تعليقًا علي أحوال اللاجئيين السودانيين وخواطر الآلام والأحلام في زمن الحروب


سعد محمد عبدالله
الحوار المتمدن - العدد: 7726 - 2023 / 9 / 6 - 12:21
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة     

تعليقًا علي أحوال اللاجئيين السودانيين وخواطر الآلام والأحلام في زمن الحروب:


قرأتُ ما خطهُ قلم صديقنا الأعز، الصحفي أنور إبراهيم، وقد جاء مكتوبه تحت عمود عنوانه "خواطر اثيوبية - السودانيين في اثيوبيا ما بين مطرقة الحرب وسندان تحديات الداخل الاثيوبي"، ونخطُ له جوابنا بذات المشاعر الإنسانية النبيلة لكونه شاهدًا علي نكبة جيلنا وشريكًا في آلام الحروب وأحلام السلام للبلدين؛ فلا نجد إختلاف لقصة التمرد في اثيوبيا سابقًا عن السودان حاليًا إلا في شكل الغلاف السياسي هنا أو هناك، وبيننا الحديث عن حق الحياة وكرامة الإنسان قبل أحاديث السياسة، وقد توشح كل سطرًا من مقاله باحدى ألوان الحسرة لمعاناة اللاجئيين السودانيين في اثيوبيا من جهة، وعليه أيضاً من جهة آخرى، إذ أنه كاتبًا صحفيًا ذا قييم ومبادئ جعلته يتابع بقلبه وعقله وقلمه تلك الأحوال المُزرِية التي يمر بها شعب السودان في بلاد "النجاشي وهيلا سيلاسي وآخرون"؛ فليس لصديقنا الكاتب أنور حيلةً إلا الجنوح لخصاله الإنسانية وإستنطاق قلمه الصادق الذي إستبكاهُ جهرًا؛ فسال حبرًا يتدفق كموج بحرًا فائض من ينابيع الغضب، وما للبحر مصبًا إلا في عمائق أفئدتنا وجدًا وحبًا مع الوفاء، وقد كتب ما كتبه بمداد الحب والإنسانية الهادية إلي طريق الخير والسلام رغم ظلمات السياسات البالية في كواليس الأنظمة، وعبر الصحفي أنور إبراهيم عن حاله أمام تلك المشاهد الحزينة للسودانيين داخل دولة اثيوبيا، ونحن أشد أسفًا علي حالنا وما أصاب بلادنا جراء الحرب المستعرة والمستمرة، ونأمل إنتهاء التمرد قريباً، والمؤكد شعبنا الصامد والصنديد لا تهزمه العواصف والرُعُود الطائشة، وسنعود حتما للفداء ولبناء دولتنا الجديدة بسلام.

لقد دمر التمرد الممتلكات العامة والخاصة وشرد ملايين السودانيين وقضى علي الأخضر واليابس تحت شعارات حماية الديمقراطية، وليس لسلاح القتل والنهب علاقة بدولة ديمقراطية، وشاهدنا كيف تمت المجازر والفظائع في الخرطوم ودارفور وغيرها، وكيف قتلوا الأبرياء من المدنيين العُزل، وكيف خرج أبناء وبنات شعبنا الكريم من بلادهم جبرًا تحت قصف وابل الرصاص والمدافع؛ فمنهم من نزحوا إلي الولايات السودانية التي تسيطر عليها الحكومة ويتوفر فيها الإستقرار وقليلاً من الخدمات التي تقدمها الدولة تحت ضغوط إقتصادية وسياسية وأمنية، ومنهم من اللاجئيين الذين يقفون علي البوابات الحدودية مع دول الجوار خاصة "اثيوبيا ومصر وتشاد وجنوب السودان"، وبعضهم يعانون من الأمراض المزمنة التي لا تتحمل الإنتظار، ونتابع تلك المأساة الإنسانية مع تفاؤل الضمائر الحية في القرن الافريقي والعالم أجمع، ونقول كيفما حدث اليوم فلتلك الحرب نهاية "طال الزمن أم قصر"، وسيحمل كل شخصًا حقائب مثقلة بقصص النزوح واللجؤ والحرمان، وسيعود الجميع إلي قلب هذا الوطن، وسنعمل لتضميخ جراحات الماضي وإستشراف المستقبل بنفوس صافية مثّل "حليب البقر" وسيتذكز السودانيين جميعاً أنواع وأشكال التعامل في بلاد اللجؤ الإجباري وتضامن الشعوب والحكومات معهم في هذه الكارثة الواقعة بغدر الغرباء وبعض الأقرباء.

سمعنا الكثير من الأحاديث عن تعامل الأشقاء في اثيوبيا ودول آخرى مع السودانيين، وعلي كل حال يظل الشعبان "السوداني والاثيوبي" يتبادلان "الود بالود" وسينساب بينهما التعامل الطيب مهما حدث إلا في بعض الممارسات الشخصية والعامة الغير مستحبة، ولا عجب من حدوث ذلك؛ فهذا حالنا كبشر ولا يخفى علي أحد، وشخصيًا ذهبت ذات مرة في رحلة إلي أديس أبابا لفترة وجيزة، وتعرفت فيها علي جوانب مشرقة للشعب الاثيوبي، والذي يتدثر بثوب أخلاق ومكارم الأسلاف، وقد يبدل الزمان كل المعالم والمشاهد في عالمنا، وربما تتبدد بعض التواريخ والحكايات، لكن لن تتغير آداب من عرفناهم في الخرطوم أو أديس أبابا "أشقاء في كل الأحوال" ونحن إذ نخوض هذه الحرب نعتبرها "غِيمة غُمة عابرة"، وسيبقى كل ما كان في فصول الحرب ذكريات لا نتذكرها إلا لإستيحاء الحكمة والعِبرة حتى لا نعود إليها مجددًا كما ذهبنا من قبل؛ فيا صديقنا الأحب "أنور إبراهيم" أعلم جيدًا أن الأزمات المتتالية أفقدتنا وإياكم أحبة وبلاد وشباب زبل زهره علي ساحات الحروب حيث تتطاير رؤس الناس فيها بلا رحمة، إلا أنني رغم ذلك البؤس علي يقين تام بأن الألم الذي عشناه سويًا في بلدينا متشابهًا في "الطعم واللون والرائحة" وحتماً سيفتح فينا أملاً نيرًا يدفعنا نحو السلام والإستقرار والتنمية لشعوبنا الصابرة وصغارنا القادميين من قلب الطريق.

6 سبتمبر - 2023م.