عالم بلا قانون دولي


بدر الدين شنن
الحوار المتمدن - العدد: 5565 - 2017 / 6 / 28 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لو أن شخصاً آخر غير أردوغان ، ، وأقل منه ثقافة وخبرة سياسية ، ولم يرتكب ما ارتكبه أردوغان ، من جرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم جنائية دولية ، في البلدان العربية ، وخاصة ، في سوريا والعراق ، ولم يمس دولة مجاورة بأي ضرر ، قد جاء الآن ، ودس أنفه في أزمة الكيانات العربية القبائلية ، وبدأ يسمي الأمور بغير أسمائها ، مثل قوله .. أن النزاع القبلي الذي أدى إلى ممارسات عدوانية متوترة متبادلة ، بين القبائل البدوية في قطر والإمارات المتحدة ، والبحرين ، والمملكة السعودية ، هو مخالف للقانون الدولي . كان يمكن القول ، أن هذا الشخص قد جرفته صداقة ، أو مصلحة مادية ، مع أمير قطر " تميم بن حمد آل ثاني . أو لم يكتسب بعد تجربة سياسية دولية . ويمكن توصيف فعلته الغبية ، أنها شكل من أشكال التخبط .. والانحطاط السياسي .

فبماذا يمكن توصيف دفاع أردوغان عن أكثر الجناة الدوليين إجراماً ، من آل ثاني ، وآل مبارك ، وآل نهيان ـ وبني سعود ، وتابعهم ارتزاقاً "عبد الفتاح السيسي " . وإرساله قطعات عسكرية تركية لدعم أمير قطر ، في مواجهة انقلاب مفاجئ ، أو عدوان حدودي قبائلي من قبل الكيانات المجاورة ، وإعلانه الطائش ، أن قطر تحت الحصار .. وما تتعرض له قطر هو مخالف للقانون الدولي . وهو المعروف أنه مثقف جامعي ، وسياسي تركي عريق .. ورئيس دولة يطمح بشغف لدور دولي . وهو في الوقت عينه .. يوغل في دماء الكرد في تركيا وخارج تركيا ، وفي دماء السوريين والعراقيين . وليس لما يفعله من جرائم ولاسيما دعمه للإهاب الدولي في سوريا ، أية صلة بمقتضيات القانون الدولي ، وبمعايير القانون الدولي .

بمعنى أنه يحاول التمويه ، على أن تدخله في النزاع الخليجي ، ليس جرياً وراء الارتزاق ، واستغلالاً لتعزيز نفوذه في الخليج ضد إيران .. أو في التفاعلات الدولية الفوضوية الناشبة في الشرق الأوسط ،ما قد يفتح في المجال لتمرير إحياء امبراطوريته العثمانية ، وإنما حرصاً على احترام وتطبيق القانون الدولي .
وهو بذلك يستغبي نفسه قبل ان يستغبي الآخرين . إذ أنه وأمير قطر ، والملك السعودي ، وملك البحرين ن وحاكم الإمارات ، أكثر الناس في الإقليم انتهاكاً للقانون الدولي ، وأكثر إيغالاً في دماء شعوب بلدانهم وبلدان عربية عدة ، وذلك خدمة لمصالحهم البترولية والغازية ، وخدمة أسيادهم في مراكز الاحتكارات الدولية العابرة للقارات .. والبنتاغون .. والبيت الأبيض .. وحلف الناتو .. والاتحاد الدولي الأمريكي .. ومجلس التعاون الخليجي .
وليس مصادفة بلا أهداف دولية استراتيجية ، وجود قيادة الأسطول الحربي الأمريكي الخامس في البحرين ، " والقيادة العسكرية الأمريكية المركزية الوسطى في قطر .. وهي تعتبر من أهم القواعد العسكرية الأمريكية خارج الولايات المتحدة .
إن غيرة أردوغان المنافقة ، على القانون الدولي ، ليست مفاجئة . فهو يشتغل على المضمون ، للوصول لغاياته ، الخاصة والعامة ، وذلك حسب المناخ السياسي الدولي السائد ، وحسب موسم المساومات والآفاق الدولية المفتوحة . فلو أن الجهات الدولية المنوط بها مسؤولية فرض الاحترام للقانون الدولي والالتزام به ، حسب مقتضيات نصوصه ، لكان هناك مناخ سياسي دولي مغاير ولما كان هناك ، أمثال ، أردوغان ، وتميم ، ومحمد بن سلمان ، وحمد آل مبارك ، وآل نهيان ، ونتنياهو ، وترامب .. يتلاعبون بحقوق وسيادة الدول والشعوب .. سيما تلك الدول التي تملك الثروات الطبيعية .. والميزات الجغرافية السياسية .

لقد بدأ الالتزام بالقانون الدولي يتفكك ، وذلك منذ أن هيمنت الدول الرأسمالية الكبرى ، والاحتكارات العابرة للقارات على العالم . سيما احتكارات صناعة وتجارة الأسلحة ، واحتكارات الطاقة وتسويقها ، واحتكارات الرأسمال المالي المسيطرة على استثمارات البنية الاقتصادية العالمية . ومع تصاعد هذا التفكك ، ساد قانون الغاب .. قانون القوة . وانتهكت سيادة الدول . وخلال ربع قرن خضع القانون الدولي إلى مؤثرات حرفت معاني الالتزام . وغدا الالتزام بما تشاء الدول الكبرى هو مضمونه ، للتقية مما هو أسوأ .

أبرز المخالفات والخروقات للقانون الدولي ، هي حروب الخليج عامة . والعدوان بذرائع كاذبة على العراق ، وإنشاء تحالف دولي يضم 60 دولة بقيادة أميركا ، خارج الأمم المتحدة والقانون الدولي .. مانحاً نفسه سلطات العدوان أنى شاء ، وإسقاط الحكومات غير الراضي عنها ، وحص منح الشرعية الحكومي للدول بالقيادة الأمريكية . ففي هذا العالم قام هذا الاتحاد بهجمات جوية استهدف فيها الجيوش الوطنية بدلاً من داعش . منها الهجوم على موقع ثردة العسكري السوري في دير الزور .. ومطار الشعيرات في محيط تدمر .. ومواقع مدنية عدة في ميط الرقة .. وآخرها البارحة ا27/6 الجاي لذي أدى إلى مقتل 42 من المدنيين في بلدة الميادين التابعة للرقة . دون أي إعلام أو تنسيق بين الاتحاد والقوات الروسية والحكومة السورية .

واقع الحال يقول .. لم يعد هناك ما يسمى بالقانون الدولي ، وخاصة بالنسبة للدول الكبرى ، التي تمتلك قوة حلف الناتو ، وقوة الاتحاد الدولي الأمريكي ، وأموال وقوة الحكومات القبائلية في مجلس التعاون الخليجي .
وباتت تطبخ ، وتفبرك ذرائع الاعتداءات الجديدة ، وتعلن .. بوقاحة .. وشراسة .. ولؤم قيل تنفيذها. ويقال ، أن منظومة ترامب الإرهابية ، تحضر الآن ذريعة كيميائية ، لتسويغ عدوان جديد على سوريا .
إن استهتار ترامب ، وقبله رؤساء أميركيين آخرين مثل بوش الأب وبوش الابن ، ونتنياهو ، وأردوغان ، وكيانات الخليج العربية القبائلية المتعصبة المتناحرة .بالقانون الدولي ، لتأمين مصالحهم ومصالح الاحتكارات الدولية الجشعة ، بات يشكل خطراً جدياً على الأمن والاستقرار والسلام في العالم .

إن استخدام أردوغان للقانون الدولي على مقاس السفاح المجرم تميم بن حمد ، في أزمته مع السفاحين في القبائل الحاكمة في الخليج ، هو أكثر من مهزلة ، وأكثر من ابتزاز ، وأكثر من عملية تضخيم لقزامة أمارة قطر ، التي تحاول منذ سنوات ، أن تتجاوز بني سعود وآل نهيا، وهو انحدار في مفاهيم القوانين والعلاقات الدولية . ويعطي الدلالة ، على أن العالم ، وخاصة الوطن العربي ، مقبل على مزيد من الفوضى المدمرة
و لعل ما قاله الرئيس الأميركي السابق " باراك أوباما " من أن " النظام الدولي الذي أقيم بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتآكل " قد قارب الحقيقة .
ا الأمر الذي يستدعي من سوريا والعراق وبلدان عربية أخرى ، إعداد المقومات الوطنية والقومية ، لملاقاة عالم بلا قانون دولي .. عالم الجرائم الدولية الأمريكية والتركية والإسرائيلية ، والقبائلية الخليجية .. عالم مفتوح على العدوان .. والدماء .. والدمار .