حورية الماء اليمنيّة -أسباب طلاقي 4-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7863 - 2024 / 1 / 21 - 00:47
المحور: الادب والفن     

اليمن ذلك البلد الجميل البسيط الواقع بين بحر الدم وبحر من تركوهم.. يندب أطفالاً في عمر الورود تحولوا إلى حملة سلاح في حرب طوائف أخرى، عاهة أخرى في جبين هذه الأمة.

اليمن الذي سكنته وقلبي مع أنني غادرته منذ أجيال..
رحلت عنه حاملة شهادة تخرجي، زوج تقليدي، طفلين مع قلة حيلتي..
ماذا يعني أن تترك مهندسة زراعية الجمل بما حمل، في بلاد ترك شبابها تربتها الخصبة مع ما تركوا بسبب المحسوبيات، الواسطات والظلم؟

اليمن الذي لعنته المجازر الوحشية، فمضى منكسراً ينتظر منّا نهضة سلام وإسلام حق، ينادي بالحب، بالمعروف والطمأنينة…
اليمن الذي ما برح يخبرنا بالنبوءة: لن تقوم لبلداننا قائمة ما لم نفصل الدين عن الدولة، نعرف الله قلباً وحباً.. ونتبع الإعجاز العلمي دنيا ودين.. يعيش في أحلامي قبل كوابيسي منذ غادرت.. فأعيش الرض النفسيّ للغربة، مع كل كرب هنا.. مع كل لفة عنصرية ساهمنا كمسلمين بصناعتها، عندما أهملنا السلام في ديننا، كفّرنا المختلف، ونسينا دعم العقل.
**********


وفي فرنسا، للقهوة طعم آخر، لا تشبه البنّ اليمني المصان بدموع الأمهات، شربتها في مكاني الجديد ككاتبة ومدافعة عن حقوق الإنسان.
كان حديثهم في ذلك الصباح عن مجزرة دار الأم تيريزا في عدن و التي استهدف فيها المتأسلمون داراً للعجزة والمسنين وشوهوا وجه الرسول مرة أخرى بظلم آخر…

قالوا:
-هي ليست أول مرة يستهدف فيها “ المسلمون” مؤسسة مسيحية.
ورددت بغصة:
-بالله عليكم لا تقولوا مسلمين، نحن أول ضحاياهم، هم يتشدقون بالإسلام ويأخذون من الدين ما يكفل انتشارهم السياسي…
-هل تعنين يا مروة أن تجنيد الأطفال الذي يحدث اليوم في اليمن ليس من الإسلام في شيء…
-طبعاً لا.. ليس من الإسلام في شيء.
-لكننا لانرى المسلمين يستكرون هذه الجرائم لا في الافتراض ولا في الواقع كما يستكرون ما تفعله اسرائيل؟ كيف سنصدق أنهم ضد ما يحدث؟
-هل تقارنوا ما تفعله اسرائيل، بالحرب الأهلية اليمنية؟
-لا مجال للمقارنة حضرة المهندسة،وجهة النظر السائدة في الغرب أن اسرائيل تدافع عن بقاء، الحروب الأهلية العربية تبيع الأرض في صراع طوائف أزليّ.
-المصيبة أنني وأمثالي و بسبب الحكومات التي دعمتوها بلا صوت في زمن تجارة السلاح والأطفال، لكن اقرأ كتابي الجديد، سيخبرك القصة الكاملة، وهي من الطول بأن لا تحكيها في قصة أو اثنتين.

كان زوجي يستمع في ذلك الحديث، ولا أخبركم كيف انتفض في وجهي كغول غاضب:
-أنت حرمة، لماذا تتدخلين في أحاديث الرجال؟
-لماذا أحاديث رجال، هي أحاديث حق.
-أنا أرد، ليس أنت بردودك المستفزة.
-رأيتكَ صامتاً.. لا ألومهم إعلامهم قوي وإعلامنا إعلام هز مؤخرات وتمسيح جوخ…
-لا تلومينهم أيضاً، قلت لك اجتماعات حقوق الإنسان هنا لا تشبهنا، فلماذا تستمرين فيها؟
-لا تذهب معي، أنا بالغة راشدة و من حقي تقرير أمكنتي.. عندما أخذت البيت والمساعدات كانت جمعيات حقوق إنسان، بعدها صارت لا تشبهنا؟
-يا سلام يأتي على الرجال زمن يعلنون الطاعة للحريم…

وتوالت المواقف التي أحسست فيها برسالتي في الكتابة وفي هذه الحياة تذوي رويداً رويداً مع من يريد صوتي قرباناً لاستمرار حياتي معه، أنا التي ما كنت حورية الماء يوماً.

في ليلة لا تشبه ما قبلها ولا ما بعدها، ضربني، وكانت بداية النهاية. تكررت الإهانات، ومحاولات قص جناحيّ، فصار الطلاق حلاً.
**********

أشبهتُ اليمن الجميل لسنوات، لكن بعد طلاقي، نهضتُ وأنهضت روح السلام في طفليّ..
شهد ضميري على نهاية حياة زوجية مهانة ليس فيها من الإسلام في شيء.. وصرت الكاتبة المدافعة عن حقوق الإنسان التي أردتها.
أكتب كل يوم، عن الجميع، لا يهمني من يزعل ومن يرضى، بل أقف بين يديّ الله في صلاتي لأقول: اللهم إنيّ بلّغتُ، اللهم اشهد.
وأدعو الله من يمّ قلبي كل صباح:
يارب ارزقني على قدر نيتي.
يارب بارك في العلاقات التي فيها خير لي، أبعدني باختيارك يا الله عن كل ما تراه شراً ولا أراه.
يارب أحسنتَ إليّ فلم أنسَ المعروف يوماً، وما طعنت ظهراً استند عليّ، بل وأدرت الخد الأيسر بعد الأيمن، ثم انسحبتُ ولم أفشِ سراً ولا رددتُ إهانة.
يارب شكراً على ملاذ الكتابة، هذه الملَكة التي أضع فيها قصصاً متحورات من حيوات البشر، فيقوى بها من يعيها، وأكمل رسالتي على هذه الأرض:
أن استمري، لن ترضي الجميع ولا الغالبية، لكن أنقياء القلوب، الصادقين، الطيبين لهم فيما تكتبين خبزاً، طبطبة وحلماً لا يموت..
ولي فيهم بوصلة و منارة.


يتبع…