قطار التغيير انطلق وهو يطوي المسافات


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5557 - 2017 / 6 / 20 - 14:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     


كانت مسيرة 11 يونيو بالرباط منعطفا تاريخيا مهما في الحياة السياسية بالمغرب وذلك لأسباب متعددة:
1- بعد صمود حراك الريف والذي تجاوز شهره السابع، بل وبعد مسيرة 18 ماي التي اعلنت التحول الجماهيري للحراك بالحسيمة وتمدده لجميع مناطق الريف، وكذلك تأكيدها على فشل سياسة الترهيب المخزني بالتطبيق على الارض لظهير العسكرة، ومواجهتها بالاستمرار في الاحتجاجات السلمية وخروج المرأة الريفية في المسيرات بشكل وازن. بعد هذا الصمود وبعد فشل كل محاولات النظام في احتواء الحراك لجأ الى الحل الذي يتقنه جيدا وهو الحل الامني عبر الاعتقالات والقمع والتنكيل بالمحتجين.
2- رغم التصعيد القمعي تجاه الحراك وقيادته اشتعلت حركات احتجاجية متضامنة مع الريف او حتى استجابة لضرورة اطلاق حراك خاص بالجهات او المناطق نظرا للأوضاع المأزومة والمحتقنة.
3- هكذا نضجت القناعة بضرورة الخروج وطنيا من اجل الاعلان الواضح بان ما يجري بالريف اصبح شأنا وطنيا وبان القوى الحية ببلادنا ترفض كل سياسات الدولة تجاه جماهير الريف.
كيف قرأت مختلف القوى مسيرة 11 يونيو وكيف تموقعت تجاه تبعاتها؟
حتى لا نتيه في التفاصيل يمكننا الوقوف على 3 اجوبة وهي:

جواب النظام المخزنيعلى غير عادته لم يعلن منعه للمسيرة ولم يجيش قواه في طرقات وساحات الرباط، كل ما قام به هو عرقلة الوصول الى مدينة الرباط بمنع الحافلات الوافدة من طنجة او وجدة او… وكذلك باختلاق بلبلة في توقيت انطلاق القطارات وحتى تعطيل السير على السكة لمدة ساعات. أما من حيث استعمال العياشة فقد وظف مجموعة قليلة جدا عند بلوغ المسيرة امام مبنى البرلمان وهو بذلك يبعث برسالة بانه لن يتنازل عن توظيف ورقة العياشة في جميع المناسبات. بعد المسيرة زادت وثيرة التصعيد القمعي:

– المزيد من الاعتقالات والتصعيد في قمع الحراك واستعمال القنابل المسيلة للدموع وإصدار احكام قاسية في حق 25 معتقلا وصلت الى سنة ونصف سجنا وبلغت اليوم الى سنتين في حق احد المعتقلين.كما اعيد تكييف تهم مجموعة من المرحلين الى البيضاء فأضيفت تهم جنائية جديدة في حق 8 منهم .

– قمع جميع المسيرات والوقفات في المناطق والجهات وتوظيف العياشة من اجل الاعتداء على المحتجين والمتضامنين مع الحراك.استعمل النظام العياشة حتى في العواصم والمدن الاوروبية وعلى ما يبدو ان الامور انقلبت الى ورطة سياسية في بلجيكا حيث ستكون لها تداعيات في اوساط سلطات وإدارات الاتحاد الاوروبي.

– بعد فشل النظام المخزني في اقناع الساكنة بالوعود التي حاولت مجموعة من الوزراء تسويقها في الحسيمة وبعد تورط الاحزاب المخزنية في كيل الاتهامات المشينة لساكنة الريف وتجاه قيادة الحراك بعد كل ذلك وجد النظام نفسه معزولا نهائيا عن الساكنة، وفقدت كل سياساته امكانية التأثير لذلك نجده يبحث عمن ينقذه من هذه الورطة ومن حالة غرقه في وحل التصعيد القمعي.هكذا لجأ الى الطابور الخامس المشكل من رهط من الناس جعلوا من ماضيهم اصل تجاري يبيعونه او يرهنونه كلما سنحت الفرصة.لكن حراك الريف ونظرا لحمولته التاريخية ونظرا لرصيد هذا التاريخ المحمل بعبق انتصارات خالدة على الاستعمار الاسباني وعبق معركة انوال كل ذلك شكل صخرة تكسرت على جنباتها كل حملات الطابور الخامس، وما فشل المناظرة المعلومة إلا دليل على ما يعده الحراك لمثل هؤلاء الاطفائيين المرتزقة.

جواب القوى المناضلة.

التحمت هذه القوى المناضلة في مسيرة وحدوية من حيث التنظيم ومن حيث الشعارات ومن حيث الاهداف فكانت رسالة توضح ان حركة 20 فبراير تنبعث اكثر توهجا وأكثر نضجا وعزما على السير بنضال شعبنا الى ارقى الدرجات من اجل التحرر والكرامة والمساواة والعيش الكريم.ان الجبهة الميدانية اصبحت حقيقة وهي تستقطب اليوم وبعد مسيرة 11 يونيو كل القوى المناضلة.

ان المسيرة تبعث ايضا برسالة لجماهيرنا بالريف وهي ان التضامن اصبح اليوم له عنوان عريض وهو الحراك في كل مكان. إن هذا الامر بات له من الاسباب والمبررات الموضوعية والذاتية ما يجعله ليس ممكنا بل هو قائم فعلا وكانت العديد من المناطق سباقة في القيام به.

جواب القوى المترددة والمرتجفة.

تميزت مواقف هذه القوى بالتردد تجاه الحراك وهي تسعى بتحجيمه ومحاولة حصره في رقعته الجغرافية .كما ان هذه القوى انسحبت او تراها تعرقل كل المبادرات والمجهودات التي تقوم بها القوى المناضلة حتى لا ينجح اي شكل من التضامن او من اطلاق مبادرات الحراك في كل مكان.

من بين اساليب العرقلة او التشويش اطلاق حملة تستهدف بعض القوى المناضلة بعينها وبعث كل نقاط الخلاف السياسية والايدولوجية وانتهاج طريقة الصراع بدون هوادة ومحاولة الاشتراطات المسبقة او ارغام الغير على الاصطفاف تحت مشروعها السياسي.

كذلك تعمل هذه القوى المترددة على ابعاد المركزيات النقابية من الالتحاق بالحراك او التضامن معه وذلك بمحاولة اشغال هذه المركزيات بقضايا هامشية لا صلة لها بجوهر الصراع الدائر اليوم.

لعل هذا الوضع سيكون مؤقتا لان الفرز النضالي لا بد وان يطال هذه القوى وبوجود قواعد مناضلة ذات حس جماهيري فان القيادات اليمينية سرعان ما ستجد نفسها في ورطة حقيقية كلما امرت بمقاطعة التنسيقيات والحركية النضالية السارية في صفوف شعبنا.لن تقبل تلك القواعد بالتفرج على التصعيد القمعي تجاه المحتجين في الريف او في الجهات الملتحقة بالحراك المحلي.

هكذا تكون مسيرة 11 يونيو بمثابة اعلان متجدد لمواصلة سيرورة الكفاح والنضال لمختلف شرائح وطبقات شعبنا الرازحة تحت نير الاستبداد والاستغلال الهمجي. إنها بوادر هبة حقيقية لن تتخلف عنها إلا القوى المرتجفة امام غضب الشعب الخائفة من رياح التغيير.ان قطار التغير انطلق بل هو يزيد من سرعته وهو يطوي المسافات وسيتخلف عن صعوده فقط كل من هو مستعد لقطع الصلات مع مطامح الشعب ورافض لتحمل مسؤولية النضال من اجل تحقيق تلك المطالب.