عن الجنس أتحدث- حب عربيّ 8-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6323 - 2019 / 8 / 17 - 10:21
المحور: الادب والفن     

الإطار الإنساني للجنس: الأخلاق:


يشتعل الفضاء الافتراضي العالمي بشكل عام و العربي بشكل خاص بأخبار الجنس، حكاياه و فضائحه…
فنسمع عن فيديو إباحي لهذا الذي تزوج سراً عشرات المرات، و تلك التي مارست الجنس من أجل طرد الشيطان..
نسمع عن التحرش في أكثر البلدان (تديّناً).. عن زواج الطفلات.. عن الإباحية.. عن تحويل الجنس لقضية!

هذا طبيعي جداً إذا ما عقلنا أن الجنس هو حاجة لا وعي أساسية لبقاء العنصر البشري، و لشعور الألفة و إكمال النقص الجسدي الطبيعي…
و هو حاجة منطقية للتخلص من الشحن السلبي الحياتي اليومي.. عن طريق منح العقل دقائق صفاء كامل فيما يسمى النشوة، فتعاد قدرته على التعبئة مجدداً بمشاكل الواقع اليومي، و تتجدد قدرته على حلها أو على الأقل التعامل بمنطقية معها.

الغير طبيعي أن تتمحور حياة الإنسان حول هذا الموضوع ليصبح عقله مكرساً لذاك.. فيحصل التبلد الذهني المعمم لا الصفاء المجدد للقدرات…
الغير طبيعي أن يتحول الجنس إلى غاية دنيوية و غاية في الآخرة أيضاً بدلاً عن كونه وسيلة للبقاء و لتجدد الخلايا البشرية كما العنصر البشري.


الهوس حول الجنس و أحواله لا يقتصر على الحيوانيّة و التسيير بالغرائز، بل يفيض ليشمل الإباحية و قص الأطر التي اخترعها البشر منذ القديم لتحويل الجنس من الغابات إلى حياة التحضر و العقل…

كما تحولت حاجة الطعام و ارتقت لتشمل ماذا نأكل؟ طريقة الأكل؟ التفكير في الغير؟ العزائم؟ استخدام الملعقة؟ طهي الطعام.. عدم أكل الخشب أو لحم بعض الحيوانات.. ذائقة الطعام..
تحولت كذلك الحاجة الجنسيّة من المشاعية، الحيونة، التفكير بالغريزة فقط و ما يترتب عليه من أفعال لا مدروسة قد تودي بصحة صاحبها، سمعته، و تتركه مع أذية نفسيّة لا يسهل التخلص منها…
إلى حاجة تلّم عن طريق الحب، و تحترم عن طريق الإعلان.. إن نتج عنها أطفال كانوا أولاد الحب لا الانفعاليّة.. و إن نتج عنها صفاء ذهني كان دافعاً و وسيلة لأهداف أكبر و أسمى في الحياة.
**************


-علمياً لماذا يحتاج الإنسان الجنس؟
-الإنجاب و البقاء..
- لماذا أيضاً؟

الإجابة على هذا السؤال تشبه الإجابة على سؤال مشابه:
-لماذا نتفنن في الطبخ: بضع لقيمات تبقينا على قيد الحياة.. لماذا نأكل بفنّ و نضيّع وقتنا في تحضير طبق ورق عنب مثلاً؟

نحن يا أخوتي في فضاء الدوبامين.. أحد أهم ملوك النفس و أسياد الدماغ!

الدوبامين من النواقل العصبيّة الأساسيّة في الدماغ، من السائد كونه من النواقل التي تضمن الإحساس بالسعادة، و القدرة على الابتكار و عدم الاستسلام: هذا الجانب المضيء من القصة..
من جانب آخر: يزداد الدوبامين(أو فعاليته) في حالات النشوة و البهجة.. من أبسطها كأكلك لوجبة شهية.. لأعقدها كإنجازك المبدع لمشروع ما…
كما يزداد بشكل طبيعي مع النشوة الجنسيّة و يتسبب مع غيره من النواقل العصبيّة في حالة الاسترخاء النفسي بعد الجنس.

يحتاج الدماغ الدوبامين ليستمر بعد الفشل.. كما يحتاجه ليحقق غايات ساميّة ونبيلة… لذلك نستطيع أن نفهم كأطباء نفسيين حاجة الإنسان للجنس للبقاء و للنجاح.

في الجانب المعتم من القصة:
يتضاعف الدوبامين بسرعة و بكميات كبيرة خطيرة النتائج في حالات مرضية كالفصام، فيتحول المريض إلى سجينٍ لتوهمات مرضيّة غير قابلة للزعزعة و مؤثرة سلباً على حياته ومن حوله..
كما يزداد الدوبامين في مرض ثنائي القطب بطيفه الواسع، ويسبب التوهمات في نوبات الهوس، كما يسبب الهوس الجنسي كعرض في حالات ثنائي القطب، و تشتكي كثيرات من أزواجهن (الخونة)أو في أحسن الحالات المهووسين بالجنس -مثلاً-.
يزداد الدوبامين أيضاً في حالات شرب المخدرات لذلك مثلاً تدفع المخدرات مستخدمها إلى أفعال خارج إطار العقل عند تعاطيها، الدوبامين أحد أسباب احتياج الشخص للمخدر ودخوله حلقة الإدمان غير القابلة للكسر دون مساعدة الطب النفسي.

*****************


نفسي أو جرمي:

لا تكتفي الأمراض النفسية بقدرتها على التأثير في قدرة الشخص على العمل، تكوين العلاقات الشخصيّة، الاستمرار في زواج ما، النجاح بعد فشل ما.. فرط الأكل أو قلته.. قلة النوم أو كثرته.. بل تمتد لتؤثر مئة في المئة على الحياة الجنسيّة فتحولها من الطبيعية إلى المُمرِضَة.

نشاهد على الفضاء الافتراضي من يتباهى بتجاربه الجنسيّة التي لم تخرج عن كونها انفعالات غير مسيطر عليها بسبب اضطراب شخصية ما( كما في اضطراب الشخصية النرجسي أو الحدي مثلاً)، أو نوبة هوس لم تجد سبيلها للتشخيص و لا العلاج في مجتمع الوصمة ضد الأمراض النفسية…

نشاهد أيضاً من ينفر من الجنس كما لو أنه وباء.. لسبب قلق ناتج عن ثقافة الكبت، رض نفسي يسيطر على اللاوعي، اكتئاب لا يرضى صاحبه أن يعترف به…

في جميع الحالات و باختصار: مهما كان شكل نوع الاضطراب الجنسي يحتاج صاحبه لرأي الطب الباطني و الطب النفسي.

ببساطة لا تخرج الاضطرابات الجنسيّة من الإطار الطبي(الباطني و النفسي) إلا إلى السياق الجرمي للأفعال المنافية للأخلاق و العقل.. كما في حالات الاغتصاب..المفهوم الشائع لملكات الأيمان.. و في حالات أخرى مقبولة-للأسف- في مجتمعات كثيرة كأن ترى عجوزاً يتزوج من طفلة في الثانية عشرة و ما يندى له الجبين من عمليات ختان الإناث…
***************



الكبت شيء و التديّن شيء آخر:
إنّ قدرتك على السيطرة على رغباتك و تحويلها من غايات إلى وسائل تضمن حياة أفضل لك و لمجتمعك، هذه القدرة و هذا الثبات هو الحاكم الأول لنضجك و حكمتك…

الكبت ليس أخلاقاً، و لا يضمن الأخلاق بل يضمن تحويل الحاجات إلى وحوش تسيطر على اللاوعي، و تحكمه فيندر إبداعه و تكثر ترهاته.. الكبت يفجر عقلية إنسان الكهف الذي تحكمه الغريزة في زمن شح الطعام و مشاعية الجنس…

هكذا يكثر التحرش و الاغتصاب في مجتمعات تدّعي التديّن.. لماذا مرة أخرى؟
لأن التديّن -بمفهومه السائد- لا ينصر الأخلاق بل الموروث، و لا يشجع على إعمال العقل و التفكير بل على الكبت.

كذلك الإباحيّة ليست تحرراً و لا حلالاً، بل قبولك بكونك-في أحسن الأحوال- شخص يعيش أهواءه و يناضل من أجل غرائز لا قضايا.

العلاقة الجنسيّة الطبيعية هي علاقة لاتسبب ذكرياتها العار، يقبلها العقل، و تحكمها الأخلاق.

من الواجب على ناشطات تحرر المرأة في بلدان العالم الثالث التفكير بمنع ختان الإناث في مجتمعاتهن، بدلاً من إعطاء قليلي العقل الذريعة لممارسة هكذا فعل فاضح بتغطية من الموروث و التقاليد.. التحرر يبدأ من تحريركِ لنساء و طفلات بلا صوت.
لا فعل فاضح فوق ختان النساء و بيعهن في أسواق الدعارة حرفياً أو المتنكرة بزي ديني كما في ملكات لأيمان و زواج الطفلات..

كذلك من الواجب الديني و الأخلاقي على الرجال ذوي العقول في بلداننا الأبيّة التفكير في الحض على إعمال العقل، لا التشجيع على إتباع الموروث أو في أحسن الأحوال غض البصر عن تقاليد و عادات تعصر القلب و تعلن إفلاس العرب ثقافياً.. أنت رجل فقير لأن رأيك كما عقلك يرزح تحت خط الفقر.. المالُ و إن ضمن الغنى لا يضمن تصيّرك غنيَّ النفسِ و لا رَجُلَ قرار…

و للحديث بقية…