قالوا: على الخليلي (2)


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 6321 - 2019 / 8 / 15 - 20:11
المحور: الادب والفن     

*********************
توضيح

وقفات وليست مواقف، فالمواقف من ورائها غاية ما، والوقفات كلمات أو لحظات تَعِدُنا وتُعِدُّنا لنتخذ موقفًا، هدفي ليس هذا أو ذاك، هدفي توثيق بعض الكتابات عني في هذا المنبر، وفي هذه اللحظة الحاسمة من عمري الأدبي، وأنا أعيد زيارة الكتاب المقدس، وأتعرض لشتى ردود الفعل، وهي كذلك مناسبة لأرتاح.

*********************



وأيقنت أن "نبوءة" أفنان القاسم تتجاوز ذلك النبي الجبراني المستسلم لهدوء المنفى الأمريكي





ماذا يعني أن يختار أفنان القاسم من منفاه في باريس، وهو يملك فيه كل المجالات الواسعة للنشر الواسع في أرض الله الواسعة، مكانًا لسلسلة تراجيدياته خارج هذا المنفى، في "الداخل" الحميم، في الأرض المحتلة التي تضيق بالاحتلال، لتتسع حقًا في شريان العالم كله؟


كان الصديق أفنان القاسم قد اختار "الفجر الأدبي" قبل أكثر من سنة، لنشر مقاطع من روايته الجديدة التي أسس لها عنوان "تراجيديات" وأنشأ عليه، في لغة جميلة جدًا، إبداع رؤية مستقبلية، كادت أن تتصوف، وهي في عمقها، تغلي بالطوفان القادم الذي أصبح الآن راهنًا، وصار ما هو صائر في الشأن العظيم الذي يسمى في التاريخ السياسي المعاصر، قضية القضايا، ومسألة السلام في المنطقة. أما التسمية التي طافت الأرض قاطبة، وتستعد للوصول إلى كرسيها في الأمم المتحدة، فهي دولة فلسطين المستقلة.


هل كان يهجس أفنان القاسم بكل هذا "الإعجاز الثوراتي"، وهو يكتب من منفاه، إلى وطنه، ومن حلم وطنه، إلى كوابيس الغربة في باريس، وفي الأطلس العربي "الغالي العزيز" أيضًا، ما كتبه من ستة وثلاثين مقطعًا، التحمت به وبنا في التسمية الأخرى، للتسمية الأولى "تراجيديات"؟


كان يهجس، وكان يحلم، وكان يشقى، وكان يمرض، وكان يشفى، وكان يسير على قاموسه، ويطير في ناموسه، إلينا هكذا، حتى تنبلج الكلمة كالفعل، وينبلج الفعل كالكلمة، ويقوم الإنسان من خرابه، إلى الإنسان في حريته واستقلاله.


كدت أتذكر كتاب "النبي" لجبران خليل جبران، وأنا أتابع "الرجل العادل" في تراجيدياته الفلسطينية، ولكني نفضت هذه الذاكرة المسترخية، وأيقنت أن "نبوءة" أفنان القاسم تتجاوز ذلك النبي الجبراني المستسلم لهدوء المنفى الأمريكي وطيبته ووداعته ونقائه المزعوم، تجاوزًا أسطوريًا، هو في المسافة ما بين الشرق القديم الذي قام عليه جبران، والشرق الجديد الذي يدعك عضلة قلبه أفنان القاسم، بمحبة جبارة، وقسوة صاخبة.


سوف تستمر تراجيدياتك يا أفنان، مع ذلك. فالمسافة تتجدد، والطريق إلى الأسطورة الكاملة، صعب ومرير. أم أن غصن الزيتون الفلسطيني، قادر على صخرة سيزيف، وعلى كبد بروميثيوس، وعلى العبور من بوابة الوفاق الدولي، ليكون الحجر الذي أهمله البناؤون، هو حجر الأساس؟



القدس