منع الحجاب


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5468 - 2017 / 3 / 22 - 08:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

• يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب (آية 53 سورة الأحزاب)
• يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيما (آية 59 سورة الأحزاب)
• وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (آية 31 سورة النور)
• وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَة (آية 60 سورة النور)

منع الحجاب فرض عين وفرض كفاية لن يكون اعتمادًا مني على المصطلح اللغوي: حجاب 53 أحزاب (تحت معنى ستار) أو جلباب 59 أحزاب أو خمار 31 نور (تحت معنى وشاح) أو ثياب 60 نور، ولا على الظرف التاريخي: زواج النبي بزينب 53 أحزاب أو خروج نسائه لقضاء حاجتهن 59 أحزاب أو تغطية جيوبهن للتفريق بين الحرة والأَمَة 31 نور (الجيب أعلى الثديين) أو ارتداء العادي من ثيابهن في سن الشيخوخة 60 نور، بل سيكون اعتمادًا مني على التقعيد السردي (الميتاناراتيفي)، أول تحليل من هذا النوع في تاريخ الإسلام، والتقعيد السردي هو سرد يتخذ من سرد آخر موضوعًا للدرس وتقرير قواعده، بمعنى أن درسي للآيات السابقة عن الحجاب لن يعتمد طريقة المحللين الكلاسيكيين في تحليل هذه الآيات كسرد، فهي ليست موضوع تحليلي الميتاناراتيفي، وإنما سيعتمد طريقة المحللين اللسانيين في تحليل ما قيل عن الحجاب بخصوص هذه الآيات كسرد آخر هو موضوع هذا التحليل، وهو الذي سيقرر قواعد هذه الآيات.

• يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البِر والفاجر، فلو أمرتهن أن يتحجبن يعني أن لا يحاورن الرجال مباشرة بل من خلال حجاب يفصل بينهم (عمر بن الخطاب فنزلت الآية 53 من سورة الأحزاب)
• قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على غير منزل، فكانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهنّ إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهنّ، وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل (الطبري بخصوص الآية 59 من سورة الأحزاب)
• كانت النساء في زمان النبي وقبل مبعثه كذلك يغطين رؤوسهن بالخُمُر (غالبا للاتقاء من الحر) ويسدلنها من وراء الظهر، فيبقى أعلى الصدر ظاهرًا لا ستر له، فأمرت الآية بإسدال المؤمنات للخمار على الجيوب، فطلب الله من النساء أن يضربن بخُمُرهن على جيوبهن (أعلى الجلباب حسب معاجم اللغة العربية) لستر الصدر وليس هنا بتاتًا ما يدل على أن الأمر يتعلق بتغطية شعر الرأس (فيسبوك ما هو الدليل على أن الحجاب ليس بفرض؟ بخصوص الآية 31 من سورة النور)
• إنما خُصَّ القواعد بذلك لانصراف الأنفس عنهن، إذ لا مذهب للرجال فيهن، فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن، وأزيلت عنهن كلفة التحفظ المتعب لهن (الإمام القرطبي بخصوص الآية 60 من سورة النور)

تقوم قواعد الآيات السابقة في لعبة الميتاناراتيف على العلاقات القائمة بين السارد لهذه الآيات ومصادر نزولها، والمصادر هي ما قيل عن عمر بن الخطاب سببًا في نزول الآية 35 من سورة الأحزاب، وما قيل عن الطبري سببًا في نزول الآية 59 من سورة الأحزاب، وما قيل عن الفيسبوك سببًا في نزول الآية 31 من سورة النور، وما قيل عن الإمام القرطبي سببًا في نزول الآية 60 من سورة النور. ولهذه اللعبة الميتاناراتيفية وظيفتان: وظيفة تقعيد لغوي (ميتالغوية)، أي لغة تتخذ من لغة أخرى موضوعًا للدرس وتقرير قواعدها، أو حل الخطوط التي تحتوي عليها الآيات، ووظيفة مرجعية، أو اللجوء إلى السياق، إلى "الحقيقة"، كما يرى عالم اللسانيات جاكوبسون.

لغويًا عمر بن الخطاب في لغته يفك خطوط لغة الآية 53 من سورة الأحزاب بخصوص الحجاب (الوظيفة اللغوية)، وهي القاعدة اللغوية لتحليلنا التي قررَتْها لغة عمر، دون كلام عمر لن نفهم في الآية لِمَ الحجاب وما الحجاب، وسياقيًا عمر بن الخطاب في سياقه يحدد سياق الآية 53 من سورة الأحزاب بخصوص الحجاب (الوظيفة المرجعية) والذي هو دخول البِر والفاجر على نساء النبي.

نقول الشيء نفسه بالنسبة لباقي الآيات:
لكلام الطبري وظيفة لغوية لِمَ الجلابيب وما الجلابيب في الآية 59 من سورة الأحزاب، ووظيفة مرجعية سياقها خروج نساء النبي ليقضين حوائجهن.
لكلام الفيسبوك وظيفة لغوية لِمَ الخُمُر وما الخُمُر في الآية 31 من سورة النور، ووظيفة مرجعية سياقها إسدال الخمار (الوشاح) على أعلى الصدر إسدال المرأة الحرة على صدرها أيام الجاهلية.
لكلام الإمام القرطبي وظيفة لغوية لِمَ الثياب للقواعد أي للعجائز وما الثياب في الآية 60 من سورة النور، ووظيفة مرجعية سياقها عالم الشيخوخة وما تجيزه الشيخوخة من ثياب تحت شرط عدم التبرج.


السياقات غير ظاهرة في الآيات السابقة، خفية، لكنها ظاهرة في النصوص التي تدور حولها، جلية، لهذا تحتفظ الآيات بكود فك الخطوط، وتكون الوسيط للسياق، والوسيط للسياق يعني أنها كنصوص نبقى أساسًا للتحليل الميتاناراتيفي الذي يعتمد نصوصًا أخرى غيرها، وأن تحليل هذه النصوص الأخرى، نصوص عمر بن الخطاب والطبري والفيسبوك والإمام القرطبي، هو تحليل لها.

لهذا عندما ينتفي الحجاب لغويًا في النصوص الأخرى، نصوص عمر بن الخطاب والطبري والفيسبوك والإمام القرطبي، فهو ليس الحجاب، هو الستار والجلباب والوشاح والثياب، ينتفي لغويًا في الآيات، وعندما يتأكد الستار والجلباب والوشاح والثياب سياقيًا في النصوص الأخرى، نصوص عمر بن الخطاب والطبري والفيسبوك والإمام القرطبي، يتأكد سياقيًا في الآيات. لغويًا الانتفاء لا يحتاج إلى ما يحتاج التأكيد إليه من سبب للمسبَّب، فالانتفاء تحصيل حاصل، وفقط عندما ينتفي السبب في التأكيد يزول المسبَّب. الستار سببه المكان، والجلباب سببه قضاء الحاجة، والوشاح سببه الفتحة على الصدر، والثياب سببها الشيخوخة، وبما أن هناك علاقة دائمة بين السبب ومسبَّبه، فالمسبَّب عدم عند عدم سببه، أعني بذلك الحجاب عدم عند عدم سبب الحجاب: المكان اليوم لا يحتاج إلى ستار نفصل به النساء عن الرجال، في كل شقة هناك من الغرف ما يكفي، وقضاء الحاجة اليوم لم يعد في الخلاء هناك المرحاض الذي لا يضطر النساء إلى الخروج في الليل، ولتغطية فتحة الصدر (خاصة للمرضعات اللاتي بفتحة الصدر يسهل عليهن إخراج أثدائهن) هناك السحاب اليوم والأزرار التي تضاف إلى الجلباب فيسهل فتحه على الصدر وليس من الضروري تقصيره، والثياب اليوم للعجائز من النساء والشابات أنواعها شتى منها المحتشم ومنها غير المحتشم وهي لا توجب التبرج لإغراء أو إغواء.