حق تقرير المصير: بين لينين والاشتراكية


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 5574 - 2017 / 7 / 7 - 20:49
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كلفت ويلات الحروب الرأسمالية حياة ملايين البشر في القرون الثلاثة الأخيرة لذلك تم ادراج حق تقرير المصير في لائحة الدولة منذ تطور الرأسمالية وحروبها المدمرة. ويتلخص هذا الحق في إيجاد عالم يتفق ومبدأ حقوق الإنسان. فإذا كانت الملكية الخاصة حقًّا طبيعيًّا للفرد في العالم الرأسمالي، فاختيار شكل سياسي للدولة، هو أيضًا حسب فقهاء القانون الدولي في حق تقرير المصير، حق طبيعي للأمم. فحق تقرير المصير هو إذن ركن أساسي من أركان حقوق الإنسان، وهو المبدأ البرجوازي الذي يعطي حق الملكية الخاصة لكل مَن يربطه التاريخ بالشكل الرأسمالي للملكية. ولقد قامت الرأسمالية بتطبيق احدى أهم مبادئها عند بيان استقلال أمريكا في 4 تموز 1776، وفي وثيقة حقوق الإنسان التي أقرتها الثورة البرجوازية الفرنسية عام 1789. وبعدما أعلنت المستعمرات الأسبانية والبرتغالية في أمريكا الجنوبية استقلالهما ما بين 1810-1825، أصدر الرئيس الأمريكي -(عام 1823)- تصريحاً لضمان حق تلك الدول في تقرير مصيرها.

وهكذا فكما لعبت حقوق الإنسان الدور الأساس في إخضاع البشر للمبدأ السامي البرجوازي: حق الفرد في التمليك الخاص، فلعب أيضًا مبدأ حق تقرير المصير، دورًا في تحديد القوانين الدولية بخصوص حق الأمم في تقرير مصيرها، وعلى الأخص بعد الحرب العالمية الأولى التي قامت الرأسمالية من خلالها بتقسيمات جديدة للعالم، فمثل مبدأ حقوق الإنسان أو المساواة أمام القانون، فان مبتكر مبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها، هو البرجوازية ذاتها، فإن هذا الحق ليس له علاقة بالحركة الاشتراكية إلا في الأدب البرجوازي للاشتراكية - الديمقراطية الروسية التي حاولت خلال أكثر من قرن، مسح كل الفواصل التاريخية بين مباديء البرجوازية ومباديء الاشتراكية. ونحن لسنا من أوائل منتقدي الاشتراكية - الديمقراطية الروسية في مسألة حق الأمم في تقرير مصيرها. بل يعود بداية هذا النزاع الفكري بين روزا لوكسمبورع ولينين، إلى بداية القرن الماضي. ويتلخص هذه الخلافات في أن روسيا تعيش -اقتصاديًا- ظروفًا مماثلة لنمسا الرأسمالية، حسب روزا لوكسمبورغ. بينما روسيا بلد فلاحي، لا يمكن الحديث فيه عن الثورة الاشتراكية، حسب لينين. بناء على ذلك، فيفسر لينين ثورة 1905 الروسية بثورة برجوازية، رغم ان هذه الثورة، بدأت من تشكيل المجالس والاستيلاء على الملكية الخاصة، أي الاستيلاء على المعامل من قبل البروليتاريين المدنيين والأراضي من قبل البروليتاريين الريفيين.
وانطلاقًا من هذه الخلافات الحاسمة في مسألة حق تقرير المصير، ينطلق لينين مما تخالفه روزا كليًا، فكرس لينين كل أوقاته للقضية التي أصبحت شيئًا من الماضي منذ الثورة البرجوازية الفرنسية، فبعد هذا التاريخ، أدخلت الدولة حق تقرير المصير، مثل حقوق الإنسان، في جدول أعمالها. أما لينين فيتخطى حدود الثورة الفرنسية ويعزز فكرة حق تقرير المصير حتى في ظل الاشتراكية، وهو يقول: "لا بد للاشتراكية الظافرة من أن تحقق بالتالي لا المساواة التامة في الحقوق بين الأمم وحسب، بل أن تطبق أيضًا حق الأمم المضطهَدة المظلومة في تقرير مصيرها، أي حقها في حرية الانفصال السياسي". (لينين، مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية، ص 120).

‌إذا كانت الاشتراكية تعني القضاء على كل تناحر طبقي، فهي تعني في نفس الوقت القضاء على كل تناحر قومي والعداء بين الأمم والقوميات، فالاشتراكية تعني إزالة استثمار الإنسان للإنسان واستثمار أمة لأخرى مادام هدفها هو القضاء على المزاحمة الحرة والاستعاضة عنها بتوحيد المجتمع في كومونات إنتاجية خاضعة لإدارة المنتجين الذاتية أنفسهم، فماذا تعني إذن انفصال الأمم من الاشتراكية بحجة (حق تقرير المصير)؟ ‌ألا يكون مضحكًا أن تختار البروليتاريا المنتصرة في ثورتها، العودة إلى نفس النظام في العمل الذي قامت البروليتاريا بالقضاء عليه، وهذا بحجة حق تقرير مصير أمتها؟