الشيوعية أم الأناركية؟


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 7645 - 2023 / 6 / 17 - 13:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لطالما سعى الأناركيون فيما بينهم إلى "أناركية بلا صفات - Anarchism without adjectives". وهو نتيجة الانقسام الكبير ووجود المدارس والكتل والأجنحة المختلفة التي ظهرت في الأناركية كالماركسية. وتعود بدايات هذا الاتجاه إلى عام 1889: الأناركية الجماعية، التحررية، النقابية، الشيوعية، الفردية، الدينية، وأكثر من ذلك.

إن مصطلح الأناركية (اللاسلطوية) مصطلح سياسي جديد، لكنه مفهوم قديم جدًا في التاريخ. وقبل اثني عشر عامًا، فتحت الباب أمام هذا النقاش مع الرفاق العرب. لكننا لم نعد إليه أبدًا. فنحاول فتح هذا الباب هنا: في اليونان القديمة، يأتي هذا المفهوم من الفلاسفة الرواقيين، وخاصة زينون من إيليا. واليوم، يستخدم المصطلح أيضًا بين اليهود والمسيحيين والمسلمين والبوذيين والوثنيين. لذلك، فإن الأناركية (اللاسلطوية) مصطلح غير دقيق إطلاقاْ. وحتى أن بعض المسيحيين يقولون إن الدين المسيحي أناركي (اللاسلطوي) بطبيعته. في الأديان السماوية الثلاث يوجد اتجاه في بعض المراكز يقول: القوة للرب لا للفرد! وهم يتحدثون عن التخلص من عقلية الدولة بمعنى أن الدين هو معتقد فردي. فالمسألة إذن ليست الأناركية (اللاسلطوية) التي ينادي بها العديد من التيارات -السياسية كالدينية- دون أن تمس الملكية الخاصة من القريب أو البعيد، بل هي الشيوعية التي يقتلع المجتمع الرأسمالي من الأساس، ويمحو العمل المأجور في التاريخ، ويعيد الإنسان إلى حياته الكومونية بأشمل معانيها الإنسانية. وإن مجتمعا كهذا، يتناسب فقط مع المعنى التاريخي للشيوعية. وإذا تؤكد الأناركية على أنها اتجاه اشتراكي وشيوعي، فإنها لا تخلو من الصفات، وتم تعريف الأناركية جيدًا على أنها اتجاه اشتراكي في أعمال باكونين وكروبوتكين مثلا. لذا يجب أن يكون السؤال هو التالي:

ما هي الشيوعية؟

يقول كارل ماركس: "الشيوعية باعتبارها التخطي الإيجابي للملكية الخاصة، أو لاغتراب الذات الإنساني، وبالتالي باعتبارها التملك الحقيقي للماهية الإنسانية من جانب الإنسان وللإنسان، وبالتالي الشيوعية باعتبارها عودة الإنسان الكاملة إلى ذاته ككائن اجتماعي (أي إنساني) – عودة تصبح واعية ومكتملة في إطار كل ثروة التطور السابق. وهذه الشيوعية – كطبيعية مكتملة التطور – تساوي الإنسانية، وكإنسانية مكتملة التطور تساوي الطبيعية، إنها الحل الحقيقي للنزاع بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان – الحل الحقيقي للصراع بين الوجود والماهية، بين التموضع وتأكيد الذات، بين الحرية والضرورة، بين الفرد والنوع. الشيوعية هي لغز التاريخ وقد حل، وهي تعرف نفسها باعتبارها هذا الحل" (مارکس، مخطوطات عام 1844 الاقتصادية والفلسفية). ثم يقول ماركس: "ولا يتحقق التحرّر الإنساني إلا حين ينصرف الإنسان عن أن يكون مواطناً مجرداً ويصبح عضواً في المجتمع وحين ينصرف إلى قواه الخاصة بوصفها قوى اجتماعية، وحين يُنظمها فلا تنفصل القوة الاجتماعية في هيئة قوة سياسية [الدولة]، عندها فقط يكون التحرّر الإنساني قد تحقّق" (The Jewish Question). كما ويقول: "بين المباديء الشيوعية مبدأ حيويا يميزها من الاشتراكية الرجعية في جميع أشكالها: ان الفوارق في الدماغ والقدرة الذهنية لا تشترط في حال من الاحوال الفوارق في طبيعة المعدة والحاجات الجسدية؛ وبالتالي فان المبدأ الخاطيء القائم على النظام الراهن، (لكل حسب امكاناته) يجب ان يتغير إلى المبدأ التالي (لكل حسب حاجاته)" (كارل مارکس، الايديولوجية الالمانية، ص ٥٩٤).