كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في احتفال الذكرى ال 95 لتأسيس الحزب


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 6378 - 2019 / 10 / 13 - 11:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خمسة وتسعون عاما مضت على ولادة حزبنا في ذاك الاجتماع الذي حصل في قضاء بعبدا، في بلدة الحدث يوم 24 تشرين الأول عام 1924. هذا التأسيس الذي جاء على وهج انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى والذي عبّرعن نضج الحالة الثورية في لبنان الممتدة جذورها مع ثورة الفلاحين ومع الذين قاوموا السلطنة العثمانية وعلّقوا على أعواد المشانق، كل ذلك شكل حاجة موضوعية بمواجهة تبعات انهيار الدولة العثمانية ووعد بلفور واتفاقية سايكس- بيكو التي أنشأت دولا على أنقاضها، ومن ضمنها دولة لبنان الكبير،

مئة عام ويزيد وشعوبنا العربية تواصل مواجهتها لهذه الاتفاقيات وهذه الوعود القديمة - المتجددة التي تحاول اليوم إعادة انتاج سايكس – بيكو جديد تحت عنوان مشروع الشرق الأوسط الجديد وخطته التنفيذية في صفقة القرن بهدف تأبيد السيطرة الاستعمارية السياسية والاقتصادية والعسكرية على المنطقة عبر هذه الحرب العدوانية التي تشنها الامبريالية الأميركية والغربية المستندة الى قواعدها العسكرية واساطيلها والى أدواتها في المنطقة المتمثلة في الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية التابعة لها والتي زرعتها كما زرعت هذا الكيان الصهيوني ونصّبت على رأسها وكلاء ومنفذين وفرّخت حولهم مجموعاتها الظلامية المذهبية.

واذا كان المشروع الأميركي في المنطقة قد تعرّض في هذه المواجهة لضربات أساسية وهامة على المستوى العسكري وفشل في اسقاط ما أراد اسقاطه من أنظمة في سوريا وايران واليمن وفي كوبا وفنزويلا، وفي ضرب المقاومة في لبنان وكانت كلفته باهظة على المستويات كافة، لكن هذا المشروع الأم لم يهزم ولا زال مستمرا بأشكال وأساليب مختلفة من خلال:

ما يتفرّع عنه من مشاريع إقليمية تزداد مخاطرها في العدوان التركي المتجدد على سوريا والذي ادانه حزبنا،

ومن خلال استخدامه لبنية الأنظمة السياسية في بلداننا العربية ومنها لبنان والتي زرعها بتبعيتها واقتصادها الريعي وارتهان سلطاتها لقوى الرأسمال المعولم وسياساته والتي من خلالها يمارس الحصار والضغوط والعقوبات السياسية والاقتصادية والمالية بعد فشل ادواته العسكرية في تحقيق شروطه السياسية.

فالأزمة الخطيرة التي يعيشها لبنان على المستوى المالي والنقدي هي بفعل كل ذلك ولا علاج لها الا بإجراء تغيير سياسي.

فعندما تصل ديون الدولة الى مئة مليار دولار، والبنك المركزي لم يعد قادرا كما في السابق على التحكم بسعر صرف الليرة اللبنانية، والمصارف عاجزة عن الاستمرار في اقراض الدولة بما تحتاجه لشراء مستورداتها بالدولار الأميركي كما درجت العادة منذ تسعينيات القرن الماضي بعد ان تراجع نمو ودائعها بالدولار الأميركي ومعه تراجعت التحويلات المالية من الخارج وانعدم النمو، وكلها مؤشرات تعكس بدايات الانهيار المالي والنقدي الذي لطالما نزلنا الى الشارع وحذّرنا من الوقوع به.

وها هي السلطة السياسية تعترف بالأزمة لكنها تستمر بنمط اقتصادها الريعي الذي أثبت فشله، من دون أي تغيير فتدعو للإسراع بإقرار بنود مؤتمر سيدر في موازنة العام 2020 وهي استمرار لبنود مؤتمرات باريس 1 و2 و3 والتي ساهمت في زيادة الدين العام من ملياري دولار في مستهلّ التسعينيات إلى 100 مليار دولار راهناً، وفي زيادة معدلات البطالة والهجرة والفقر وعدم المساواة،

بنود مطلوبة لقاء حفنة من الدولارات الموعودة من سيدر ( 12 مليار دولار على مدى عشر سنوات) من اجل شراء الوقت، التي لا حاجة لنا لها في ما لو تم اللجوء فقط الى مكافحة التهرب الضريبي الذي يؤمن 12 مليار دولار للسنوات عينها،

فالاستمرار بتنفيذ إجراءات سيدر هو فعليا عملية تنفيذ لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تشكل الأذرع المالية والاقتصادية للامبريالية الأميركية، التي من خلالها تمارس الأخيرة ضغوطات السيطرة على السياسات الاقتصادية – الاجتماعية للدول، وما الموافقة عليها من قبل الحكومة اللبنانية الا خضوع لهذه الضغوط وارتهان لها وتعميق لتبعية نظامنا السياسي ،

فمقررات سيدر ستزيد الدين العام وخدمته عبر القروض التي سيدفعها شعبنا من جهة، كما سيترتب عليه من جهة ثانية، دفع المزيد من الأعباء المالية الإضافية جراء الضرائب التي ستفرض عليه لحصول السلطة على هذه القروض ومنها رفع الضريبة على القيمة المضافة وزيادة أسعار المحروقات ورفع فاتورة الكهرباء وترسيخ التعاقد الوظيفي وبيع المرافق العامة للدولة وخصخصتها بأبخس الأثمان، بما يخدم مصالح الاحتكارات ويمهّد الطريق أمام زيادة تعريفات هذه الخدمات.

ان إقرار مقررات سيدر من جانب الحكومة اللبنانية يشكل استجابة عملية للضغوط الاميركية على لبنان وشعبه ويدفعه دفعا الى الهجرة الى الخارج او الى النزول الى الشارع، فزيادة الضغط تولد الانفجار الذي اذا ما حصل فالسلطة هي التي تتحمل المسؤولية وليس الذين ينزلون الى الشارع دفاعاً عن حقوقهم معبّرين عن غضبهم ورفضهم لهذه السياسات،

من هنا نعتبر ان مواجهة الضغوط والعقوبات المالية والاقتصادية الأميركية على لبنان يكون أيضا بمواجهة مقررات سيدر وليس بالموافقة عليها،

ان اسقاط بنودها الواردة في موازنة العام 2020، هو اسقاط لنهج سياسي سلطوي يمعن في ترسيخ بنية نظامنا السياسي وتبعيته، واقتصاده الريعي وارتهان أطرافه السلطوية لقوى الرأسمال المعولم وسياساته.

هو فعل سياسي لتغيير بات مطلوبا أكثر من أي يوم مضى: فلا انقاذ من دون تغيير، ولا تغيير من دون مواجهة هذه السلطة السياسية والعمل على اسقاطها" لبناء دولة وطنية ديمقراطية. فحلول الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية هي حلول سياسية، والتغيير السياسي لن يصنعه هذا التحالف السلطوي الذي أوصلنا إلى ما نعيشه من خراب، إنما تصنعه القوى الاجتماعية المتضررة: عمالاً وأجراء ومزارعين ومتعطلين عن العمل ومياومين، وشابات وشباباً وطلاباً، ومستأجرين وسائقين وحرفيين، وسائر الفئات المهمّشة والمعرّضة للإقصاء، ومعهم الفئات الدنيا والمتوسطة من الموظفين والأساتذة والمعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين.

فإلى استكمال المواجهة ومتابعة مسيرة النضال من اجل وطن حر وشعب سعيد ، فاذا كان تحرير الأرض من المحتل مقاومة، وتحرير الانسان من الطائفية ومن الاستغلال والجهل والتخلف مقاومة، فتحرير الأثنين معا فعل تحرر وطني واجتماعي وانعتاق من الدولة الطائفية والمذهبية وسلطتها الفاسدة نحو بناء دولة وطنية ديمقراطية قادرة على بناء اقتصاد وطني منتج وعلى تأمين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعمال والاجراء ولكل الشرائح الاجتماعية المتضررة.

تحت هذا الشعارات، وبمناسبة الذكرى الخامسة والتسعين لتأسيس حزبنا، حزب كل الكادحين حزب المقاومة الوطنية اللبنانية، حزب الشهداء والأسرى والمعتقلين: فرج الله الحلو وجورج حاوي وحسين مروة ومهدي عامل واللائحة تطول على امتداد مساحة الوطن، سنحتفل في شوارع بيروت بمسيرات يوم الاحد الواقع فيه 20 تشرين الأول الساعة الحادية عشر قبل الظهر



عاشت الذكرى الخامسة والتسعين

والمجد والخلود للشهداء الابرار.

ملعب نادي الأنصار – طريق المطار بتاريخ 12/10/2019