الطباق بين هيغل وماركس


أنور نجم الدين
الحوار المتمدن - العدد: 4428 - 2014 / 4 / 18 - 14:19
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

عند هيغل يقوم التضاد بين الإثبات والنفي (=الإيجاب والسلب)، ومن ذلك ينشأ مفهومًا ديالكتيكيًا ينتج عنه ما يسمى بالتركيب، أي نفي النفي في حركة جدلية لا متناهية.
وهكذا، فالحركة لدى هيغل، تفسر بالتناقض داخل (الشيء)، يسعى فيه أحد النقيضين الى نفي الآخر. هذه الحركة الديالكتيكية اللامتناهية، تسمى الإثبات، النفي، ونفي النفي. فالتناقض الديالكتيكي حسب هيغل، يرتكز على: الأطروحة (الإثبات)، الطباق (النفي)، التركيب (نفي النفي).
حسب هيغل، يؤدي انعدام الإيجاب إلى السلب، فانعدام الخير مثلا يؤدي إلى الشر، وانعدام النور يؤدي إلى الظلام. وهذا هو الطباق، أي جمع لفظين متضادين. وفي المنطق الديالكتيكي، أي في الفكر المجرد، قد يتحول الطباق إلى شيء ثالث عند تجاوز الضدين في الطباق.

أما في العالم الواقعي، في الحياة العملية، وفي العلاقات الاقتصادية، قد يزول (الشيء) بصورة نهائية بدل تحوله إلى شيء ثالث، ما يسمى [تجاوز] Aufheben. لذلك، فمن غير الممكن معالجة الاشياء والعلاقات البشرية، بمساعدة طباق هيغل. وان تناقض ماركس مع الطباق الهيغلي، هو تناقضه الكلي مع الديالكتيك، فماركس يقول:

"إن حركة الديالكتيك هي التفريق المبدئي بين الخير والشر". "إن ما يشكل حركة الديالكتيك هو وجود جهتين متناقضتين وصراع هاتين الجهتين المتناقضتين وادغامهما في لائحة جديدة. إن محاولة تخفيف الناحية الشريرة تكفي لأن تقضي على حركة الديالكتيك"، " فالموضوع الذي يجب حله: الاحتفاظ بالجهة الخيرة والتضييق على الجهة الشريرة" (كارل ماركس، بؤس الفلسفة).

إذًا، ما تناقض ماركس مع الطباق الهيغلي؟

يقول ماركس:

"النقد يوحد واقعين في واقع واحد، وبعد أن يجعل واحدًا عن الاثنين، يستوعب الرابط الداخلي بين الاثنين .. ان النقد يجعل الفقر والملكية في كل واحد (يتحراه بصفته هذه ليجد شروط وجوده)، وهو تحرٍ لا لزوم له مادام النقد هو الذي صنع ذلك (الكل بصفته هذه) ولذلك فان صنعه هو بنفسه شرط وجوده.
ويتحرى النقد النقدي (الكل بصفته هذه) ليجد شرط وجوده. فيبحث بطريقة لاهوتية خارج هذا الكل، عن شروط وجوده. ويتحرك التأمل النقدي خارج الموضوع الذي يزعم انه يعالجه. والتناقض الكلي ليس شيئَا آخر سوى حركة كلا الجانبين، وشرط وجود الكل يكمن في طبيعة الجانبين. النقد النقدي يستغني عن دراسة هذه الحركة الحقيقية التي تؤلف الكل كي يكون مخولا على المناداة بأنه هو النقد النقدي بصفته المعرفة الهادئة، فوق طرفي التناقض، وان فعاليته التي صنعت (الكل بصفته هذه) هي الآن في وضع يلغي التجريد الذي هو صانعه.

البروليتاريا والثروة نقيضان. وبهذه الصفة يشكلان كلا واحدا. ان كليهما شكلان من عالم الملكية الخاصة. والمسألة هي ما المكان الذي يشغله كل واحد في الطباق. فلا يكفي التصريح بأنهما جانبان لكل واحد.

الملكية الخاصة، كملكية خاصة، كثروة، مضطرة للحفاظ على ذاتها، وبالتالي للحفاظ على نقيضها في الوجود وهو البروليتاريا. ذاكم هو الجانب الايجابي للتناقض ..
والبروليتاريا من جهة أخرى، مضطرة كبروليتاريا ان تلغي نفسها وبالتالي ان تلغي نقيضها، تلغي شرط وجودها، ما يجعلها البروليتاريا، أي الملكية الخاصة. وذاكم هو الجانب السلبي للتناقض ..
في هذا الطباق يمثل المالك الخاص الجانب المحافظ، ويمثل البروليتاري الجانب الهدام. وبينما يقوم الأول بالمحافظة على الطباق، يقوم الثاني بسحقه.
.. وعندما تنتصر البروليتاريا لا تصبح في حال من الاحوال الجانب المسيطر في المجتمع لانها انتصرت فقط بالقضاء على نفسها وعلى نقيضها. وعندئذ تختفي البروليتاريا كما يختفي نقيضها الذي يحددها وهو الملكية الخاصة" (كارل ماركس، العائلة المقدسة).

وهكذا، فالطباق، أو الجمع بين الاضداد في الـ (شيء) الذي يتجاوز ذاته بصورة أبدية، ليس سوى شكل وهمي للديالكتيك التأملي الذي لا يفهم الواقع المادي إلا على شكل مقولات فلسفية مجردة ترجع كل الحركات الطبيعية والاجتماعية، إلى عملية التفكير الديالكتيكي. فالظواهر الطبيعية والاقتصادية، قد تقوم بهدم (الطباق) لا الاحتفاظ به أو تحويله إلى أسس جديدة لاضداد جديدة.