قراءات حول: حكومة الثورة وأسئلة الساعة


سعد محمد عبدالله
الحوار المتمدن - العدد: 6391 - 2019 / 10 / 26 - 02:54
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

هنالك أسئلة سياسية وإقتصادية وأمنية ملحة يجب أن تطرح علي الفضاء السوداني العام بهدف فتح نقاش جاد أله يقودنا لإجابات تزيل بعض النقاط "الرمادية" التي تشغل الرأي العام كأسئلة ساعة موضوعية وجوهرية تبرز علي سطح المسرح الوطني، وسنذهب مباشرة للحديث حول تلك القضايا؟

1. كيفية ربط التحول المدني الديمقراطي بالسلام والترتيبات الإنسانية والسياسية والأمنية في السودان: المدنية تعبيرا يترجم دولة المؤسسية وتحكيم قانون يضبط أجهزة الدولة وبالضرورة إيجاد نظام حكم ديمقراطي يضمن التداول السياسي سلما علي حكم البلاد بين التنظيمات الديمقراطية، ويرتبط وجود وتطور الدولة وثبات أنظمة الحكم فيها بالسلام الشامل والعادل الذي يحقق أمن وإستقرار المجتمع، وتعتبر هذه المعادلات عمليات بناء متكاملة للدولة ولا يمكن البتة أن تجزء لإرتباطها ببعضها، ومن الضروري الذهاب إلي ترتيبات أمنية جديدة تعيد هيكلة أجهزة الدولة العسكرية بحيث تتحول الجيوش التي تنتشر بكثافة في السودان إلي جيش وطني ومهني واحد تكون عقيدته الدفاع عن الوطن وحماية الشعب، وكذلك الأمن مدخل للغوث الإنساني الذي تحتاجه شعوب المناطق التي تضررت بنيران الحروب وسياسات التفقير وفساد دولة الحزب الواحد وقانون حكم الظلام في عهد المخلوع عمر البشير وأعوانه من الإنقاذيين الإسلامويين، فهل تمت إزالة العقبات التي كانت تعيق السلام سابقا وفي بدايات فترة الثورة حيث تم تشويه كبير لمخرجات إتفاقية أديس أبابا مع رفض الذهاب إلي القاهرة وجوبا لتصحيح ذلك الخطأ الجسيم الذي أخر عملية السلام؟ وهل حكومة الدكتور عبدالله حمدوك ستنجح في مواجهة القوى الظلامية وتبطل مفعول الثورة المضادة وتجفف كافة مستنقعات دولة التمكين العميق وتوقف تلك المماحقات السياسية وحياكة المؤامرات بين التنظيمات الراديكالية من اليمين المتطرف واليسار المتعصب لتفتح الساحة الوطنية للقوى الديمقراطية الجديدة ذات الخطوط السياسية المرنة والخطاب الفكري المنفتح لتقود مرحلة البناء الوطني وتفكك خيوط تعقيدات الواقع الأمني والسياسي بمشروع سوداني جديد ينهي هيمنة المركز العنصري الإقصائي ويبني موطن المواطنة بلا تمييز.

2. مسألة الدولة العميقة والثورة المضادة ومحاربة الفساد المالي والإداري: الدولة العميقة عروقها متجزرة تتمدد في الخفاء لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة، فكلما علت أصوات الثوار مطالبين بتحرير أجهزة الدولة وتصفية رواسب الفساد المالي والإداري تحرك الفاسدين لإثارة غبار سياسي وأمني كثيف يصرف أنظار السودانيين عنهم، وبعض الفاسدين قد هربوا "نهارا جهارا" من السودان دون تحرك أجهزة الدولة للقبض عليهم في حين أن "ديناصورات الفساد" لا تخفى وإن تم تبديل جلدها المتسخ بالفساد سواء بمكياج الإعلام او بالتستر الذي بات سمة ملازمة للعقلية الخائبة في البلاد، وهنا لا بد من مطالبة حكومات الدول التي فر إليها هؤلاء الفاسدين بالقبض عليهم فورا وتسليمهم لعدالة السودان ومصادرة جميع ممتلكاتهم وأموالهم في البنوك خارج السودان، وداخل البلاد هناك مجموعات فاسدة كثيرة ما زالت في أهم مواقع الإدارة وفي الأسواق المحلية تسيطر علي حياة المجتمع الريفي والمتمدن وتمثل خطرا يحدق بالشعب ويهدد بقاء دولة سودان الثورة وهي مولود جديد في عامه الأول لا يمكن أن يعيش في جو الفساد، وعدم القبض علي العناصر الإنقاذوية الغارقة في بحور الفساد ستكون عواقبه وخيمة علي السودان خاصة وأن هذه العناصر تمول العنف والتطرف والمليشيات في الجامعات والشوارع وتغذي وريد حزب المؤتمر الوطني الذي دخل في غيبوبة كبرى بسبب فساده وإستبداده طوال ثلاثين عام مضت، ومن أهم مهام الحكومة الإنتقالية تصفية الفساد ومحاسبة كل المفسدين وتهيئة البلاد لمرحلة جديدة يتم فيها إنشاء مؤسسات دولة نزيهة يسودها حكم القانون، ولكن الحكومة الحالية بها جوانب ضعف يجب تداركها بشكل عاجل وسريع لقطع الطريق أمام الإنقاذيين المفسدين كيما نضمن تعافي البلاد وتقدمها في كل مجالات النهضة الوطنية المنشودة.

3. ضرورة إصلاح الإقتصاد وتقوية نظام الحكم المدني الديمقراطي:
يعتبر الإقتصاد من أهم المرتكزات الأساسية لبقاء الدول وإصلاح إقتصاد السودان يحتاج لسياسات جديدة تعيد ترميم كافة مشاريع الإنتاج الزراعي والصناعي في المدن والأرياف بغية العبور بالبلاد من خط الفقر والمجاعة والموت بسبب الجوع والعطش رغم تنوع وتعدد الثروات، ويعتبر البرنامج الإقتصادي الإسعافي المعلن لإدراة الفترة الإنتقالية معالجة مرحلية جيدة يجب أن يتبعها تخطيط لقيام مؤتمر إقتصادي سوداني تشارك فيه دول العالم والخبراء الإقتصاديين لوضع تصورات إستراتيجية تنهض بالسودان وتضعه في مصافي الدول العظمى، فبلادنا تمتلك مقومات إقتصادية ضخمة تؤهلها للمنافسة ضمن الدول الكبرى، ولكن الموارد كانت فيما مضى تستغل لصالح المركز وتضخيم الرأسمالية الإسلاموعسكرية ومحاربة الشعب السوداني ودعم الجماعات الجهادية الإرهابية داخل وخارج دولة السودان، وأيضا كان الحظر الإقتصادي الذي ضرب علي البلاد طبقا للأسباب سالفة الذكر له دور كبير في إنهيار الإقتصاد السوداني، ولذلك نحن اليوم بحاجة لإعادة نظر بشكل دقيقة جدا في الخطة الإقتصادية وترتيب علاقات السودان الدولية وفقا لما يحقق للبلد مصالح مشتركة مع الدول الصديقة، وتقوية الحكم المدني الديمقراطي له إنعكاسات جوهرية علي قضية النهضة الإقتصادية، لأن الإقتصاد لا ينمو إلا في ظل وجود أجهزة دولة فعالة تضع خطط علمية متطورة تحقق النهضة الإقتصادية المنشودة.

4. ضرورة تهيئة المناخ الوطني لقيام المؤتمر القومي الدستوري: المؤتمر القومي الدستوري تحدي في المرحلة المقبلة سيما وبشائر السلام الشامل آتية بين الفينة والآخرى من مدينة جوبا عاصمة جمهوربة جنوب السودان، فالمؤتمر الدستوري القومي هو الذي سيكمل البناء وسيخرج السودان من الجدليات الدستورية المستمرة منذ ميلاد الدولة السودانية الحديثة بعد الإستعمار الإنجليزي حيث فشلت أكثر من (8) دساتير بسبب الإنقلابات العسكرية وتلاعب الأنظمة السياسية بالدستور وتحويله لآلية تخدم مصالح السلطة الحاكمة فقط لا وثيقة وعهد لتنظيم علاقة الجماهير بالسلطة السياسية وضمان الحقوق والحريات العامة والخاصة للمجتمع، والذهاب للمؤتمر القومي الدستوري سيضع حلول نهائية لقضايا الحقوق السياسية والمدنية بما فيها الحريات والهويات والسلام الشامل وتفاصيل الحكم المدني الديمقراطي والحكم الذاتي والوحدة علي أسس الإعتراف بالتنوع التاريخي والمعاصر في دولة مواطنة بلا فرز ولا تمييز، وقد صدرت قرارات واضحة من قبل مجلس السلم والأمن الافريقي ومجلس الأمن الدولي بشأن قيام المؤتمر القومي الدستوري في السودان من أجل وضع المعالجات المطلوبة لكل المشكلات القائمة، وهذه القرارات يجب تضمينها في كل الإتفاقيات الوطنية لأنها واجبة التنفيذ من أجل الوصول لدستور دائم يحكم البلاد ويحقق العدالة الإجتماعية ويصون وحدة السودان.

5. محاكمة أتباع النظام الإسلاموعسكري والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية: محاكمة أتباع النظام الإنقاذي المباد تمثل واجب المرحلة وتلبية لمطالب الشعب وإنصاف مستحق لملايين المتضريين من أسر الشهداء وضحايا التطهير العرقي الممنهج والتهجير القسري والتعذيب المعيق والمميت والتشريد والفساد المالي والإداري وغيرها من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم مهما كانت الدوافع، ونجد أن هنالك مطالبة من عدة جهات محلية ودولية لتسليم عناصر النظام الإسلاموعسكري لعدالة المحكمة الجنائية الدولية، وهذه دعوة شعبية ورسمية لا بد من الإستجابة لها رغم المحاججة المعروفة بعدم توقيع السودان علي ميثاق "روما" الذي أنشئ المحكمة الجنائية الدولية، فلا ضير في التوقيع، بل ثمن تسليم المجرميين أقل من ثمن الإحتفاظ بهم، والجرائم الدولية لا تسقط أبدا، كما أن أهل السودان يستحقون الإنصاف فيما أصابهم، وحماية المجرميين الهاربيين من العدالة جرم سواء كان ذلك بقصد او بدون قصد، وضرر ذلك التصرف كبير، فقد أخبرنا الحكومة الإنتقالية وهي مخيرة.

6. ضرورة التصالح الشعبي وبناء مجتمع إنساني تعاوني: إن التركيبة الإجتماعية السودانية قد تعرضت لصدمات وتشققات كبيرة أثرت بشكل مباشر في بنية الدولة، فمن تماسك المكوناتها الشعبية يأتي إتحاد الدولة، وشهد السودان خصومات وحروب بين القبائل وحروب الدولة ضد المناطق المهمشة تحت زرائع فارغة لا تخدم إلا تجار الحرب الإنتفاعيين، وفي ظل السودان المدني الديمقراطي الجديد لا بد من إشاعة ثقافة السلام والعيش المشترك وتقبل الآخر غض النظر عن اللون والدين والجهة، علينا أن نطوع التنوع لصالح تحقيق السلام والتعايش السلمي وصولا لبناء مجتمع إنساني تعاوني، والوصول لذلك يكون باجراء حوارات مباشرة مع المجتمعات في الريف والمدينة وتنشيط حركة التنوير من قبل كافة المثقفيين السودانيين والعامليين في التنظيمات السياسية والمنظمات المدنية ومراكز الإشعاع الفكري والتنادي لتنظيم مؤتمرات التصالح والسلام والتعايش السلمي في كل أقاليم السودان خاصة المتأثرة بالحروب في العهد الإنقاذوي البائد، وإنجاز هذه المهمة الصعبة سيجنب السودان من التفكك الإجتماعي الذي صاحب حكم الإنقاذيين بسبب خطب العنصرة والكراهية وإستخدام الدين لتبرير وقوننة القتل ما أنتج تشوهات في النسيج الشعبي، وشعبنا قد ثار وتجاوز أصعب وأخطر منعطف مر به في التاريخ المعاصر، وكان ترابط أبناء شعبنا العظيم بساحة القيادة العامة "مضرب مثل" لرصانة وترسخ القيم الأخلاقية وأدبيات الثورة في السودان الكبير، ومن الضروري الإهتمام بهذا الجانب وتعزيز وشائج التواصل داخل المجتمع السوداني لخلق توليفة من التعاون الشعبي الذي ينبع أساسا من ذاكرة وطنية متجددة ولا تقبل المسح بسياسات وخطب التفرقة العنصرية لأنها ذاكرة تاريخ مشترك مشحونة بالسلام والتسامح والمحبة.