تعليقًا علي مقال الأستاذ فاروق جويدة بشأن تداعيات الحرب في السودان


سعد محمد عبدالله
الحوار المتمدن - العدد: 7817 - 2023 / 12 / 6 - 11:54
المحور: الصحافة والاعلام     

تعليقًا علي مقال الأستاذ فاروق جويدة بشأن تداعيات الحرب في السودان:


طالعتُ مقالاً ذا مفاهيم وتصورات للحرب الجارية في السودان، وقد خطه ونشره الأستاذ فاروق جويدة بصحيفة الأهرام المصرية بتاريخ الثلاثاء الموافق الخامس من ديسمبر - 2023م، العدد (50037)، تحت عموده "هوامش حرة" بعنوان "مذابح السودان"، وقد لفت هذا المقال إنتباهنا خاصةً أن كاتبه إختار صحيفة ذات تاريخ وإنتشار واسع النطاق، والأكثر من هذا وذاك هو موضوع المقال الذي تناول قضايا الراهن السوداني مما جعلنا نتوقف عنده، وأعتقد يحتاج الأمر تعليقًا وتوضيحًا وتصويبًا في بعض النقاط التي دائمًا ما تثير إلتباسًا مفاهيميًا لدى العالم الخارجي الذي لا يتفهم طبيعة المشكلة وينعكس ذلك علي توصيفهم لما يجري، وهذا أما بسبب عدم الإلمام بما يدور في بواطن الأمور داخل الأروقة السياسية أو لتأثير الدوائر الإعلامية المضادة للدولة في نشرها صورًا مجافية للواقع وبعيدة كل البعد عن الحقيقة، وفي كلتا الحالتين السابقتين يظل الوضع هنا مُحاطًا بظلام دامس مع حرب مستعرة ومستمرة ما لم يتمكن الإعلاميين والسياسيين من وضع مصلحة هذا الوطن في قائمة أولوياتهم وكشف حقيقة أسباب الحرب ومخاطبة جذورها التاريخية والمعاصرة تمهيدًا لإيجاد مشروع وطني جامع والذهاب إلي مؤتمر قومي دستوري يعالج كافة قضايا السلام والتنمية والمواطنة المتساوية والحقوق والحريات السياسية والمدنية.

لقد ورد في مقدمة المقال المُشّار إليه توصيف غير دقيق للصراع الجاري الآن بتصويرهِ صراعًا بين قوتين تم وضعهم في ميزان متساوي الأضلاع مع طرح تساؤلات لا أهمية لها في أجندة الساعة والرؤية المستقبلية للوضع السوداني، وحتى إذا أخذنا ذلك من باب المخاوف والمصالح التي تفكر فيها دول الجوار من حولنا؛ فلا منطق يسند الحديث عن "منْ الذي سوف ينتصر، ومنْ ذا قد يُهزَّم في نهاية المعركة"، وهنا يجب علينا توضيح حقيقة مهمة جدًا هي أن الإنتصار للشعب والقوات المسلحة، والتوصيف الصحيح للحرب ليس كما ورد في المقال "موضع الحوار" إنما الذي يحدث حربًا وجودية يخوضها شعب السودان وقواتهِ المسلحة وقواه السياسية الوطنية في مواجهة القوات المتمردة والمدعومة من جهات خارجية معلومة لدينا جميعًا ولكل متابع حصيف، وتهدف الحرب للإستيلاء علي السلطة والموارد وإستلاب القرار السيادي السوداني وضرب أواصر الوحدة الوطنية وفرض مشروع الإستعمار الإستيطاني من فوه بنادق المتمردين، وأضحت هذه المؤامرة الإستعمارية واضحة ومكشوفة للسودانيين والسودانيات والمتبصرين في العالم الخارجي.

لقد أبدى الأستاذ جويدة علي صدر مقالهِ إستنكارًا للفظائع التي ترتكب بشكل مثير للقلق والقثيان معًا بحق المدنيين، وهذه مشاعر نبيلة تُنبِينا عن أخلاق الكاتب إلا أنه لم يضع سن قلمه علي القرطاس كما يوضع السهم علي الغوس؛ فأطلق السهم في الإتجاه المعاكس وجف القلم قبل أن يكتب الحقيقة، وكان من المفترض رفع الستار عن المتمردين الذين يمارسون القتل والتهجير القسري في الخرطوم ودارفور وكردفان بدعم خارجي وليس وضعهم في ميزان واحد مع القوات المسلحة؛ فهم يوثقون جرائم الحرب المريعة التي يرتكبونها بأنفسهم أمام العالم أجمع، وهذه أيضًا من القضايا المهمة التي ينبغي تناولها في الصحافة المحلية والإقليمية والدولية بتفاصيلها الصحيحة حتى لا توضع الأشياء في غير موضعها، وشعبنا يعلم الذين إرتكبوا تلك المذابح الشنيعة بحقهم، ولن يستطيع الإعلام المضاد للدولة محو ما هو مُثبت بدلائل لا تقبل التزوير أو التبديل، وطال الزمن أم قصر ستظهر الحقائق، وينتصر الحق.

أما فيما يخص الوساطات والمبادرات؛ فاننا نستطيع حصرها وتلخيصها في وساطة "وطنية وإقليمية ودولية"، ومن المهم هنا العودة إلي الوراء قليلاً لقراءة العديد من المبادرات الوطنية الخالصة التي تقدمت بها القوى الحية قبل إنفجار أزمة الحرب في 15 ابريل المنصرم، وكان ذلك من أجل إيجاد حلول للأزمات السودانوية، ومن المبادرات المطروحة علي سبيل المثال لا الحصر "مبادرة الجبهة الثورية التي تم إطلاقها من إقليم النيل الأزرق وتبعتها مبادرت وتطورات من مختلف الإتجاهات والمستويات، ثم خارطة الطريق الحكومية التي أفصح عنها القائد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي خلال ترأسهِ للملتقى التنسيقي لحكام الأقاليم و ولاة الولايات المقام في ولاية القضارف، أما الوساطة الإقليمية والدولية فلدينا مثلاً المجهود المبذول من قِبل دولة جنوب السودان لتحقيق السلام والإستقرار في السودان، وهنالك منبر جدة التفاوضي تحت رعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وأيضًا هنالك جهود من دول جوار السودان مع توقع الأدوار الإيجابية التي يحتمل حدوثها من لدن الإتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد)، وإذا سلمنا "بحسن النوايا" فيجب الإبتعاد عن إقحام الدول المُعادية للسودان والمنحازة بشكل واضح وصريح للمتمردين في أيّ مبادرة أو تلميح في الأحاديث العابرة للبحث عن حلول حول مشكلات بلادنا، بل الأصوب والأصلح أن تُحَث تلك الدول علي وقف دعمها للحرب في بلادنا وتقديم الإعتذار وطلب السماح جراء الأضرار التي تسببوا بها لشعب السودان.