أنماط سلوكية جديدة يفرضها الزائر الغاضب كورونا


عدوية السوالمة
الحوار المتمدن - العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 23:23
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

كثيرا ما يستتلي التغيير القسري لانماطنا الحياتية المعتادة ردود أفعال غير توافقية تتسم بالقلق والخوف والعدوانية تعكس حالة الارتباك الداخلي الذي تخوضه ذاتنا في محاولة لتحقيق انسجام مع التغيرات الجديدة التي تطرحها التجربة والخبرة المعاشة بما يتناسب مع ادراكنا لها
كورونا هذا الزائر الغاضب الذي مازال خاضعا للبحث والدراسة استطاع ان يخلق واقعا دراماتيكيا حول العالم واقعا مضطربا خاصة بعد تحوله الى جائحة كنتيجة لبداياته الغامضة و الغير محددة والمثيرة للشبهات التي جعلت الكثيرين يقعون في فخ التهوين لاعتباره مجرد حرب بروباغاندا على خلفية الصراعات الاقتصادية والسياسية القائمة في المنطقة
واقع يملؤه الشك والخوف بسبب الحاجة الى المعلومة الدقيقة والغير متوفرة حتى الآن وهو ما شكل ظرفا مناسبا لاحلال تصورات وافتراضات بدل الحقائق القادرة على انتزاع الشك لتهيئة الطريق أمام ظهور استجابات صحيحة تمكن من المواجهة وحسم المعركة لصالح البشرية
وفي الحقيقة وواقع الحال هكذا نجد انه من المضلل عدم الاعتراف بكورونا كشدة نفسية ستسمح بظهور أنماط سلوكية جديدة تتماشى مع حربنا القائمة ضده أنماط سلوكية من الممكن ان تستمر أو تختفي مع اختفائه
الإجراءات المشددة لاحتوائه شددت على العزلة والعزل الى أجل غير مسمى فجأة شعر العالم بضرورة الهدوء والكف عن الحركة وأنه لا مجال للقاءات والاجتماعات ولا مجال للاقتراب والعناق والمصافحة لا داعي للعمل لا داعي للعلم فقط اكتفوا بذاتكم اكتفوا بنجاتكم انتم ومن تحبون
الجموع بالطبع لم تعترض فما يهم هو البقاء الآن
العزلة والخوف سيشكلان معا ثنائيا قاسيا يعنون زمن كورونا لم يكن أحد قادر على تصور الرضوخ لفكرة الانكفاء على الذات في أوج الهياج الحركي البشري العالمي ولكنه حصل بتأثير كورونا
هي عزلة بإمكانها ان تقدم لنا خبرة مجانية لتعلم رؤية الذات بعيدا عن الاخر وبعيدا عن العالم فالكل غارق في مخاوفه وعدم يقينه وهو ما يمكنه ان يلجم عدائيتنا المفترضة كنتيجة للعزلة المفروضة وقائيا ويتركنا للانتباه للذات التي تضاءل وجودها امام ضغط وجود الاخر في محاولة لاحتوائه وابهاره او حتى للنيل منه
التسارع الحركي لتحقيق المزيد من الارتقاء الاجتماعي عبر العمل او العلم شكل في الآونة الأخيرة مصدر حرق أساسي للداخل الإنساني تجلى في ارتفاع نسب الإصابة بالاكتئاب عالميا فهو الاخر يمكننا ان نعتبره جائحة ولا بد من السيطرة عليها ومواجهتها
هو الاخر يحصد الأرواح ولكن بصمت يحيل الافراد الى مجرد عذابات بشرية تسير بيننا دون الانتباه الى انتزاع الحياة منها
عزلة الفايروس الغاضب يمكنها أن تشكل فرصتنا لتعلم أنماط سلوكية أكثر عمقا وتفهما وانفتاحا على داخلنا بسبب الهدوء الذي نعيشه رغما عنا وكلنا ترقب للاحداث
يمكنها ان تشكل فرصة لالتقاط الاخر كما فعل الطاقم الطبي الصيني في إيطاليا
أنماطنا السلوكية الحالية مجرد استجابة لمتطلبات العيش في عالم غارق في المادة والتسليع البشري عالم منحاز لجانب الافناء والوصول للنهايات وبالتالي كان هناك ميلا لتبني أنماطا أكثر عدائية تجاه المحيط والأخر تم التعبيرعنها بكثرة النزاعات المسلحة حول العالم وبالحروب الاقتصادية وبالافقار وخلق المجاعات وتفشي العنف في المدارس وفي الاسر
حتى الطفولة لم يعد من المسموح لها ان تكون بريئة فأشركت في النزاعات المسلحة وفي سوق العمل وفي اعدادها لتكون اكثر عنفا في المستقل ملاحظة بسيطة لنوعية الألعاب المقدمة لاطفالنا سنكتشف مدى العنف الكامن في تفاصيلها نحو الذات ونحو الاخر
أحيانا الشدة النفسية قد تكون معطلة واحيانا قد تكون محفزة وبما اننا وسط شدة نفسية عالمية فيمكننا التكهن بقدرتها على خلق تعاطف جماعي أدركه فرويد حين اقترح انه لا شيء يمكنه ان يجمع الاخرين أكثر من عدو مشترك وهو ما أمنه زائرنا الغاضب الذي يمكنه ان يخلق لدينا الحافز للتغيير وان كان التغيير في بداياته قاسيا وغير مريح ولكن العادة هي من سيتكفل بترويضنا للقبول بالجديد الذي سيدرك على انه سبب بقائنا