تونس وطن الله على الأرض-علي السوري الجزء الثاني4-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5935 - 2018 / 7 / 16 - 23:17
المحور: الادب والفن     

إذا أردت نسيان حزن.. فشل.. خيبة.. أو حتى شخص..يجب أن تحوّله إلى فكرة!

في صباحية جميلة مع صديقتي السعوديّة الجميلة “ أمنيّة” و السودانية الساحرة “ نيل” .. ما أسعدني عندما أشاهد النساء عاقلات.. ذكيات.. مهذبات.. و حتى من دون أولاد كلهنّ أمهات: يلدن الطموح و الأمل…
-تبدل ربات المنازل اسفنجات التنظيف كل شهر، بينما ينسيَن تبديل اسفنجات الحب…
-ما تقصدين؟
-كل علاقة إن حكمها الحب تأتي مع إسفنجة تنظيف..
يعمل الحب كأسفنجة، تمتص أخطاء الشخص، صعوبات الحياة، الملل، المشاكل.. هذه الإسفنجة في حاجة للتجديد الدائم، و إلا بدأت المصائب.. ينتهي الحب تنتهي قدرتنا على التنازل و امتصاص المشاكل…
قراءة الكتب، استمرار التعلم، بناء صداقات جديدة و هوايات جديدة.. كلها تمنحك إسفنجة جديدة.. و حتى الشكليات السخيفة تهم :تغيير نمط الملابس-مع استمرار بساطتها- تغيير قصة الشعر.. و ما يناسب بفردانية صاحبه من تغييرات مادية أخرى…
العلاقات التي يحكمها الملل تنتهي انتهاء السيل، بينما تبقى علاقات الإسفنجة بقاء ينابيع المياه العذب…
***********


لم تكن الرسالة على باب هبة تهديداً، و لا كانت رسالة غرامية، كانت فاتورة حساب البقال مع ملاحظة: “لا نستقبل السافرات في الدكان بعد الآن”.
لم تدرِ هي أتبكي أم تضحك.. العراق في محرقة.. يقدم قرابين التجارة العالمية .. طرق الحرير و النفط بينما ينحصر عقل ذكر بين فخذيه!

في اليوم التالي كان لهذه القصة جزء من محاضرتها عن وجوب الثورة في العراق.. قالت هبة أن الحل المتطرف لن يجلب لأحفادنا سوى مزيداً من الويلات.. و دعت إلى اعتناق روح تونس في أرض الرافدين.. و وجهت سؤالها إلى نجمة : -ماذا فعلتم في تونس، حتى يصبح الشعب كله تحت علم واحد؟

بعد نهاية المحاضرة.. لحقها عدد من المتطرفين، سب قسم منهم عليها.. و قسم آخر قال لها أن الشيعة منها براء..

تنهدت نجمة.. بنت تونس الجميلة، نظرت إلى الذكر الواقف أمامها يرغي و يزبد من محاضرة هبة الأخيرة.. رأت لحيته غير المهذبة بإتفاق مع لسانه.. و شاهدت السّم في عينيه- الأفاعي تسكن العيون أيضاً- .. وقفت شامخة كالخضراء و قالت: 
 يقولون: “لا نستطيع أن نفعل شيئاً نحن في حالة حرب!”…
-أقلّها حولوا التربية الدينية في المدارس إلى مادة للأخلاق تعلّم أخلاق جميع الأنبياء و الرسل.. الأولياء.. الصالحين.. دعاة السلام.. المدافعين عن حقوق الإنسان..بدلاً أن تعلموا الأطفال من نعومة أظافرهم أفانين التحزب و تمتحنونهم في أكاذيب التاريخ!
 
حوّلوا الجوامع إلى بيوت أخلاق: بإيقاف بهرجتها، باختيار جيد لمن يتكلم فيها، بفتحها للنساء قبل الرجال.. بتعليم الأطفال الموسيقا، الغناء، الشعر.. الرسم فيها.. حوّلوها إلي بيوت حقيقية لله بدلاً عن كونها مداجن لتفريخ المتأسلمين …
 
-تتكلمين بجدية، تريدين أن يتحول إلى الجامع إلى ملهى..
 
-تحزنني ضحالتك، هل تعليم الأطفال هوايات إنسانية تساعد على صقل شخصياتهم و تبعدهم عن الانحراف نحو الإرهاب و غيره هو تصنيع ملهى.. لا يا عبقري لم و لن أقصد ذلك، إن الجيل الناشئ يحتاج إلى طفولة تستطيع هذه الجوامع المساهمة فيها بالمجان على اعتبار أن الأطفال أحباب الله، و باعتبار الله جميل و يحب الجمال.. نحن أرواح من الله على الأرض، علينا أن نحترمها.. 
 
هنا قاطعت هبة الحديث، نظرت إلى الشاب ذو اللحية مسموم العينين و قالت: 
- دعني أيقظك: لم يحدث أن فجّر رواد (ملهى) أنفسهم في باص مدرسة، لم يحدث أن نشروا خطباً تدعو لكراهية دين ما أو طائفة ما.. لم يجعلوا سمعة الدين رعب، و سمعة المسلمين ذعر.. أصنامكم الملتحية التي تنادي بحاضر على هامش التاريخ و بمستقبل لجنة للجنس هي أكبر ملهى عرفته البشرية.. الله ليس إرهابي و لا أتوقع أنه في أي حكاية أو أسطورة فجر الله نفسه في أبرياء…
***********

خرجت عبير من آخر تجمع ثقافي يطرح مشكلة السوريين في لبنان تبكي كالعادة.. لحقها ديار شاب لبناني جدته سوريّة، حاول الكلام، فأشارت له بأن يصمت.. قال لها:
- Better to have you enemy inside the tent pissing out, than outside the tent pissing in. “ ثم صمت..

مشت و مشى إلى جانبها في شوارع بيروت الجميلة.. بعد مسافة نصف ساعة و خبز و ملح صمت، قالت عبير:
-أصدقهم فقط بشرط واحد: يذهبوا إلى بلادهم و ينضموا إلى ما يسمونه ثورة حرية و كرامة.. هل من المعقول أن يفروا من شرف المقاومة؟
لم يتركوا عقلاً من شرهم.. تحوّلت البلاد إلى "أفغاصومال" ومازالوا يتحدثون بالأفضل و المستقبل!
الحمقى.. لاموا الأنظمة الاستبدادية على كمها للأفواه.. ثم شَّهروا بكل رأي مخالف لغطرستهم..لا يهمهم سوى تصفية حسابات قديمة و تغطية أحقاد تأكلهم.. بينما الوطن إلى دمار.

-هل تعتقدين أن أنظمة العرب بكلها ستسمح لصوت مخالف بأحقية الصدى، هذا ما يحدث عندما تقص الألسنة.. تنبت مجدداً..همجيةً بلا ترابط مع عقول أصحابها.. أنظمةٌ تعلم أن منقذها الوحيد هو داعش و من والاها لن تصبح خياراً..
يقول أحد الساسة الأمريكيين: “ أن تجعل عدوك في داخل خيمتك يتبول إلى الخارج، خير من وضعه في الخارج يتبول إلى الداخل.. Better to have you enemy inside the tent pissing out, than outside the tent pissing in. “
ابتسمت عبير : -هذه خلاصة ما يفعله محترفوا السياسة في أمريكا..
-ما كان ليحدث لو أن تكلم هؤلاء من داخل سوريا.. أقصد ما كان يحدث لو أن الحرامية و السراق لم يأكلوا حق الفقراء في حرية فكر.. وظيفة باختصاصهم.. أربعة جدران و قبر؟!

-أعرف أن ما تقوله منطق، لم يدهشني ما حدث في البلاد، غالبية الشباب بحثت عن الهجرة منذ زمن طويل.. أدهشني حقد المتثاقفين.. هل سمعتَ بالحقد الذي يبلع وطناً؟!
أعماهم الحقد ثم وقعوا بين نارين : نار اعترافهم بالخطأ و مواكبة نصف حقيقة.. و نار قطيع يتبع نصف حقيقتهم، فإن عارضوه داسهم.. و هرسهم بحقدهم!
غزواتهم تتوالى و نكباتنا تستمر...

-تذكرتُ أنكِ من معارضة النظام القديم.. و علمتُ أنك معارضة للنظام الجديد سواء أكان مستحدثاً..مبعوثاً أو مجدداً... لكني أبصم على كونك و القلة مع الوطن...

-لنا الله يا رفيق.. لنا الله...

يتبع...