تحويلات مقبلة في الحرب على سوريا


بدر الدين شنن
الحوار المتمدن - العدد: 5659 - 2017 / 10 / 4 - 13:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا يصح الحديث عن سوريا .. في هذا الوقت بالذات ... أو تناول شأن مصيري لها .. من خلال المتفرقات ذات الصلة ، بماضي بعض أجزائها .. فتضعف .. وإنما الحديث عنها ، يجب أن يكون ، كوحدة تاريخية كاملة .. لإ ثبات تشكل حقائق لا تمحى .. ولتقوى .
بمعنى أنه ، حين يكتب عن الشعب السوري ، الذي يتعرض لمجزرة عدوانية كونية ، تستباح فيها دماؤه ، وأرضه ، وعمرانه ، وتستغل فيها بلؤم وتطرف غبي التعددية التاريخية ، في بنيته المجتمعية ، ينبغي أن يكتب بالتوجه إلى هذا الشعب ، على أنه كتلة واحدة .. شعب واحد ، مع نبذ التما يزات ، والحساسيات إن وجدت .
وهذا التوحد ، في الصف ، والخطاب ، والحركة ، هو السلاح الأقوى في مواجهة المعتدين ، وفي الحفاظ على حق الحياة .. وطناً .. وشعباً . وأي تفرقة ونزاعات أقليات ، تعني انهياراً لأسوار مقاومتنا ، ودعماً لقوى العدو .
وعلى هذا ينبغي النظر بوضوح إلى سوريا بواقعية تاريخية .. تمتد لمئات السنين على الأقل .. ونظرة آنية لتلبية الاحتياجات الوطنية ، ووحدة الوطن .. نظرة بالمجمل توحد ولا تفرق .. تقوي ولا تضعف . ليتعزز وجودنا .. ولننتصر على المعتدين الآن .. وعلى أي معتد قادم آخر .

***********

بداية .. من حق الجغرافيا السورية التاريخية أن تتكلم . وإذ الجغرافيا تتكلم .. فهي قطعاً تضيء حقائق هي جغرافية وتاريخية في آن . وأهمها .. " أن مساحة سوريا قبل مئة عام ، هي غير ما هي عليه الآن .. لقد كانت سوريا تبلغ أربعة أضعاف مساحتها الحالية .. التي باتت مقتصرة بفعل اللصوصية الدولية .. على أقل من الربع .. المحدد مئة وثمانين كيلو متراً مربعاً " ..

ومن خلال هذه الإضاءة تتضح وتنفضح الكارثة المأساوية السورية في التاريخ المعاصر . والتي تجري فصولها الكارثية المأساوية الآن ، بصورة تتماثل مع الفصول السابقة ، عبر وقبل المئة عام الماضية . وتبدو وكأنها استكمالاً لإلغاء الوجود السوري . بدلالة ، أن كل الرحالة ، والبحاثون ، والمعنيون، منذ القدم ، بالاطلاع على حدود البلدان ، والمساحات المأهولة ، وبرسم خرائط جغرافيا الكيانات والدول ، كانوا يضعون ، أياً كانت السلطات الحاكمة ، يضعون ، الشام.. وبلاد الشام .. التي اكتسبت اسم " سوريا " أيضاً ، ضمن حدود منطقة سلبتها تركيا شمالاً ، تقدر مساحتها ( 250 ) ألف كيلو متر مربع ، ويقطنها ( 25 ) مليون سوري ، من أسول آشورية ، وأرمن ، وكرد ، وعرب ، وصابئة . في مدن عديدة أهمها ، أضنة ، مرسين ن مرعش ، عينتاب ، طرسوس ،ميلان ، وملا طية ، ومارد ين ، وديار بكر ، واسكدرون ، وأنطاكية .
وفي الفترة نفسها بين الحربين العالميتين ، استولى بني سعود على مناطق واسعة من الأراضي السورية ، الواقعة جنوب غرب سوريا ، تعرف " بادية الشام " . . وتقدر مساحتها ، من ( 200 - 250 ) ألف كيلو متر مربع . يضاف إلى ذلك ، انتزاع منطقة شمال شرق سوريا وضمها إلى العراق ، التي تشمل الموصل والأنبار ، ومساحتها تتجاوز ( 150 ) الف كيلو متر مربع ، وذلك بموجب اتفاقية " سايكس - بيكو " . وبموجب هذه الاتفاقية ، تم أيضاً انتزاع أراض سورية ، وإقامة كيانات ، الأردن ، ولبنان وفلسطين عليها ، تبلغ مساحتها نحو ( 140 ) ألف كيلو متر مربع .

****************

مضمون الكارثة المأساوية السورية ، تكمن في أن بلاد الشام " سوريا " بعد رحيل الممالك القديمة ، والغزاة والفاتحين ، بدلاً من توحدها في كيان واحد ، والاستفادة من ثروات وعطاءات هذا الكيان المادية والحضارية ، والاستفادة أيضاً من زخمه السكاني والجغرافي ، كمصدر قوة في مواجهة الغزاة والطامعين ، جرى تمزيقها بين الدول الكبرى ، وما تبقى منها حاملاً اسمها " سوريا " يجري في الأيام الراهنة ، العمل حثيثاً من قبل أقليات من أبنائها ، والكثير من أعدائها ، على تمزيقها وتبديد وجودها .
وتتصدر ذرائع هذا السلوك الشائن لدى أصحاب مشاريع التمزيق في الداخل ، وأبرزهم المنضمون إلى " قسد " ، بالعودة إلى زمن كياناتهم ، التي كانت قائمة فوق الأراضي السورية واندثرت بفعل العجز والحروب ، التي تعرضت لها من كيانات أقوى منها . لاسيما الاجتياحات ، والفتوحات القادمة من الشرق والغرب ، الطامعة باستعباد الشعوب ، واستباحة .. وإزالة كياناتها .

وقد ازدادت وحدة سورية أهمية مصيرية ، بعدما كشغت الحرب الأخيرة عليها ، على مدى ست سنوات ، أن حجمها كدولة صغيرة ، كان مجال استضعاف واستهداف لها . ودفعت ثمناً باهظاً لهذا الاستهداف . وتبين عملياً لو أن سوريا كانت أكبر .. وموحدة .. جزئياً أوكلياً .. لما استضعغها أمثال ، حمد ، ونتنياهو ، وأردوغان ن وسعود الفيصل ، وساركوزي . وكانت بالتالي اقتصادياً أقوى وأغنى .
كما ازدادت وحدة سوريا أهمية ، في هذا الزمن الذي يجري فيه بناء الاتحادات الاقتصادية والسياسية بين الدول والشعوب ، وبخاصة التي تجمعها وحدة الجغرافيا ، واللغة ، والثروات الطبيعية . أما الأقليات ، فإنها تتجه إلى الفشل ، وتسلك المسار الخاطئ . تؤكد على هذا الإلحاح الضرورة التاريخية لسمات العصر الرأسمالي اللصوصي ن الذي يعمل على استعباد الشعوب المستضعفة ، والممزقة كياناتها .

ولذلك فإن التعامل مع الحرب على سوريا ، ينبغي أن يأخذ الأبعاد الكارثية التاريخية والراهنة بالاعتبار الجدي . وخاصة بعد إنهاء مرحلة التمزيق والاستلاب ، وشجب التقاتل والتذابح باسم استعادة أزمنة كيانات اندثرت ، التي تقودها تنظيمات انفصالية عميلة للخارج وخاصة لأميركا . ولمشروعها الشرق أوسطي . ما يستدعي تجاوز أسلوب التعامل السياسي والدبلوماسي ، الذي جرى تداوله حتى الآن ، ليس لعجزه الموضوعي .. أو فشله المتعمد .. في إنقاذ سوريا وحسب ، وإنما لأنه لم يفتح ملفات وخرائط المساحات السورية الكبرى المسروقة . ما يفتح في المجال لحرب نوعية داخلية ، لتحقيق مكاسب انفصالية ودولية ، من خلال إجراء تحولات في آليات ، وممارسات ، وميادين العمليات في الحرب على سوريا . الأمر الذي يتطلب إعادة بناء وحدة الصف الوطني ، وتحمل مسؤوليات مفصلية في تاريخ الشعب السوري .

*****************

وقد بدأت هذه التحولات في الحرب ، بواسطة قوات سوريا الديمقراطية " قسد " التي تشكل قوات الحماية الكردية معظمها ، من خلال إعلانها المتكرر عن التحالف مع أميركا ، وهذه الأخيرة تعلن عن علاقتها ب " قسد " وعن تزويده بالسلاح ، والدعم العسكري بآلاف الجنود الأميركيين

ونتيجة لهذه التنظيم الانفصالي " قسد " الذي يضم ( 27 ) تنظيماً من مختلف الأقليات الانفصالية . ما سيترتب عليه أمور في غاية الأهمية من الأضرار لسوريا وشعبها :
1 - إطلاق حركة تقسيم سوريا بدأ مما يحتله " قسد " .
2 - وضع مناطق سورية واسعة تحت السيطرة الأميركية ، مثلما يكون الاحتلال .. باعتبار أميركا حليفة " لقسد " وقد أقامت أميركا فعلاً قواعد ومطارات عسكرية في شمال شرق سوريا بالتعاون مع " قسد " .
3 - تمدد نفوذ جهات دولية أخرى لها قوات مشاركة في " قسد " وغيره .
4- مع توسع وتصعيد عمليات " قسد " الانفصالية .. ستتوسع وتتصاعد حركة النزوح والتهجير للمواطنين في مناطق الاشتباكات .
5 -- تصبح كل الثروات الطبيعية ـ بترول . غاز . معادن ـ تحت تصرف الانفصاليين المحتلين وحلفائهم .

وفي سياق أخبار التحولات ، ورد في الإعلام خبر مفيد ، " أن قسد " يسيطر الآن على ( 43 ) ألف كيلو متر مربع .. أي ما يعادل ( % 23 ) من مساحة سوريا . ويسيطر على شركة كونيكو أهم شركة منتجة للغاز في العالم .


ومن طرف آخر .. لا يد من أن يكون هناك خير يفيد ، ينص على أن عدداً من الشرفاء السوريين .. يعملون على قدم وساق لا تخاذ إجراءات ، تحقق تحولات شعبية ووطنية لإنقاذ الوطن .. والحفاظ على وحدته ووجوده .. !! ؟ ..

.