ماخور


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5720 - 2017 / 12 / 7 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في روايتي "النقيض"

كانت أمي عاهرة، تتزوق كل ليلة، وتتعطر، وترتدي أجمل الثياب، فنقف على باب بيتها، أنا وإخوتي، لنستقبل زبائنها من الأوغاد والأشراف. كانوا يدخلون عليها واحدًا واحدًا، فيقبلون قدمها، ويخرجون. لم تكن الدنيا خرابًا كما هي عليه اليوم، وفي الماخور هذه هي حال أمي، ولم تكن أنت، أيها القارئ المقرن، خراب نفسك كما أنت عليه اليوم، وفي الماخور هذه هي حالك. كان من بين زبائنها حكام العالم الذين تركلهم أمي بقدمها، وكان من بين البين الرئيس كندي الذي كان يريد أكثر من قدمها، فرجها، بطنها، ثديها، ولم يكن يفلح. الرئيس ترامب اليوم نجح في تغيير الوضع، عندما نقل بيت البغاء الذي كان لأمي إلى القدس، وجعل منا، أنا وأخوتي، قوادين لنا حقنا في حياة عادية، وعندما لم يكتف بتقبيل قدم أمي، بل بقذف منيه على وجهها، وشتمها، وضربها، كما كان يفعل أبي، كلما كان يدخل عليها، ونحن نسمع صرخات نكاحها، ونطأطئ الرأس أذلاء صاغرين.

اليوم

السفارة الأمريكية هي بيت البغاء الذي لأمي، والقدس الشريف هي ماخور العالم، فأين الشرف وكل القذرين هم الأشراف والأوغاد، أولهم الحكام العرب الذين هم البرهان القاطع على الجوهرية الماخورية. ولمن لا يعرف ما هي الجوهرية، الجوهرية نظرية فلسفية تقر أن الجوهر يسبق الوجود، فالحكام العرب، جوهرهم السافل يسبق وجودهم السافل، ولولا جوهرهم السافل لما كان وجودهم السافل، لما كان الرئيس ترامب رئيسًا يتحكم في عجلة ثقوبهم، لما كان البصاق أغلى من قذفه على وجوههم، لما كانت البربرية كريمة قبلهم، وشحيحة بعدهم، جميلة قبلهم، وشنيعة بعدهم، رفيعة قبلهم، ووضيعة بعدهم، خلاقة، تواقة، قوادة أكثر منا أنا وإخوتي، ونحن نُدخلهم واحدًا واحدًا على أمنا في السفارة الأمريكية، ليس بعيدًا عن الحرم القدسي.

هذا يعني

أن الأمر مع بيغاليتهم انتهى بهم نهاية طبيعية، وأن كلامي لا يبالغ في وصفهم، ولا يبقى كلامي في حدود اللغة، فالبدائل السياسية والاقتصادية والثقافية تطرح نفسها بحدة أكثر من أي وقت مضى. وهذا يعني أننا اليوم نعيش لحظتين تنفي إحداهما الأخرى، وتؤشران في آن واحد إلى الزمن الجديد الذي ينبثق من مشروعي الوجودي.

قرار الرئيس الأمريكي

بمثابة قصف الرعد الذي سيقصم ظهره، فما أن يزول الدوي حتى يتواصل التحقيق الجاري لخلعه. الشيء نفسه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في قضايا الفساد التي تلاحقه كأي مجرم، فما أن يجرف الموج الرمل تحت أقدام البرابرة القدامى كالجدد حتى يلقى بهم في السجون، ويشخ التاريخ عليهم. كل ما يدور لتأجيل الاستحقاق، ومسألة القدس تبقى عالقة إلى الأبد، كعاصمة أبدية، أو، كعاصمة بيغالية، أقول عالقة إلى الأبد مسألة القدس، مسألة القدس تبقى مسألة الشعبين المقدسة، مسألة الشعب الفلسطيني أولاً وقبل كل شيء، مسألة زيتون البلاد على جبل الزيتون، وصحون الحمص والفول في شارع صلاح الدين، ومشاويري أنا وأبي في أزقتها القديمة يوم كان منفيًا فيها، مسألة القدس تبقى القرار الذي تتخذه هي، فهي على الأرض بيهودها وعربها اتخذت قرارها، لأنها عاصمة الدولتين، لو شاء البيت الأبيض أم أبى، والبيت الأبيض بقوس قزح سيشاء.