كيف يتنزّل القرآن على شعوب لا تفهم في الكنايّة؟-عليّ السوريّ- الجزء الثاني 10


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6094 - 2018 / 12 / 25 - 22:30
المحور: الادب والفن     

-في لمحات بسيطة من هذه الحياة يكمن السرّ كلّه:
في سرقة أحذية المصليّن.. في اغتصاب سائحات أجنبيات.. في قطع رأس امرأة تجرأت على إعمال العقل، في خسارة صديق لخلاف سياسي.. في الهجرة بحثاً عن وطن، في حاجتك لغريب و يخدمك.. في إحياء الذكريات.. في إعادة بعث القصص القديمة…
في الموت.. في الحب.. في القسوة.. في اللين.. في الإيمان.. في الإيمان…
في لمحات بسيطة ترى الوجه الكامل للحقيقة، و الحقيقة لا تريك وجهها الكامل إلّا إن هي لسعتك…

-تستخدمين الكنايّة؟

-نحن شعوب الكنايّة.. لا أعرف لما تحولنا إلى (النكايّة) و الغلّ.
*******

في زمن التكفير أصبح التفكيرُ محرّماً على العقل البشري، و توّسعت مجالات النصب باسم الله حتى ملأت مستقبل البسطاء بالإرهاب، فأصبح شبابنا مسكوناً بهاجس الجنس، وأمسى تطورنا حلماً خاضعاً لرقابة اللحى.

رُدّ العرب إلى أرذل العمر، فانتشر التحرش.. الاغتصاب.. حز الأعناق.. استحواذ ملكات اليمين.. و استشرت العلاقات المحرمة، المشبوهة.. الصفيقة و المبتذلة..
و واسم العصر هو الاستتار لا التقوى…

في ظلّ هذا كلّه و غيره، ظهر من يحرّم الكنايات على الكتّاب و أصحاب القلم!
و نسي ( المسلمون) أن كتابهم قائم على الكنايات، و أنه تنزّل على العرب لكون اللغة العربيّة تتحمل و تتجمّل بالكناية و الاستعارة.. هذا غيض من فيض انتشار الجهل، و هذا أيضاً مفسّرٌ عظيم لما حدث من تحليلات داعشية و تأويلات متأسلمة للقرآن الكريم.

إن أراد العرب النجاة، فعليهم اللجوء للعلماء الحقيقين.. منهم: هؤلاء الذين درسوا اللغة العربية و تعمقوا في فنّ الكناية و الاستعارة.. عندها فقط سيرجع الدين إلى ضمير و عقل شبابنا، بدلاً عن كونه موروثاً غير قابلٍ للجدل.

هذا ما كتبته عليا، قبل يومين من وصول رسالة أحلام إليها.

لم تقترب الصدف من أحلام كما اقتربت منها الأمور المدبّرة.. كانت أحلام سيدة من خطط، عمل و استعدَ، فلم يدخل في قاموسها الحظ عن طريق الخطأ و لا بمحض الصدفة.

عندما قررت أن تعمل درست اللغة العربيّة في عام، و تعلمت الجديد في فن التعليم.. ثم قابلت في كل المدارس الخاصة في المنطقة.
لم تجد عملاً، لأنّ ما يسميه الغرب علاقات و ما يسميه الشرق واسطة لم يكن موجوداً في حياتها.
بدأت بإعطاء الدروس الخاصة في اللغة العربيّة.. وعاشت حياة مملة إلى أن قررت التغيير، و التغيير عند المجديّن يستلزم أضعاف الجهد، فبدأت بتفسير القرآن.. في كل أسبوع تمسك آية و تفسرها بالاعتماد على أصول و قواعد اللغة العربيّة..بدأت بالآية القرآنية:
“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”.
و فسرتها كالتالي:
لا يحق لأحد أن يدعو إلى دخول الإسلام، بل يجب عليك بعلمك و أخلاقك أن تكون القدوة و المثل لأي شخص على هذه الأرض، هكذا تعطي الانطباع الصحيح عن دينك، و هكذا يريد الناس معرفة دينك أكثر.. أما من يحطوّن من قدرك و يهينوك فناقشهم باختلاف دون خلاف.. الحكمة سيدة معرفة الدين.

استمرت أحلام تفعل هذا، إلى أن هدر المتطرفون دمها.. و هاجمتها الحريم: أنت امرأة لا يحق لك الكلام في الدين.. و شهّر بها الذكور: غبيّة تريد الشهرة…

عندها بدأت أحلام مشوار البحث عن وطن بين سفارات الغرب، في عقلها كان النبيّ ابراهيم يقول لها: فعلوها بي.. ماأدراك ما يفعل الجهل و تكميم العقل..
في قلبها كان المسيح يقول: صلبوني و سامحتهم..
و في ضميرها كان الرسول محمد: شكراً يا أحلام لأنك تحميني من التشويه المكرر لصورتي و تحويلي إلى شخص آخر…

هاجرت أحلام، و دخلت أمريكا في 2014.. و كانت محظوظة، فالحياة في أمريكا تسمح بحريّة التعبير -إلى حدّ ما- .

عندما راسلت عليا للمرة لأولى كان الموضوع أكبر من مجرد تعريف بالنفس.. و عليا التي أغلقت باب قلبها من زمن و يأست من عودة العقول المغيّبة.. كان لأحلامها مع أحلام عمراً جديداً…
*************


هبة التي تدين ل نجمة بالكثير.. رأت أن من مصلحتهما السكن معاً.. هكذا انتشر الأمان في هواء الشقة، وتقلّصت الذكريات التعيسة..
هبة التي عادت للحياة.. رجعت لتضيء سماء عمّار بنقاشاتها..  و لتملأ المساءات البغداديّة بالطمأنينة…

- كان ذكيّاً جداً من اخترع التقويم.. البشر في طبعهم يملّون، في غالبهم ينسون، وفي معظهم يحتاجون بدايات وهميّة جديدة. 
       
- كما أنّ القلة القليلة تعرف أن البداية تحدث كل صباح، و مع كل ّ شروق شمس، كذلك قلّة تحفظ المعروف ولا تتنكر لمن ساعد و ساند، الندرة تتذكرك في محنتك وتحفظ أسرارك في غيبتك. 
 
- الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك.. انظر إلى البشر من حولك.. يلتموّن حول بعضهم في الأفراح، و عندما يدقّ الناقوس الحقيقي للحاجة يغيبون.. يخترع لاوعيهم أسباباً.. فتجد المساعدة الماديّة حلم، و المعنويّة منسيّة.
 
- أخالفك هنا.. تغيب غالبيّة الناس عندما تشعر بالضعف.. أو الاكتئاب.. أو في أحسن الأحوال الحزن و الشّدة.
 الإنسان الغائب إنسان يحتاجنا.. يحتاج الدعم و الطمأنينة، و ربما بسيط السؤال: هل تحتاجني؟ هذا السؤال هو "كل عام و أنت بخير" الجملة الحقيقة لا الزائفة المكررة. 
 
 
- هذا ما قصدته، الجملة الذهبيّة في العلاقات: 
 لا أريدك سعيداً فقط، بل أرحب بحزنك قبل فرحك.. بضعفك قبل قوتك.. بطلباتك قبل هداياك.. أنا أعرف أنك إنسان لا ملاك.. أنا لستُ ملاكاً أيضاً. أخبرني عندما تحتاجني. 
 
- بالعودة إلى العام الجديد، لا تلعنه، فالصباحات تختلف باختلاف الأحلام.
و أعايدك:
هل تحتاجني يا صديق؟

يتبع…