الشعبوية ‏


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6004 - 2018 / 9 / 25 - 17:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



تخاتل الشعبوية الشعب بالتظاهر بالاقتراب منه لكي تستعمله وسيلة لبلوغ غايتها ‏هي لا ‏غايته هو ، ونجدها في السياسة والثقافة وغيرهما ، إنها تقول للشعب أنا ‏خادمتك ، أنا ‏أنت وأنت أنا ، أما الآخرون فأعداؤك فلا تصغي اليهم ، أصغ الي أنا ‏، وهي كسولة ‏تريد تحقيق مبتغاها بالحيل وتعبر عن أزمة أصحابها الذين تقطعت بهم السبل فلم يجدوا ‏طريقهم السوي الى الشعب فاختاروا طريق مخاتلته ، وهى لا تعرف أن الشعب يعرف ‏بتجربته ما تجهله هى .‏
‏ الشعبوية منها يمينية ومنها يسارية ، وهى في الحالتين مخادعة ، مضللة ، متاجرة ‏بالعواطف والانفعالات ، التي منها دينية وقومية واجتماعية الخ ..، ولكنها ‏تنكشف مع ‏مرور الوقت وتغدو مضحكة، يتندر بها الشعب ، و في تونس انتشرت ‏الشعبوية مع ‏الفورة الانتخابية فرأينا العجب من إطفاء حريق غابة بقارورة ماء ‏وتنظيف شارع غارق ‏في أوحال فيضان بمكنسة‎ !!!‎
والمشكلة ليست فقط في القائد الشعبوي وإنما أيضا في تابعه .فالقائد يحيط نفسه بالتابعين ‏الذين يدينون له بالولاء ومهما كان صنيعه فإن تابعه يقبله عن طيب خاطر، ومهمته ‏تبريره والدفاع عنه وتكريسه لدى الآخرين أيضا ، إنها علاقة شبيهة بعلاقة الشيخ بمريده ‏حيث ينتفي العقل والنقد والتقويم ، وتحضر الطاعة والتقديس والتبجيل.‏
‏ يصنع التابع الشعبوي لقائده هالة أسطورية باستدعاء صور من ماض تليد ، وظيفتها ‏محو الصور الجديدة التي تدين القائد وتحرجه ، بل إنه يدفع الأمر الى أقصاه باستعارة ‏صورة قادة تاريخيين عظام وإسقاطها على قائده . وقد يصل الأمر حد استبدال القائد ‏الشعبوي الواقعي بقائد شعبوي متخيل فيرى التابع في قائده صورة قائد عابر للزمان، ‏كلي القدرة ، خارق للطبيعة . ‏
وتذكر كتب التراث كيف أله مريدون عليا ابن أبي طالب فأنبهم وحذرهم ونهرهم ولكنهم ‏أصروا على تأليهه فأمر بحفر خندق ووضعهم فيه ثم أشعل النيران ، لدى التابع ‏الشعبوي تنوب الصورة عن المادة والخيال عن الواقع وتتحول السياسة الى أوهام ‏وأساطير عاجزة عن تغيير الوقائع‎ .‎