درس الثورة والدولة


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6228 - 2019 / 5 / 13 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


كيف تعاملت ولا زالت الثورة السودانية مع الدولة هذه القضية الشائكة للغاية والخطيرة أيضا؟ يعلمنا التاريخ أن الثورة لا يجب أن ترث الدولة وجهازها بل عليها أن تحطمها وتبني جهازا بديلا بعقيدة جديدة وبسلطة جديدة. وكلما توهمت الثورة أنها يمكنها استعمال نفس الجهاز وعليها فقط تنقيته وتطهيره كلما سقطت في الفخ، وتنقلب عليها الآلة الكبيرة والجهنمية، وتعاد نفس البنية ونفس السلطة البائدة وتفشل الثورة؛ هذا ما حدث مؤخرا في مصر وفي تونس.

ما هو الوضع في السودان وكيف تحاول الثورة معالجة القضية الاخطر والأكبر التي يمكن ان تواجهها أية ثورة والتي على أساس حلها يتحدد مصير الثورة لاحقا؟

حددت الثورة السودانية منظورها العام لموضوع السلطة، وصاغت شعارا واضحا يقول بإسقاط النظام وتفكيكه وتصفيته. هذا من حيث شق التعامل مع السلطة الرجعية التي قامت الثورة ضدها؛ أما من حيث البديل وبناء السلطة الجديدة فهناك برنامج انتقالي مدخله تأسيس هذه السلطة يكون الشعب مصدرها وكتابة الدستور وانتخاب المؤسسات في غضون مرحلة انتقالية مدتها أربعة سنوات.

أما واقع الحال اليوم ومع بداية تفسخ النظام وسقوط أطرافه، فإن السلطة الاستراتيجية للدولة تتجمع في مكان واحد وهو المجلس العسكري المؤقت. هذا المجلس هو من يمثل السلطة السيادية وهو من يتفاوض مع الجميع وقد فرض نفسه في هذه المهمة. وتركيبة المجلس العسكري تغيرت بحيث انسحبت أسماء أو لعلها توارت الى الخلف وبقي بعض عتاة النظام الذين ارتكبوا جرائم في حق الشعب السوداني.

الصراع على أشده مع المجلس العسكري حول من يتحكم في مركز السلطة. فالمجلس يدعي كونه هو على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والقوى المسلحة التي تخوض الكفاح المسلح ضد نظام البشير في العديد من مناطق السودان. المجلس العسكري يريد تقزيم مركز وقوة قوى الحرية والتغيير واتهامها بأنها تسطو على تفويض لم تنله من الشعب. بينما قوى الحرية والتغيير تعتبر نفسها هي الجهة الحاسمة في المفاوضات مع المجلس العسكري وعليه الاسراع بتسليم كامل السلطة للشعب.
نحن اذا أمام حالة ملموسة من تفكيك الدولة القديمة ومحاولة إقامة سلطة بديلة وهذه إحدى العقبات التي غالبا ما تفشل فيها الثورات.كيف ستعالجها الثورة السودانية وما هي الخطوات العملية التي ستسلكها حتى لا تسقط في فخ الإبقاء على أنوية النظام البائد والتي سرعان ما تسترجع المبادرة لما تهدأ جذوة الثورة وينشغل الشعب بمتطلبات العيش وزحمة محاربة النقص والخصاص. ومن الواضح انه كلما حافظت مؤسسة الجيش على وحدتها كلما تمكنت القيادات الموالية للنظام من الاستيلاء على عصب السلطة. فتفكيك هذه المؤسسة وإعادة بنائها بعقيدة جديدة يشكل احدى ضمانات نجاح الثورة.