كلمة مهرجان يوم الشهيد الشيوعي


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 6268 - 2019 / 6 / 22 - 09:49
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     


كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في مهرجان يوم الشهيد الشيوعي



الضيوف الكرام

الرفيقات والرفاق

أيها الحفل الكريم

احتفالات الحزب بيوم الشهيد الشيوعي، هي واجب بكل المقاييس السياسية والإنسانية تجاه الشهداء الأبرار، فمن هذا الحزب كان هؤلاء الشهداء الذين سقطوا في هذه المسيرة الطويلة من النضال بمختلف اشكاله واساليبه في المقاومة وفي النضال الوطني والسياسي والنقابي، مسيرة مضرّجة بدم الشهادة في كل هذه المعارك وتحت التعذيب والخطف والاغتيالات والملاحقات والاعتقالات داخل سجون أنظمة الاستبداد والغرف السوداء، منهم كان فرج الله الحلو وجورج حاوي وحسين مروة ومهدي عامل واحمد المير الايوبي ,منهم هذه النجوم الحمراء على هذه الجدارية ، هي أسماء محفورة بأحرف من نور في ضميرنا وفي وجدان شعبنا، شهداء أتوا من كل الوطن ولكل الوطن .

في يوم الشهيد الشيوعي نوجه اسمى تحية الى شهداء الحزب والى قوافل شهداء الأحزاب الشيوعية العربية وكل المقاومين للامبريالية والثائرين ضد الأنظمة الرجعية والقمعية. وهم يستبسلون اليوم ابطالا على ارض فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني وثوارا على ارض السودان لاسقاط نظام البشير، للأسرى والمعتقلين لهم منا اليوم نداء الحرية والتضامن، الحرية للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق احمد سعدات ومروان البرغوثي وكل المعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية وسائر معتقلي الرأي وحرية التفكير والمعتقد في سجون الأنظمة العربية المستبدة بشعوبها، والحرية أيضا الى المناضل جورج إبراهيم عبدالله المحتجز ظلما وعدوانا في السجون الفرنسية، مطالبين أيضا باسترجاع جثامين شهدائنا المقاومين المحتجزة لدى العدو الصهيوني جمال ساطي، اياد قصير، ميشال صليبا، الياس حرب، فرج الله فوعاني، حسام حجازي، يحيى الخالد، حسن موسى وحسن ضاهر ، والمشهد المخزي الذي وصلنا اليه في ان تعود جثة القتيل الصهيوني الى العدو وتبقى جثامين المقاومين معه، نسأل اليوم هل ان هؤلاء هم لبنانيون ام لا؟ ماذا فعلت الحكومة اللبنانية تجاه قضيتهم بعد ان رفعناها الى وزير الخارجية فلماذا لا تضغطون من اجل حل هذه القضية، في حين يجري الاستقتال لاعادة المتعاملين مع العدو، والأمر كذلك بالنسبة الى جورج إبراهيم عبدالله فهل هو لبناني ام لا؟ الحكومة اللبنانية مطالبة بالضغط على الحكومة الفرنسيةللافراج عنه، هي مسؤولة عن ذلك ، ومن غير المقبول الاكتفاء بزيارة له لرفع العتب.

الحضور الكريم،

إنظروا اليهم كيف يخططون ويضعون مشاريعهم وينفذونها ، انظروا الى التاريخ ولو بدا المشهد مأساويا، لعلنا في ذلك نأخذ الدروس والعبر. لقد استغرق تنفيذ وعد بلفور لزرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عقودا من الزمن وبالتزامن مع سايكس- بيكو، ليأتي بعد ذلك مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في أواسط التسعينيات - إثر حرب الخليج الثانية وتوقيع اتفاقيات أوسلو، ليصل ترامب بعد ربع قرن من الزمن ليستكمل تنفيذ المشروع عينه تحت عنوان "صفقة القرن"، لانهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها والامعان في تفتيت الدول العربية وشعوبها.

أن معظم الأحداث والتطورات التي شهدتها منطقتنا في العقدين المنصرمين، تندرج في سياق هذا المسار الاستراتيجي الطويل الأجل، المحكوم بتحالف وثيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعية العربية:

- من اعتداءات العدو الصهيوني وحروبه المتكرّرة على لبنان وغزّة والضفة، بدءا من عدوان "عناقيد الغضب" عام 1993 وصولا الى محاولة تصفية حركة المقاومة في لبنان عام 2006.

- الى التآمر على الانتفاضات الشعبية العربية ضد أنظمة الاستبداد والتبعية، والتوظيف الإجرامي في الحركات الاسلامية الأصولية، تسليحا وتدريبا وتمويلا ،

- الى عملية إحلال الصراع الأساسي في المنطقة من حقل للصراع بين العرب والكيان الصهيوني الى حقل لكل اشكال والوان الصراعات المذهبية والأتنية والاقليمية بما فيها الصراع بين العرب وايران، لاسقاط الأنظمة التي ليست جزءا من مشروعه

- الى ممارسة أقصى أشكال المقاطعة والعقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية ضد شعوب المنطقة، بهدف إنهاك اقتصادات دول المنطقة وإحكام السيطرة على شعوبها.

- الى إقامة دولة الفصل العنصري ( قانون القومية) وإلأعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته اليها واستعداداته لضم الضفة ومحاولة أقفال وكالة غوث اللاجئين ( الأونروا)، وإعادة النظر بتعريف اللاجىء لألغاء حق العودة وفرض التوطين وتعزيز فرص فرض الترنسفير الديموغرافي، وضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني وتوسيع عملية التطبيع معه وآخر مظاهره"الورشة الاقتصادية" في البحرين لتحويل القضية الفلسطينية من قضية وطنية وقومية لها شرعيتها الدولية الى قضية إنسانية تتطلب بعض المساعدات المادية ومنع الحل السياسي في سوريا واليمن وحيث أمكنه ذلك والتي تتزامن مع التهديدات العسكرية بشن الحروب على ايران وعلى شعوب المنطقة وهو ما يجري التمهيد لها في تفجير السفن الناقلة للنفط في خليج عمان،

ان هذا التصعيد من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعية العربية ليس الا جزءا من التصعيد الشامل على المستوى الدولي وهو تعبير يعكس تفاقم ازمة الراسمالية وتراجع دور الولايات المتحدة الأميركية وعجزها عن تنفيذ مشاريعها ، بفعل الضربات التي تتعرض لها وفشلها في اسقاط الأنظمة التي ارادت اسقاطها من سوريا الى فنزويلا الى كوبا وايران وكوريا الشمالية مرورا بعدم قدرتها على التحكم بالتناقضات بينها وبين سائر الدول الأخرى من الصين الى روسيا ووصولا الى حلفائها في دول الناتو من تركيا الى الاتحاد الأوروبي،

على ما تقدم ، ندعو الى مواجهة هذا المشروع المتجسد اليوم بصفقة القرن بمشروع بديل، ولا خيار لنا ولشعوبنا العربية الا مشروع المقاومة، مقاومة للتحرير والتغيير: ضد الاحتلال الصهيوني والنهب الامبريالي المباشر، وضد الاستغلال الطبقي للانظمة المحلية وسلطاتها الوكيلة لها واسقاطها.

ولعل في ما نشهده من نمط جديد من الثورات والانتفاضات تتميز عما سبقها من انتفاضات، بفعل دور القوى اليسارية البارز فيها ودور الحزب الشيوعي السوداني، وجذرية الشعارات المطروحة والالتزام بها يشكل حافزا لنا للاقدام وعدم التردد في اقتحام المشهد السياسي وتقديم كل اشكال الدعم والمساندة لقوى الحرية والتغيير وبخاصة الى الرفاق في الحزب الشيوعي السوداني والى كل القوى المنتفضة في الشارع ضد أنظمتها الرجعية والمستبدة والى الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة للاحتلال الصهيوني.

الحضور الكريم

امام هذا الواقع العربي فلبنان ليس بمنأى عما يجري فسماؤه ومياهه مستباحين من جانب العدو الصهيوني وأرضه تبقى عرضة في كل لحظة للعدوان ولا يترك العدو فرصة إلا ويعبّر فيها عن نيتّه في إجتياح وتدمير لبنان ولا يمنعه عن ذلك سوى عدم ضمانته للانتصار وتحقيق اهدافه . وهو يواجه أيضا الانعكاسات السياسية والاقتصادية للنزوح السوري ، فيجري راهنا تنافس غير مسبوق في سوق العمل بين فقراء العاملين اللبنانيين وفقراء العاملين السوريين، وتستفيد البورجوازية اللبنانية من هذا التنافس، كونه يسهّل لها إحلال يد عاملة رخيصة غير لبنانية – وبخاصة سورية - بدل اليد العاملة اللبنانية، إن الحزب الشيوعي اذ يدين التمادي في تسييس هذا الملف من جانب قوى داخلية وخارجية وإسباغ طابع عنصريّ على خطابها وممارستها تجاه مسألة النازحين. وهو يؤكد على ضرورة فتح مسار التنسيق والتعاون المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية لتأمين العودة الآمنة لهم وتنظيمها.

وما يجري اليوم حول الموازنة لا تقتصر أهدافه فقط على مجرّد الحدّ من العجز المالي، بحسب ما يروّجه مؤتمر سيدر، بل تتعداه لتحقيق أهداف سياسية الطابع وذات صلة بالهجمة الامبريالية على المنطقة عبر الزيارات المتكررة للمبعوثين الاميركيين والغربيين في محاولة لوضع لبنان امام خيارين: اما المزيد من الضغوط والعقوبات الاقتصادية وعدم استخراج النفط والغاز وفرض توطين الفلسطينيين وعدم عودة النازحين السوريين وضرب المقاومة والتهديد بإدخال لبنان في التفجير الداخلي، واما "انتظامه" في الخط السياسي المطلوب أميركيا والتفاوض مع الكيان الصهيوني. وبدل ان يقف من هم ضد صفقة القرن، بالوقوف ضد موازنة سيدر نرى البعض من اطراف السلطة يتسابقون على زيادة الضرائب على الفقراء بحجة تخفيض عجز الموازنة ليكسب كل منهم ورقة اعتماده الأولى في الارتهان للخارج وهكذا تم إقرار الموازنة الحكومية بتحميل الطبقات العاملة والوسطى تكاليف تلك الأزمات وتبعاتها الاجتماعية المريرة فكانت تعبيرا عن انحياز طبقي واضح للريع والربح الرأسمالي ضدّ الأجور والحقوق . وهو ما تصدى له حزبنا منذ البداية وبادر بالنزول الى الشارع واطلاق حراك شعبي للانقاذ لا زال مفتوحا بكل اشكال التحركات السياسية والقطاعية والنقابية لبناء كتلة شعبية قادرة على اسقاط هذا النمط الاقتصادي الريعي وسلطته الفاسدة .

اننا اذ ندين الاستمرار بهذه السياسات الاقتصادية – الاجتماعية رغم فشلها ومعها كل الأجراءات الضريبية الجديدة، وبخاصة تلك التي طالت الأجور ومعاشات المتقاعدين والسلع المستوردة. ونرفض الإجراءات العقابية ضد موظفي الدولة ومؤسساتها، من خلال منع التوظيف النظامي لصالح التعاقد الوظيفي، وخفض موازنات مؤسسات أساسية كالجامعة اللبنانية معلنين وقوفنا الى جانبها والى جانب كل القطاعات من اجل تحقيق مطالبها. ونرى ان المدخل الى الأصلاح هو في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية القاادرة على اتباع سياسات اقتصادية جديدة تؤدي الى انهاء نمط الأقتصاد الريعي وبناء اقتصاد انتاجي متقدم. والى تعديل النظام الضريبي باعتماد ضريبة تصاعدية على الريوع المصرفية والعقارية ووقف هدر المال العام والفساد المستشري الذي لا يمكن تحقيقه من خلال هذه السلطة الفاسدة ودولتها الفاشلة، بل يتحقق عن طريق العمل لقيام اوسع تحالف سياسي-اقتصادي-اجتماعي لأن القضية أصبحت قضية انقاذ شعب وإنقاذ وطن ، ولم تعد قضية مطلبية تخص هذا القطاع او ذاك، انها قضية تغيير موازين القوى وبناء الكتلة الشعبية لأسقاط السياسات الاقتصادية – الاجتماعية التي أوقعت البلاد في خطر الانهيار المالي واشاعت البطالة والفقر وهجرت ولم تزل تهجر شبابنا الى الخارج.

هكذا نكون أمناء مخلصين لشهدائنا ولكل الذين غادرونا. هو العهد نقطعه لهم جميعا على متابعة المسيرة لتحقيق احلامهم التي أفنوا حياتهم من اجلها.

عاش يوم الشهيد الشيوعي

والمجد والخلود للشهداء الابرار



الكونكورد في 21 حزيران 2019