تعليقات سياسية حول قضايا السلام والعلاقات الدولية


سعد محمد عبدالله
الحوار المتمدن - العدد: 7821 - 2023 / 12 / 10 - 16:47
المحور: السياسة والعلاقات الدولية     

تعليقات سياسية حول قضايا السلام والعلاقات الدولية:

يتوجب علينا اليوم التفكير مليًا في تصميم سياسات إستراتيجية لإنهاء الأزمة السودانية المستعرة والمستمرة عبر الحِقب التاريخية الماضية كنتاج لأخطاء التأسيس والإدارة، والتي أزمتها أجندة داخلية وخارجية هدامة صنعها وصاغها وصدرها الأوباش الذين يسعون لتفكيك المؤسسات المدنية والعسكرية وهدم بنية السيادة الوطنية، ولكن "علي كل حال" لا ينبغي معالجة هذا الوضع السيئ بما هو أسوء منه بل يجب المضي قدما في البحث عن أنجع لقلاح لمداواة تلك الآثام، والنهوض مجددًا للعمل مع كافة القوى الوطنية الحية الحادبة علي مصلحة البلاد وكرامة شعبها من أجل بناء دولة السلام والمواطنة المتساوية والتنمية الشاملة والعادلة.

مهما يكن، لا بد للسودانيات والسودانيين عدم الركون إلي البؤس واليأس فهما من بواعث الآثام والآلام بل ينبغي النهوض وحمل رايات الأمل والتفاؤل فمنهما قوة ثباتنا في الإستقامة علي طريق الكفاح من أجل إستعادة مسار بناء دولة السلام والإستقرار والإستمرار في عملية التغيير والتعميير والتموضع الإستراتيجي علي خارطة العالم، وهذا الأمر يتطلب إرادة وطنية وتشبيك أيادي للدفاع بلا هوادة عن وحدة الدولة وكرامة الشعب وسيادة القانون وصناعة المستقبل المشترك.

يجب أن لا نفقد بوصلة الأمل، ولنتذكر دائمًا وأبدًا أن التفاؤل هو مفتاح الحياة، وعلي كل إنسان أن يحلم ويعمل من أجل العيش بحرية وسلام، وآن للشعب السوداني العظيم النهوض من غمرة الإحباط لإستلهام العبرة من خيبات الماضي والبحث عن حلول لقضايا الحاضر وتصميم إستراتيجية لتلبية أشواق المستقبل.

بامكان البعض السباحة عكس تيار التاريخ إلا أنهم لا يستطيعون تغير مجراهُ الحقيقي مهما حصل، ومن أقبح أخطاء نُخَّب السودان القديم محاولة تصدير صورة خرافية غير مطابقة للواقع الثقافي والإجتماعي السوداني، وجميعنا دفعنا ثمن تلك التوجهات البالية ولم نحصل علي أيّ نتيجة غير الدمار، واليوم يجب علينا مناقشة قضايا بناء السودان بجدية، وتسجيل تاريخ جديد بهوية سودانوية خالصة، ولا شيئ أبقى من قلم الحقيقة.

دائمًا العلاقات الدولية تتشكل نتيجةً لمصالح مشتركة بين الدول، ولكن هذه العلائق تحكمها المسؤليات والإلتزامات والطموحات الإيجابية وتنظمها أعراف وقوانيين أساسها إحترام القرار السيادي لكل الدول وعدم التدخل في الشؤن الداخلية، وعندما تختل هذه الموازين فمن باب المنطق أن تُقطع أو تُجمد تلك العلاقة إلي حين إشعار آخر، ومن حق السودان المحافظة علي أمنه ومصالحه الإستراتيجية، ويجب أن يكون هذا الأمر واضحًا وراسخًا في صحائف الإعتبار الوطني والإقليمي والدولي.

الملتقى التنسيقي لحُكام الأقاليم و ولاة الولايات المُقام بولاية القضارف بقيادة القائد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي والمهندس محمد كرتكيلا وزير الحكم الإتحادي والسيد محمد عبدالرحمن والي ولاية القضارف بمشاركة عدد من المسؤليين الحكوميين والطواقم الإعلامية المختلفة يمثّل منبرًا حكوميًا دوريًا يكتسب أهميتهِ في هذا العام من كونهِ آتٍ بعد مرور شهور قاسية للحرب التي أشعلها المتمردين، وناقش الملتقى في أولى جلساتهِ قضايا الحكم والإدارة وكيفية إيجاد آليات فعالة لإستعادة الإستقرار وتحقيق التنمية وبناء السلام وتعزيز دعائم الوحدة الوطنية وتحرير القرار السيادي للدولة وصياغة الإستراتيجيات الحكومية المستقبلية تأسيسًا علي تقارير وتصورات الأقاليم والولايات.

قدم الرئيس البرهان في قمة رؤساء دول الهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد" خطابًا صحح مفهوم وتعريف مشكلة الحرب الحالية وأبعادها محليًا وإقليميًا ودوليًا، ثم طرح الحلول من خلال الخارطة الحكومية المعلنة لإنهاء التمرد وتحقيق السلام، وأتوقع من هذه القمة مناشدة العالم للإستجابة للقضايا الإنسانية وإدانة واضحة للإبادات الجماعية والتهجير القسري والتدميير الممنهج للبنى التحتية ومحاولات إستلاب السيادة الوطنية بسياسات الإستعمار وتسليح المليشيات من داخل وخارج الإقليم، وأعتقد هذا هو المدخل الصحيح للتكلم بجدية عن التفاوض الناجح في أيّ وقت لاحقًا.

كلما إشتدت ضراوة المعارك السياسية والعسكرية علي طول وعرض البلاد زاد يقيني بضرورة البحث عن طرائق جديدة لبناء سودان آمن ومستقر ومتحد يمتلك مؤسسات عسكرية ومدنية وقوانيين للمواطنة والحقوق ومحاربة الفقر والبطالة والعنصرية وهزيمة مؤامرة الإستعمار والتقسيم؛ فنحن الآن نعيش في عالم شديد الإظِلام بينما يتوجب علينا السير بصمود علي طريق وعر تحدهُ أحافير وأشواك وأجواء قاسية بغية العبور نحو المستقبل.

يصادف اليوم الذكرى الـ(٧٥) لإبرام الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وتثير صور ومشاهد المذابح الجماعية المُروعة في السودان تساؤل حول إمكانية تطبيق نصوص المواثيق الدولية من أجل إيقاف الإنتهاكات الفظيعة المرتكبة جراء الحرب الشعواء التي تشنها المليشيات المتمردة ضد المدنيين الأبرياء والعُزّل، ويحتم هذا الوضع علي كافة السياسيين والإعلاميين والحقوقيين حمل مسؤلياتهم الأخلاقية والوقوف مع شعبهم إلي جانب مؤسسات الدولة "العسكرية والمدنية" ودعوة الأمم المتحدة لإدانة مغلظة تجرم تلك المجازر وتفعيل القانون لمنع نموا وتمدد هذا السرطان في جسد السودان وافريقيا.