ماركس والفلسفة الهيغلية اللاهوتية


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 4335 - 2014 / 1 / 15 - 13:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تمهيد:

سيصبح النضال ضد التأملات الفلسفية، وهي الدعامة الاخيرة للاهوت، ضرورة مطلقة لمجابهة الحركة المضادة التي لا بد ان تصاحب حركة الشغيلة، تدفعها الأزمة الاقتصادية المعاصرة باستمرار، إلى المسرح العالمي. وما يجب محاربته من جديد هو اللاهوت الهيغلي الذي يتجدد، حسب ماركس، في صورة كاريكاتورية، نرى فيه التعبير الاكثر كمالا لمبدأ المسيحية الالمانية. وعلى عكس النقاد الهيغليين في كل مكان وزمان، قد رأى ماركس قبل 170 سنة بالضبط، ضرورة تصفية الحساب مع هيغل وفلسفته المتفسخة، فها هو ماركس يقول:

"على عكس النقاد اللاهوتيين في أيامنا رأيت أن الفصل الختامي للكتاب الحالي – تصفية الحسابات مع الجدل الهيجلي والفلسفة الهيجلية ككل – ضروري ضرورة مطلقة" (ماركس).

تفسخ الفلسفة الهيغلية:

"ان عملية تفسخ الفلسفة الهيغلية التي بدأت مع شتراوس قد آلت إلى اختمار عمومي انجرفت فيه (قوى الماضي) جميعا ..
.. لكن إذا شئنا أن نقيم تقيما حقيقيا هذه الشعوذة الفلسفية التي يوقظ شرارة من الكبرياء الوطنية حتى في صدر البرجوازي الالماني الشريف، وإذا شئنا أن نبين حقارة كل هذه الحركة الهيغلية الفتاة وضيقها، وبصورة خاصة التباين المضحك المبكي بين المآثر الفعلية لهؤلاء الابطال وأوهامهم بشأن هذه المآثر بالذات، فان علينا أن ننظر إلى المشهد برمته" (ماركس).
***
".. جميع الاسئلة التي طرحها النقد الالماني على نفسه قد انبثقت بلا استثناء، من أرض نظام فلسفي معين، ألا وهو النظام الهيغلي. وان ثمة تضليلا لا في الأجوبة عن هذه الاسئلة فحسب، بل في الأسئلة بحد ذاتها"، "ولقد انطلق النقاد من الدين الحقيقي واللاهوت بالمعنى الحقيقي للكلمة" (ماركس).

لاهوت الهيغلي وعصر التنوير:

"وقد هزمت الميتافيزياء من قبل عصر التنوير الفرنسي، لأن تنبعث انبعاثا قويا ومنتصرا في الفلسفة الالمانية وبشكل خاص الفلسفة الالمانية التأملية للقرن التاسع عشر. وبعد ان ربطها هيغل مع كل الميتافيزياء اللاحقة ومع المثالية الالمانية وأقام مملكة ميتافيزيائية شاملة، كان الهجوم على الفلسفة الميتافيزيائية التأملية والميتافيزياء بشكل عام يقابل من جديد الهجوم على اللاهوت" (ماركس).
***
"وتمشيا مع شخصيته المطلقة، سوف يعلن النقد (الخالص)، حالما يظهر، (شعاره) المميز، ورغم ذلك لا بد له، بوصفه الروح المطلقة، ان يمر خلال عملية ديالكتيكية. وفي نهاية حركته السماوية فقط سوف يتحقق فعلا مفهومه الاصلي (انظر الانسكلوبيديا لهيغل)" (ماركس).

مملكة هيغل الروحية:

"اننا نجد انفسنا هنا في المملكة الروحية للفلسفة الهيغلية التي تمتد من برلين حتى هال وتوبنجن، مملكة الارواح التي كتب تاريخها الهر بايروهوفر..
.. ان الفلسفة الهيغلية قد حولت جميع الامور إلى أفكار، إلى مقدس، إلى أطياف، إلى روح، إلى أرواح، إلى أشباح" (ماركس).
***
"هذه الطريقة، مثل كل طرافات النقد المطلق، هي تكرار لطرفة تأملية. يجب على الفلسفة التأملية، وإن شئت الدقة فقل فلسفة هيغل، ان تحول كل المسائل من الحس الانساني العام إلى شكل الفكر التأملي، وان تغير المسألة الحقيقية إلى مسألة تأملية لتكون قادرة على الإجابة عنها" (ماركس).

فينومينولوجيا - المضغة الهيغلية القديمة:

"في فينومينولوجيا هيغل نجد الاشكال المغتربة للوعي الذاتي الانساني متروكة كما هي. وهكذا فان كل هذا الكتاب ذي القسوة التدميرية يؤدي الى فلسفة محافظة أشد المحافظة، يحسب انه تغلب على العالم الموضوعي، العالم الحقيقي حسيا بمجرد تحويله الى (شيء فكري)، الى تحديد للوعي الذاتي، ولذلك فانه يستطيع ان يحل نقيضه الذي اصبح اثيريا في (اثير الفكر الخالص). ولذلك فان فينومينولوجيا منطقية تماما عندما تحل في النهاية محل الواقع الانساني (المعرفة المطلقة) ..
ان هيغل يجعل العالم يقف على رأسه ولذلك فانه يحل في الرأس كل الحدود التي تبقى في الوجود من اجل الحسية الشريرة، من اجل الانسان الواقعي .. ان كل الفينومينولوجيا ترمي إلى اثبات شيء واحد وهو ان الوعي الذاتي هو الواقع الوحيد، بل هو كل الواقع" (ماركس).
***
"ولكن حتى ننهض لا يكفي ان ننهض في الفكر وفوق رأسنا الحسي الحقيقي يبقى النير الحسي الحقيقي الذي لا يمكن رفعه بالافكار، ومع ان النقد المطلق تعلم من فينومينولوجيا هيغل، على الاقل، فن تغيير الحلقات الموضوعية الحقيقية التي توجد خارجا عني إلى فكرة صرفة، إلى حلقات ذاتية توجد في داخلي فقط، وبذلك ان يحول كل الصراعات الخارجية الحسية إلى صراعات صرفة للفكر" (ماركس).
***
"وإذا انزل النقد عن قلبه عبثا بالتسليم بالمصالح الحقيقية (لسياسته)، يتذكر (دعواه) ويجتر من جديد المضغة الهيغلية القديمة (قارن الصراع بين التنوير والايمان في الفينومينولوجيا وقارنه بالفينومينولوجيا بكاملها) بأن القديم الذي يقاوم الجديد لا يبقى قديما حقا، حيث سبق واجتره طويلا في (القضية الجيدة للحرية). إن النقد النقدي حيوان مجتر. انه يحافظ بحرص على الفتات القليلة المتساقطة من هيغل، كالجملة المقتبسة سابقا عن (القديم) و(الجديد) او مرة اخرى عن (تطور الحد من الحد المقابل) وامثال ذلك دون الشعور بالحاجة إلى معالجة (الديالكتيك التأملي)" (ماركس).
***
"ان علم الظواهر ( فينومينولوجيا)، التوراة الهيغلية، (الكتاب)، يبدأ بأن يجعل من الافراد (الوعي) ومن العالم (الموضوع)، وبذلك فان التنوع المتعدد الاشكال للحياة والتاريخ يرجع الى علاقات متنوعة (للوعي) تجاه (الموضوع). وان هذه الاشكال الوجودية المتنوعة لترجع بدورها الى ثلاث علاقات اساسية: 1) علاقة الوعي بالموضوع من حيث هو الحقيقة، أو بالحقيقة من حيث هي مجرد موضوع (مثال ذلك الوعي الحسي، والدين الطبيعي، والفلسفة الايونية، والكاثوليكية، والدولة المتسلطة، الخ؛ 2) علاقة الوعي، من حيث هو الحقيقي، بالموضوع (العقل، الدين الروحي، سقراط، البروتستانتية، الثورة الفرنسية)؛ 3) العلاقة الحقيقية بالوعي من حيث هي موضوع، أو بالموضوع من حيث هي حقيقة (الفكر المنطقي، الفلسفة التأملية، الروح لذاته)، وبهذه الطريقة يتصور هيغل العلاقة الاولى على انها الله الاب، والعلاقة الثانية على انها المسيح، والعلاقة الثالثة على انها الروح القدس، الخ" (ماركس).

الفكر المنطقي والعالم الواقعي:

"المفهوم هو (الانا) (انظر المنطق لهيغل، القسم الثالث)، المنطق بوصفه الانا. هذه هي العلاقة المحضة للانا بالعالم، علاقة مجردة من جميع العلاقات الفعلية المتعلقة بها؛ صيغة صالحة لجميع المعادلات التي يرجع الانسان المقدس إليها المفاهيم الدنيوية. ولقد سبق أن بينا اعلاه كيف (يسعى) سانشو عبثا، بواسطة هذه الصيغة، لايضاح مختلف التحديدات التجريدية الخالصة، مثل الهوية، والتناقض، بارجاعها إلى جميع الاشياء الفعلية الممكنة والقابلة للتخيل" (ماركس).
***
"المنطق يعرض إذا الحركة الداخلية للفكرة المطلقة فقط" (ماركس).

هيغل يوقع القارئ في الضلال:

"يملك هيغل القدرة الكاذبة ان يعرض على انها عملية الكائن العقلي المتخيل نفسه، الذات المطلقة، العملية التي بواسطتها ينتقل الفيلسوف عن طريق الادراك الحسي من موضوع لآخر. والى جانب ذلك، غالبا ما يقدم هيغل عرضا حقيقيا، يحيط بالشيء نفسه، ضمن العرض التأملي. هذا العرض الواقعي ضمن العرض التأملي يوقع القاريء في الضلال فيأخذ التأمل على انه الواقع والواقع على انه التأمل" (ماركس).
_______________________________________________________

المصادر:
كارل ماركس، مخطوطات عام 1844 الاقتصادية والفلسفية
كارل ماركس، العائلة المقدسة
كارل ماركس، الايديولوجية الالمانية