إلى الشارع، إلى التحرّك في كلّ الساحات والمناطق والقطاعات ومع كلّ القوى ومجموعات التغيير في الانتفاضة


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 6852 - 2021 / 3 / 28 - 22:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نصّ المؤتمر الصحفيّ للأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني

لم يعد بإمكان اللبنانيين رؤية مشهد الانهيار. سرعته تجاوزت سرعة الصعود الصاروخي لصرف الدولار، أحد لا يعرف متى وأين سيحطّ رحاله. عجلة تغيير الأسعار توقفت. السلع الاستهلاكية اختفت، والاحتكارات حكمت وتحكّمت، ولا رقيب أو حسيب.


اللبنانيون اليوم "عالأرض يا حكم". يفتقدون لقمة عيشهم، ضمان صحتهم وتعليم أبنائهم. ودائعهم الصغيرة نهبت. رواتبهم وأجورهم تبخّرت، وفرص عملهم فقدت. مئات المؤسسات التجارية أفلست وأقفلت. هاجر من هاجر من كوادر وأطباء ومهندسين وأساتذة. اليوم، يتهيأ اللبنانيون للآتي الأعظم، مع بدء وقف الدعم وتهديد الأفران والصيدليات والمستشفيات ومحطات المحروقات والسوبرماركت، بالتوقف عن العمل أو بفرض بيع خدماتها بالليرة اللبنانية على أساس دولار السوق الحرّة، بينما السواد الأعظم من مداخيل اللبنانيين محرّرة بالليرة اللبنانية التي خسرت 83% من قيمتها تجاه الدولار.
إنه القعر الذي وصل إليه الانهيار الذي لطالما حذّرنا من الوصول إليه، ونزلنا مراراً وتكراراً "إلى الشارع: للإنقاذ في مواجهة سياسات الانهيار". لم تسمع المنظومة الحاكمة أصواتنا، بقيت صماء بكماء، وأدخلتنا في الانهيار. ملأت الانتفاضة الشوارع والساحات بمئات آلاف اللبنانيين، ولا حياة لمن تنادي. ثم عدنا من جديد وعلا صراخنا بعد حين "إلى الشارع، بمواجهة المنظومة التي أدخلتنا في الانهيار، وتأخذنا إلى الانفجار". ومرّة أخرى، لم تأبه المنظومة الحاكمة واستمرّت في نهجها حتى أوصلت البلد الى حافّة الانفجار.
هي منظومة عاجزة حتى عن معالجة عجزها، فكيف لها أن تنقذ البلد وهي التي تسببت بانهياره؟ هي منظومة ظالمة تقوم بتجويع اللبنانيين لإبقائهم تحت سيطرتها وإخضاعهم لمشاريعها. هي لا تؤمن بلبنان، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ. همّها الوحيد مراكمة أرباحها. رفضت توظيف الثروات التي نهبتها في بلدها. هرّبتها إلى الخارج ووظّفتها فيه. لم تبنِ مصنعاً في لبنان ولا مزرعة ولم توفّر فرص عمل لائقة لشبابنا، بل دفعتهم للهجرة. فكّكت العائلات، شرّدتها وداست كراماتها. إنها تعبير عن الشكل المتوحّش للطغمة المالية بوجهها الريعي الفاجر والمتاجر بالمال من أجل المال.

من حقّنا أن نسأل، واستحق السؤال، أين هي تلك القوى السلطوية التي دعت لمحاربة الفساد، وماذا فعلت؟ لماذا صمتت ولم نعد نسمع صوتها؟ هل يعقل بعد كلّ هذه الجرائم والارتكابات في الملفات المرفوعة للقضاء أن لا يحاسب "أحد" على فساده وارتكاباته الموثّقة، لا رئيس ولا نائب ولا وزير متورّط؟ يحاكمون الفقراء المنتفضين فقط لاحتجاجهم على أوضاعهم الاجتماعية. ثم نسأل ونسأل، أين هم دعاة الحرية والسيادة والاستقلال وشركاؤهم في الوطن وهم يتنقلون في عواصم الدول، يعرضون حكومتهم في المزاد الدولي محطة للانتقال بلبنان من تسوية طائفية إلى أخرى.

تلك هي مشاريعهم في الخارج التي اعتادوا الترويج لها لإعادة إنتاج سلطتهم، تارةً باسم الحياد وإلّا الإطاحة بالكيان والوطن والذهاب إلى الفدرلة، وتارةً أخرى باسم المثالثة ضمن أطراف المنظومة الحاكمة عينها، وطوراً بالدعوة إلى انتخابات نيابية على أساس القانون الانتخابي الطائفي. كلّها مشاريع وإن اختلفت بالشكل فهي واحدة في الجوهر تهدف إلى الإبقاء على النظام الطائفي وتبعيته للخارج وعلى سلطة الإفقار والاستغلال الطبقي والاجتماعي في الداخل. وبذلك يستمر بيع وهم التوازن بين الطوائف في الداخل، فيما تستمر الهيمنات الطبقية والطائفية والحروب الأهلية التي غذّتها وتغذّيها والتي لم تبنِ وطناً ولا دولة بل أورثتنا القهر والقلق والفقر والخوف في بلد أشبه بجمهورية موز.
المشهد واضح فما هو مشروعنا؟
مع تشديدنا على تأثير الضغوط الخارجية والعقوبات الأميركية في الأزمة الداخلية الراهنة، ارتباطاً بما يجري في الإقليم والمنطقة، لكن أسباب الانهيار لها أساسها الداخلي المتمثّل في سقوط نظام الطائف وانهياره المريع بفعل تبعيته وطائفيته. والتغيير الذي نراه ينطلق من الداخل، من طرح المشروع البديل لمشاريع أطراف المنظومة السلطوية التي تتحرك لتسويقها بمختلف الوسائل بما فيها استخدام الشارع. إنه مشروع الانتقال بلبنان إلى نظام سياسي آخر يرسي بناء دولة علمانية ديمقراطية بقيادة أوسع ائتلاف سياسي لقوى التغيير، ويشكّل بديلاً عن منظومة الفساد ويتولّى مسؤولية قيادة الصراع معها وإنتاج سلطة بديلة لإدارة المرحلة الانتقالية.
مشروعنا ينطلق من الانتفاضة. إنها الأمل الباقي لبقاء لبنان. والمطلوب في اللحظة الراهنة تصعيد الانتفاضة من دون تأخير ولا تردّد، وفي كلّ المناطق مدناً وأريافاً، تكون تعبيراً عن هويتها الوطنية الجامعة وتوقاً للتحرّر من الطائفية وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية وفعل مواجهة للأطراف السلطوية التي عملت وتعمل على أخذ الانتفاضة والاستثمار فيها خدمة لمشاريعها المذكورة. إنها الانتفاضة التي تجسّد الدفاع عن كرامة اللبنانيين وإرادتهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، في التغطية الصحية الشاملة وتوفير اللقاح المجاني للجميع وجودة التعليم الرسمي وتأمين الدولار الطالبي، وتصحيح الرواتب والأجور وحماية التقديمات الاجتماعية والهيئات الضامنة ومكافحة الاحتكارات وإطلاق المعتقلين المنتفضين ورفض البنود الجائرة في الموازنة وإجراءات رفع الدعم عن السلع الأساسية. وكلّها حقوق أساسية لن يكون ممكناً تحقيقها طالما أستمرّت منظومة الفساد والتحاصص مطبقة على السلطة.
نعم مشروعنا ينطلق من الانتفاضة. كي نتمكّن من إسقاط منظومة الفساد والتبعية ومن إخضاعها للمحاكمة الشعبية بدلاً من دعوتها لتشكيل حكومة جديدة. فمن يدعو للعفو عنها هو كمن يدعو لاستمرار إجرامها. المطلوب معاقبتها على ما ارتكبته من جرائم في تفجير المرفأ وقتل المنتفضين ونهب المال العام واغتصاب أملاك الدولة البحرية والنهرية والبرية والتلاعب بسعر صرف الدولار وإطلاقها لمشاريع مسمّاة إصلاحية على يد البنك الدولي، وهي مشاريع غالباً ما أنتجت في العديد من البلدان المزيد من الإفقار وتصفية القطاع العام وخصخصة مؤسسات الدولة والقضاء على وظيفتها الاجتماعية. نعم المطلوب إسقاط هذه المنظومة لتشغيلها الشوارع الطائفية المغمّسة بالدم والتي لن توفّر لجمهور الطوائف ضمانات لأبسط احتياجاتها المعيشية بعد أن أفقرتها وسوف تزيد في إفقارها مع رفع الدعم وتنفيذ هذا النمط المتردّي من مشروع الموازنات. هي منظومة انتهت خدماتها ولم تعد تنفع رشواتها المالية وعلب التموين والفتات الذي اعتادت توزيعه على المحظوظين والأقربين لتلميع صورتها.
مشروعنا هو مشروع سياسي لقيام دولة علمانية وديمقراطية بديلة، تولد من لبنان وبأيد لبنانية. والانتفاضة مستمرة وستبقى تتصاعد حتى إسقاط المنظومة الحاكمة.
إلى شعبنا وجماهير الانتفاضة نتوجّه اليوم ونقول:
كلّما بقيت هذه المنظومة في السلطة كلّما ازدادت معاناة اللبنانيين
بقاؤها في السلطة ليس قدراً ولا لعنة لا خلاص منها
قادرون على تحقيق الانتصار للتغيير مهما بلغت التضحيات
فلم يعد لدينا ما نخسره.
ولا خيار لنا إلّا المواجهة.

فإلى الشارع، إلى التحرّك في كلّ الساحات والمناطق والقطاعات ومع كلّ القوى ومجموعات التغيير في الانتفاضة، فكما كنّا، بالأمس في بيروت وصيدا وصور، سنكون أيضاً في تظاهرات أيام الجمعة، والسبت والأحد في 19 و20 و21 آذار في بيروت ومرجعيون- حاصبيا، والنبطية ..... وفي كلّ التحرّكات التي ستقام في المناطق وساحاتها طيلة الاسبوع المقبل، داعين في الوقت عينه كلّ الشيوعيين واليساريين والتقدميين والعلمانيين والديمقراطيين للمشاركة الواسعة في التظاهرة الشعبية التي ستنطلق من أمام مصرف لبنان في 28 آذار في بيروت الساعة الحادية عشرة ق. ظ.، كمحطة أولى من محطات إطلاق التحركات والنشاطات تحضيراً للأول من أيار".
بيروت في 18/3/2021