شيوعيو الدين


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5679 - 2017 / 10 / 25 - 19:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تفاجأت

وأنا أدرس العقيدة الشيعية، من كونها عقيدة ديكارتية قبل ديكارت، أبي الفلسفة الحديثة، بمئات السنين، فهي، كما يرى ديكارت، لا تقبل ما هو حسن وما هو قبيح إلا عن طريق هذا وذاك من خلال العقل، فالقبيح قبيح في ذاته، والحسن حسن في ذاته، وهذا هو لديهم مبدأ العدل الإلهي. بكلام ديكارت، هم لا يقبلون شيئًا على أنه حق، ما لم يعرفوا بوضوح أنه كذلك، أي ما لم يميزوا بين حسنه وقبحه. لهذا، هم يجتنبون التسرع في الحكم أو التشبث بالأحكام المسبقة (هذا هو حال "قوس قزح" معهم). ولهذا كذلك، حسب ديكارت، هم لا يُدخلون في أحكامهم إلا ما يتمثل لعقلهم بوضوح وتميز يزول معهما كل شك.

تفاجأت مرة ثانية

وأنا أفحص مفهوم المهدي لدى الشيعة، من تماهيه ومفهوم غودو لدى بيكيت، أبي مسرح العبث، منذ مئات السنين، فهم يؤمنون بولاية الأكثر علمًا بالدين وبالحكم، حتى ظهور المهدي، الذي سيكون ولي الله على الأرض، فينقذ أهلها مما هم فيه من مآسٍ، ويكون، مثل غودو، أملهم في الحياة، الأمل في حياة خالية من كل معاناة، وهذا الأمل هو الذي يدفعهم إلى الخلق تارة، وإلى الصبر تارة، لأنهم، على عكس غودو، الذي لن يجيء، فيكون الأمل الخائب للغرب، والعبث من الانتظار، لأنهم، على عكس غودو، الذي لن يجيء، يؤمنون بمجيئه، ليعيشوا في غربة أقل من غربة الغربيين، الذين يعانون من الانتظار. أنا، بدوري، ركزت على هذه المعاناة، في روايتي "وصول غودو"، وكشفت عن المعاناة في الغرب بغودو أو بدونه، لأن المعاناة في الغرب سببها العلاقات الاجتماعية، وبالتالي، إن كانت هناك معاناة في إيران، فالعلاقات الاجتماعية من ورائها.

تفاجأت مرة ثالثة

وأنا أدرس المنهج الفكري الشيعي والفلسفي، من اتباعه المنهج السردي، منهجي في التحليل الناراتيفي، قبل هذا المنهج بمئات السنين، فعقل الشيعة الفلسفي الأكبر، صدر الدين الشيرازي، مبتكر مدرستهم الفكرية التي يدعونها "الحكمة المتعالية"، يجمع في الحكمة المتعالية بين مدرسة المشائين لابن سينا والفلسفة الإشراقية للسهروردي والمدرسة الصوفية لابن عربي، وينتهى صدر الدين الشيرازي إلى استنباط فكره من القرآن والبرهان والعرفان، استنباطي الفكري، وما أثبته من تنوع المصادر وتعددها، عند تحليلي السردي لسورة الفاتحة، من أجل فهم معاني الحياة، القرآن الكريم أحد مصادر "الملا صدرا"، والكافي للكليني، كذلك الاستبصار، وتهذيب الأحكام للطوسي، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق.

نحن وإيران إذن

عندما نكون على نفس الخط الفكري، كل واحد منا حسب طريقته، سنخلق وضعًا جديدًا مع منظمات المجتمع المدني، وسنصل بالإنساني في المنطقة إلى ما يريد بريجنسكي الوصول إليه بالطائفي والعرقي، خاصة بعد الفشل الذريع الذي مني به الأمريكان في مشروعهم الجيوسياسي، لأن فشلهم ينبع من عندهم، فمأزق الرأسمالية والديمقراطية يوجب إجراء تغييرات في النظام العالمي عمادها مشروعي الجيواستثماري. بهذا المشروع الجيواستثماري، نخلق الشروط الثقافية والاقتصادية للفدرالية بين كيانات ثقافية واقتصادية عربية يهودية تركية فارسية، لا كانتونات قومية تثير الرعب في مخيلة بريجنسكي، مخيلة تمثل الانحطاط الأخلاقي والانحطاط السياسي في أحسن صورهما، لا علاقة لها البتة، وهي ابنة الأكثر من أربعة عقود، بالتكنولوجيا شرطًا لزمننا، بل بإيديولوجيا الكاوبوي الرأسمالي العالمي. نعم، للفدرالية بين كياناتنا الثقافية والاقتصادية، نعم، للكونفدرالية مع أمريكا، فالكونفدرالية، كالكومونة في وصف ماركس لها، الشكل السياسي المرن إلى أعلى درجة.