي في عملية تجديد حركة التحرر الوطني، وصولا إلى وضع حدّ نهائي للإحتلال الصهيوني وتحرير الأراضي العربية في لبنان وسوريا والعراق وتصفية الإنتشار العسكري الإمبريالي في المنطقة العربية.

وإنه لمن واجبنا كأحزاب شيوعية عربية وكيسار عربي إستخدام كل أشكال النضال الملائمة والمطلوبة، كلّ في بلده بالدرجة الأولى وعلى المستوى القومي عموما، من أجل تشكيل كتل شعبية وازنة وصولاً إلى تعديل وتحسين موازين القوى الداخلية، وبالتالي العربية. إن العمل على بناء هذه المقاومة ينطوي على إنضاج الظروف المؤاتية لتعزيز دور قوى اليسار العربيّ في إنتاج مشروع إنقاذيّ جذريّ بديل. مشروع يكون مستقلاً قبل كل شيء، فيفرض هو على الآخرين أن يختاروا بينه وبين سائر المشاريع المطروحة، بدل أن يفرض عليه دوماً الإختيار بين هذا أو ذاك من المشاريع الجاري ترويجها على المستوى الإقليمي. وهذا اليسار يجب أن تكون له هويته الواضحة ومبادؤه وقيمه القائمة على التصدّي للإمبريالية والصهيونية، وعلى خوض النضال الدؤوب من أجل فك التبعية السياسية والإقتصادية والعسكرية. كما أن هذا اليسار يجب أن يكون وفيٌّا للمباديء الديموقراطية ولقيام دول عربية علمانية مقاومة، لا دول قائمة على أساس ديني وطائفي وأثني تبرّر للكيان الصهيوني قيام "دولته" العنصرية اليهودية. ويجب أن يكون هذا اليسار أيضا في طليعة النضال ضد الإستغلال الطبقي، ومدافعا عن مصالح الجماهير العربية الكادحة المناضلة لتحسين شروط حياتها المعيشية وخوض معركة التغيير الديمقراطي ضد أنظمة القمع والإستبداد والإستغلال. وعلى هذا اليسار أن يثبت لهذه الجماهير أن مقاومته ضد العدو تتجاوز تحرير الأرض إلى تحرير الإنسان من الإستغلال الطبقي والإجتماعي. ومن موقع مشروعه فان التقاطع مع بعض قوى المقاومة لا يعني الالتحاق بها ولا يمنع انتقادها والتحذير من مخاطر مساوماتها، كما ان انتقادها لا يعني الاصطفاف مع القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية ، بل ان التركيز على ابراز أوجه التمايز والاستقلالية عبر تظهير مشروع اليسار التحرري الوطني والاجتماعي بصفته مشروعا ضد الهيمنة الامبريالية والصهيونية والتبعية وضد الاستغلال الراسمالي للبرجوازية المحلية وانظمتها السياسية.

لبنان:

يعيش لبنان أخطر الأزمات في تاريخه المعاصر، حيث بلغت ذروتها بتهديد وجوده وطناً وكياناً، فهو في قعر الانهيار الشامل ويطاوله العدوان الأميركي – الأطلسي الصهيوني على منطقتنا ، باعتباره جزءا منها، وله أرض محتلة وما يرتكبه هذا العدو من جرائم في غزة وفلسطين ، سبق وقام به في لبنان وقاومه شعبنا وحزبنا منذ اربعينيات القرن الماضي من الحرس الشعبي الى قوات الأنصار وصولا الى اطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الي حرّرت ثلثي الأراضي اللبنانية الى ان استكمل انجاز التحرير مع المقاومة الاسلامية . فمنذ بدء عملية 7 اكتوبر كانت جبهة الجنوب اللبناني ولا تزال جبهة دعم واسناد للمقاومة الفلسطينية وضمن قواعد الاشتباك حيث استشهد ما يقارب التسعون مقاوما لحزب الله بينهم قادة عسكريون كما سقط للاعلام ثلاثة شهداء فضلا عن مجزرة عيناتا التي ذهب ضحيتها ثلاثة أطفال وجدتهم، إلى جانب استهداف عدد من منازل المدنيين ونزوح أهالي القرى الحدودية الى القرى الخلفية.

لقد اعلن حزبنا موقفه بالوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته وبادر الى الدعوة للتجمع في 8 اكتوبر في ساحة رياض الصلح وبعده جاء نداء اللجنة المركزية الداعي للانخراط في صفوف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية باعتباره جزءا من المعركة وفي قلبها ، فمقاومة هذا العدو الصهيوني، ووقف عدوانه على لبنان ، اذا ما حصل، مهمة مقدّسة لا تحتمل النقاش والمساءلة، ونحن نعمل لتوفير مستلزماتها وفي مقدمها وضعه ضمن مشروع سياسي وطني متكامل يتجسّد في قيام جبهة وطنية ديمقراطية من اجل بناء دولة وطنية ديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية والتقدّم والاقتصاد المنتج، دولة مقاومة تقوم بواجباتها بالدفاع عن سيادة لبنان، خلافاً للدولة الطائفية الفاشلة التي لطالما تخلّت ولا تزال عن القيام بهذا الواجب. انه مشروع سياسي على أساسه ننطلق لقيام أوسع تحالف سياسي واجتماعي، يناضل من أجل التغيير في صلب النظام الراسمالي وطائفيته وتبعيته وفي مواجهة التهديدات الامبريالية والصهيونية تحت عنون القرار 1701 ومندرجاته (القرارين 1559 و)1680 وانشاء المنطقة "الامنة" بين الخط الأزرق ونهر الليطاني باعتبار هذا المشروع هو الاجندة السياسية المطلوبة لانتخاب الرئيس الجديد وتشكيل الحكومة وذلك تمهيدا للمشاركة بالمفاوضات التي يخطط لاجرائها حول غزة والجنوب معا ، وما على لبنان الا الاختيار اما تنفيذ هذه القرارات أو تحمل مسؤولية العدوان الصهيوني ."