شواهد الحبلاس - علي السوري الجزء الخامس 1-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7801 - 2023 / 11 / 20 - 22:17
المحور: الادب والفن     

هل تعلمون ماذا يعني أننا في قاموس العالم بكله -دون استثناء- أرقام؟
أرقام تستخدم في المزاودات أو الثأر..
-هناك خلل في تحديدنا للأولويات.. أول ما علينا فعله هو أن نتحرر من ثقافة الموت وكل من ينصرها.


كانت حبات الحبلاس ( حب الآس) تتدلى من تلك الشجرة الكبيرة، لا يعرف الجميع هذه الشجرة.. رائحتها جميلة جداً، وثمارها البنفسجية تذكر علي بالحبلاس الأصفر السوري..
في الجو غيوم بيضاء أتت من عند الله.. لا أحد يستطيع احتكار الغيوم.. قال في نفسه وهو يستمر في سماع هبة…


-الحكاية لم تبدأ منذ عشرات السنين، بل من مئات السنين.. من السبي البابلي ليهود المنطقة.. وتحويلهم إلى أرقام.. هل يذكركم هذا بشيء؟

-وهل تريدينا اليوم يا آنسة هبة أن نحمل راية المظلومين عنهم ونفني حياتنا في البحث عن وطن؟

-لا، لكني أريد أن أقول لك أن ما تراه حقاً مشروعاً تستند عليه بصدفة جنسيتك وقوميتك.. وموروثك الديني والحدود التي التقا والداك فيها.. يراه الطرف المقابل حقاً مشروعاً لذات الأسباب..

تعالت الأصوات المعارضة ل هبة، فيما صمت مؤيدوها خوفاً من التيار الجارف.. وعندما انتهت محاضرتها تلك، حاول ديار وعلي قدر الإمكان إخراجها من غير مشاحنات أخرى..

خرجوا من الباب الخلفي للمقهى، حيث كانت شجرة الحبلاس صامدة وجميلة…

-كوني أخرجتك لا يعني أنني أتفق معك يا هبة؟ مجنونة أنت؟ والآن ؟ في وسط كل هذا الألم تحكين الحكايا…
-ليست حكايا يا ديار، بل الجزء الآخر من الحقيقة.. النصف الذي لم تسمعه لأنك ولدت كعربي مسلم..
-أرجوك توقفي، هذا سخيف…

-ما قالت إلا الحق.. وأزيدك من الشعر بيت: لا وطن آخر لليهود، بينما تترامى البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، قال علي..

-عميل متواطئ… كنت أعرف أنك لم تكن عربياً ولا مسلماً يوماً…

-لا علاقة لك بعلاقتي مع ربي، أما عن صدفة كوني ولدت ضمن حدود ما، فهذة الصدفة لا يجب أن تحولني إلى ببغاء أردد من المزاودات ما يكفل استمرار وسمي بالولاء…

-يا سافل، ألم تر الأطفال يقتلون كالعصافير في بيوتهم وفي المستشفيات..

-بل رأيت، و قلبي تمزق، لكن الفرق بيني و بينك أنك تريد السباب وفي أحسن الأحوال النواح، بينما أنا أريد لهذا أن يتوقف.. أريد للأطفال الحياة!

- هي كانت سجينة سياسية وحاقدة؟ أما أنت فقدت والدك في حرب تشرين يا خائن…

-لأنني فقدت والدي، أعرف كيف نتحول إلى أرقام من قبل حكوماتنا وأنظمتنا قبل أي عدو آخر.. أريد لأطفال سوريا ألا يموتوا من الجوع.. ولأطفال العراق ألا يكونوا قرابين طوائف متناحرة.. أريد لأطفال الأردن ألا يتحولوا إلى أحلام هجرة.. ولأطفال لبنان أن لا يصيروا قطع شطرنج في معركة.. في بلاد الشام أعداء داخل.. تعصب، تطرف، محسوبيات، فساد، دكتاتوريات، وتمسح بقضية يحكون نصفها…

هجم ديار على علي، شده من ياقة قميصه:
-حقير، عميل ..

تدخلت هبة هنا، كصخرة عجوز وقفت في وجه ماء الإعصار ومنعته مؤقتاً من اقتلاع البيت، أخذت ديار وعبير وغادروا

استمر صوت ديار: حقير، عميل .. لفترة في المكان.. بينما قطف عليّ غصناً من شجرة الحبلاس ذات الأمتار الخمسة، وبدأ بتذوق مرورتها، يقال أن الحبلاس الدائم الخضرة يعالج الشلل..
لكن ما يعالج شلل التفكير؟ ما يعالج كوننا أرقام؟ ما قالته هبة؟ نتحرر من ثقافة الموت.. لكن كيف؟

مشى لوحده يبكي و يتذكر أبيه…
يوم آخر من أيام هذا الشرق البائس.. الشرق الذي باعنا، لكنه للأسف لم يقبض الثمن.

يتبع…