حتى ندير رؤوس الرجال


عدوية السوالمة
الحوار المتمدن - العدد: 7630 - 2023 / 6 / 2 - 00:43
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

اذا كان التمييز الجنسي يبدأ منذ الولادة لصالح الجنس الاخر, فلنا أن نتنبأ بحجم عقد النقص التي يجب ردمها مستقبلا للحد ان شئنا من الصراعات والتناقضات والجروح النرجسية التي سيداوم على اجترارها الطرف الذي قررالحظ التخلي عنه لحظة خروجه للحياة بموجب منهجية الاقصاء الاجتماعي المعتمدة منذ القدم . أن تصنف مسبقا بالخاسر سيجعلك تصارع من اجل كل لحظة في حياتك إما لتثبت الخطأ الذي وقع فيه واضعو التصنيف المجحف بحقك ,أو لتنتقم من الطرف الذي وقف الى جانبه التصنيف . وإما ستقرر انهيارك منذ البداية وتقبل بخسارتك فتطحن رغباتك وتبتلع ظلمك الذي ولد معك , وفي المحصلة نحن في خضم عملية استنزاف نفسي كامل أثناء كل محاولات التأقلم الهشة بسبب بنيتها ذات الطابع المرضي .

صراعات الوجود واثبات الكفاءة وأحقية الحياة نراها باستمرار كمحرك رئيس للسلوك الانساني النسوي وهو ما يفسر كثيرا سلوك مثل التطرف في العطاء وفي الحب وفي الكره في اثبات الذات وفي الاضمحلال النفسي في الاستقلالية وفي التبعية .
لا شيء يمكنه ان يسير على طبيعته طالما ان هناك في العمق ما يدين وينتقص ويهمش ان كان نابعا من داخل عمقنا العاطفي المؤسس اي الاسرة او عمقنا الخارجي المؤطر لهويتنا الجمعية اي المجتمع الذي ننتمي له .
الاحساس العميق بالادانة ومحاولات التعويض المرافقة له يسمح باستمرار بتصدر سلوكات الارضاء والتكفير .
هناك دائما غرق غير محدود داخل الذات الأنثوية وبحث منهك يتمحور حول كيفية التموقع في ذات الجنس الاكثر تفوقا حياتيا كما هو مسلم به .
انهاك الى حد خسارة الذات ونسيان العيش كما هو مقرر لوجودها وإلا فما معنى الوقوف بالساعات أمام المرآة ترهق فيها المرأة نفسها بوضع طبقات متعددة من المساحيق المعدة لتغيير شكلها فقط لتدير به رؤوس الرجال , وساعات في اختيار ازياء تحشر نفسها بها حتى لا تستطيع التنفس او السير بها بشكل مريح أو التفنن في تعذيب الذات في ارتداء احذية لا يمكن لأي عاقل مجرد التفكير بانتعالها . أي مضيعة للوقت والجهد والمال والصحة في سبيل ارضاء ولفت نظر الاخر فقط في حين أن كل تلك الجهود المبذولة والتي لا طائل منها كان بامكانها توجيهها نحو أشياء حياتية تفيد تطوير الذات والمجتمع لأنه ببساطة الاخر لن يراها كما تبدو أمام المرآة بل سيراها فقط مشبعة لحاجاته النفسية من ملاذ وطمأنينة ومساندة وهو ما نراه بشكل بارز في الزيجات الناجحة والاكثر ديمومة .
المرآة ذلك الحليف الكاذب والخائن دائما ما نراه متصدر مشهد الاهتمام النسوي كرغبة ملحة وسواسية نقف في البدايات أمامها مزهوين واثقين لا تلبث السنين أن تضعنا أمامها مخزولين منطفئين متوسلين نخفي ما هو مفروض أن يكون تطورا طبيعيا لجسدنا على مر السنين . نناضل ونجتهد ونستميت في رسم ملامح ليست ملامحنا بدلا من تقبل كل شيء فينا راضين عن انجازاتنا الحياتية التي من المفروض أنها أكبر وأهم من أشكالنا الخارجية التي لا تتطلب أكثر من العناية الشخصية كالنظافة والترتيب .
القبول في الحياة بالنسبة للنساء يعتمد على مدى تمتعها بالجمال , تصور تم حشره في أدمغتنا وتمت تغذيته بجميع الطرق والوسائل فلابد لبطلات قصص الطفولة أن تتميز بجمال نادر الوجود ولا بد لأي أمير أن يتزوج من أجمل نساء الأرض لدرجة أننا تصورنا أن الجمال هو كل ما ينقصنا في الحياة لنحيا حياة سعيدة ,الكارثة أننا كنساء نرى بأم أعيننا أن الواقع مليء بنماذج ناجحة لم يكن الجمال أحد مقوماتها ومع ذلك مصرين على تصديق تلك الكذبة .
كيف يمكن لفكرة مغلوطة أن تستمر على أنها شيء لا جدال فيه وكل من حولك يغذي فيها وعلينا أن نهدر كل ما نملك من وقت لنغدو الباربي حلم أنوثتنا . وبحسب نقودنا طبعا نختار الشكل الاكثر تفضيلا لدى الرجال .
اذا كان جل انجازنا مرتكز على الشكل الخارجي وكيفية ادارته وتحسينه واستثماره فاننا بالطبع سنكون عبيدا للمرآة وستكون أولى خطوط الشيب التي تبديها تأملاتنا المعمقة لذاتنا فيها بداية انهياراتنا النفسية واحساسنا بفقدان زمام حياتنا . كيف لا, حين تكون قيمتنا الانسانية مرتهنة لانعكاس خيالاتنا عليها مسخرين كل مقدراتنا الفكرية لنحظى بصورة خالية من العيوب بقدر المستطاع .
في حقيقة الامر كنه الحياة لا نعرفه ولا نصل له طالما أن حياتنا تقف عند نقطة ارضاء الاخر وطالما أننا نفني مجهوداتنا الفكرية في بلع و مزج واستخلاص كل ما أوجدته الطبيعة لتحسين مظهرنا الخارجي .
أعتقد أن علينا أن نبدي احتراما أكبر لتجربتنا الحياتية وأن نتفاعل معها بشكل نترك معه بصمات أكثر عمقا . قلة منا فقط من فهمت أهمية وجودنا وطبيعة دورنا فأنجزت ولم تأبه لرأي المرآة فيها ولا لإملاءات ما يدور في خلد الطرف الاخر الاكثر حظا .