البنيوية والثورة الروسية


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5694 - 2017 / 11 / 10 - 15:10
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا     

كل ما يُكتب

عن ثورة أكتوبر الروسية ينتمي إلى علم الوراثة، وكأننا بالكُتَّاب يفحصون جيناتها ليفسروا ما وقع من أحداث، أو ليعيدوا ترتيبها، فهم لم يتخلصوا من نظرتهم إلى التاريخ نظرة من يؤكد هذه الحقيقة أو تلك، ومن ينفي تلك الحقيقة أو هذه، ولم يُخَلِّصوا التاريخ من السياسة التي تأخذ عندهم في هذا الحدث الهائل مكان الدين، لهذا نجدهم لا يملون من الحديث عن وقائع لم تعد لها أية غاية، ولم تعد لها أية دلالة.

المؤرخون

الذين يفهمون سطوري القليلة السابقة، سيتركون كل هذه المعلومات السطحية عن ثورة أكتوبر، بكلام آخر، سيتركون حركة التاريخ السطحية، ويذهبون بحثًا عما هو أعمق في اللاوعي الجماعي، لتكون لكتاباتهم مضامين ذات معنى، فما وراء الحدث هناك البنى التحتية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية، الإعلامية، النفسية...

هذا المنهج

في علم التاريخ ليس وليد اليوم، لكن إلى اليوم لم تُقطف بعد كل ثماره، فالصعوبات تزداد كثرة في عصرنا، عصر المعلوماتية، عصر اختلط فيه الحابل بالنابل، ولم يعد يُعرف الكاذب من الصادق، فهل التاريخ هو تاريخ وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي أم تاريخ المؤرخين؟ وتاريخ المؤرخين، هل هو التاريخ الرسمي، ومن يقل الرسمي يعنِ الكاذب، أم التاريخ بلا بهارات، التاريخ كما هو عليه، التاريخ بلا زيادة ولا نقصان؟

والحال هذه

يصبح البحث عن حركة التاريخ في اللاوعي الجماعي كالبحث في العتمة، وبما أن الحدث تركناه فوق لنغوص في البنى التحتية، يغدو التاريخ ساكنًا والمؤرخ عاجزًا. التاريخ وقد أصبح علم اجتماع الماضي –مجلة "آنال" مجلد 19 عدد 2 صفحات 374 و 375- لم يعد ما يهمه وما يفهمه سوى المتواصل منه والمستمر، فيتخلى بذلك عن توضيح غموض التحولات الفجائية، العوالم التي بصدد الموت، المجتمعات التي تتغير، الاضطرابات الثورية، هذه الاضطرابات التي كانت ثورة أكتوبر أقرب إليها من الانقلابات "كتهمة" تلصق بها، وإن كانت هذه الثورة، في كلتا الحالتين، حالة الاضطراب وحالة الانقلاب، عملاً جبارًا أطاح بنظام قانوني بائد، ليقيم نظامًا قانونيًا جديدًا. من هذه الناحية، ناحية إقامة نظام قانوني جديد، يصبح تاريخ ثورة أكتوبر تاريخ ثورات من كل نوع، ثورة صناعية، ثورة زراعية، ثورة ثقافية، ثورة شعورية، ثورة سلوكية، ثورة فكرية... ومن هذه الناحية، ناحية كونها ثورات يمكن تقييم ثورة أكتوبر، وإلا كان طرحها كثورة، كأحداث وقعت، كأحداث يعاد ترتيبها، يبقى سطحيًا.

ثورة أكتوبر كثورات

يضعنا هذا التصور في قلب احتمالات أحداث الثورة، عوارضها، ما يعتبره كلود ليفي-ستراوس "مجموعاتها البنيوية"، فيصبح التاريخ، بالتالي، حاصل تداخل الأبعاد البنيوية لمستويات هذه الأحداث المختلفة، وحِدَّتها، وزمنيتها. عند ذلك، يتجسد الحدث كبنية، من اللازم إعادة بنائها في ذاتها، وفي علاقاتها ببنى أخرى مختلفة.