خلفيات وأسس النزعة اللاحزبية أو رفض التنظيم


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 04:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

عند النظر الى وضع اليسار ببلادنا يُجمع الكل على حقيقة التشظي والتشرذم. وهي وضعية غير سليمة لأنها تعرقل تطور الصراع الطبقي بل تلعب دور دعم وتقوية المعسكر الرجعي وتمد من عمر النظام. فما هي اسباب هذه الظاهرة وكيف يجب النظر اليها وما هو الموقف المبدئي منها؟
إن تشرذم اليسار يجد اسبابه العميقة في مستوى تطور الصراع الطبقي ببلادنا والذي لم يصل بعد الى مستوى تحقق التعبير على نفسه من خلال الصراع السياسي لممثلي الطبقات الاجتماعية المتناحرة. فنمط انتاج الرأسمالية التبعية ببلادنا لا زال نسبيا حديث العهد، ويحكمه تناقض رئيسي ذلك الحاصل بين الكتلة الطبقية السائدة ممثلة في نظامها الملكي من جهة، ومن جهة ثانية بين كل الطبقات الشعبية (من طبقة عاملة وفلاحين فقراء وصغار ومتوسطين وبرجوازية صغيرة وحتى فئات واسعة من البرجوازية المتوسطة). وعلى قاعدة هذا التناقض بين مصالح اغلبية الشعب مع تلك الاقلية المستغلة تشكلت مجموعتين من الاحزاب السياسية، منها مجموعة كبيرة من الاحزاب والقوى عبرت او طمحت للتعبيرعن مصالح تلك الطبقات المستغلة والمضطهدة وتبنت تعبيرات فكرية او سياسية متنوعة كالفكر اليساري الماركسي والقومي الى الفكر السلفي الليبرالي. اما النظام فهو الأخر استنبت احزابا من اجل استخدامها كإطارات للصراع السياسي والفكري وكموظفين سياسيين وايديولوجيين في مؤسساته الشكلية والصورية.
ففي مجتمع يحكمه هذا التناقض وبفعل تطور المصالح الطبقية وتنامي ازمة نمط الانتاج الرأسمالية التبعية تبرز عملية سياسية شديدة التعقيد نتيجة الدينامية الطبقية اسفرت ولا زالت عن فرز فئات اجتماعية تتدهور وتنزل سلم الترتيب الطبقي وفئات اخرى تترقى وتحتل مراتب متقدمة وتندمج مصالحها مع مصالح الكتلة الطبقية السائدة. وبالنتيجة تحصل اصطفافات سياسية وتمزقات لكيانات واحزاب كانت منسجمة البارحة وصارت متشظية ومفتتة اليوم. هكذا اصبح اليسار نفسه مفتتا وباتت احزاب منه مثل حاضنة تفرخ احزابا ومنظمات سياسية . حتى النقابات والجمعيات الحقوقية والنسوية والشبابية لم تنجو من هذا المصير البئيس.
اما التناقضات الجارية فهي غالبا ما تأخذ طابعا ثقافيا او ايديولوجيا وبذلك تصبح التناقضات الطبقية مغلفة او متوارية عن الانظار عند الرؤية السطحية الغير الدقيقة. ولكونها تكتسي ذلك الطابع الثقافي، فأنها سرعان ما تنحرف باصحابها الى منحى يغذي العداء للسياسية وللانتماء الحزبي، فتسود النزعة المحتقرة للأحزاب وتدفع في اتجاه الفوضوية والانكفاء على الذات. لذلك بتنا نسمع بان اسباب كل هذا التردي هي السياسة والاحزاب وان كل اولاد عبد الواحد واحد. وفي هذا الامر لابد من الاقرار بان النظام استطاع تحقيق احد اهدافه من تلك السياسة التي دشنها منذ تفجر الصراع المباشر بين القصر واحزاب الكتلة الوطنية. كان من بين سياسة الارض المحروقة المطبقة ضد التوجهات المناضلة انذاك هي افراغ العمل الحزبي من كل مضمون نضالي او مطمح بناء احزاب ذات تمثيلية طبقية حقيقية لقد نجح الة حد بعيد في تحويلها الى احزاب شكلية لا يتعدى افقها الانخراط في المؤسسات ولعب الادوار الموكولة لها من طرف النظام. وبقبول تلك الاحزاب لعب هذه الادوار فانها ساهمت في تنفير القاعدة الجماهيرية منها عندما تأكدت وتيقنت بأنها فقط احزاب توزع الوعود وتفصح على برامج سرعان ما تتنكر لها وتتملص بشكل انتهازي من كل التزاماتها. هكذا فقدت اوسع الجماهير ثقتها في النظام وفي الاحزاب الملتفة حوله واصبحت السياسة عبارة عن تقديم الوعود الكاذبة وعن الخيانة وخدمة المصالح الخاصة والتنكر للمبادئ انها نقيض القيم النبيلة.
فإذا كانت القاعدة الشعبية العامة قد فقدت الثقة في مثل هذه الاحزاب فان قواعدها المناضلة فقدت هي ايضا الثقة في القيادات واصبح البعض منها يبحث عن البدائل من خارج هذه الاحزاب. ومن فداحة الضرر البالغ الذي اصاب تلك الاحزاب نجد ان من بين قياداتها من شجع على هذا التشرذم، كما فعل عبد الرحمان اليوسفي لما واجه المحتجين والغاضبين بعبارته الشهيرة "ارض الله واسعة".
وبالفعل انتشر هؤلاء في ارض الله الواسعة، فمنهم من اسس حزبا جديدا ومنهم من التحق بصفوف اولئك الذين اعتنقوا الموضة الجديدة موضة اللاحزبية، والمناضلين الاحرار الغير منتمين لأي "دكان" سياسي كما يحلوا لهم نعت باقي الاحزاب السياسية. ان هؤلاء اصبحوا يشكلون نسبة مهمة وهي مرشحة للارتفاع. ان التخندق في طابور "الاحرار" وغير المنتمين حزبيا بات يوفر ملاذا لهؤلاء المناضلين ومن داخله اصبحوا ينتجون الافكار ويشكلون القناعات التي تبرر لهم موقعهم هذا. ومن هذا الموقع اخذوا يشكلون اطارات معادية للحزبية ويدعون لخوض النضالات اللاحزبية، والتحق بهذه الجوقة بعض المثقفين وهم ينظرون للحرية الفردية ويعلون من شان الفردانية ومعاداة الانتماء التنظيمي والانخراط في العمل الجماعي المنضبط، لأنه يحد من الاستقلالية ومن حرية الابداع والفرد ويمس بالشخصية المتضخمة لذواتهم.
شكلت هذه الفئة من المناضلين مجالا خصبا لاهتمام النظام وهو ما يمكن رصده من خلال تدخله الذي يجري على واجهتين مختلفتين لكنهما متكاملتين وهما:الاختراق من طرف الاجهزة الاستخباراتية وذلك بغرض التموقع داخل الحركات الاحتجاجية بل اختراق الاحزاب المناضلة والواجهة الثانية وهي استغلال ما يسمى المجتمع المدني حيث يجري تاسيس الجمعيات والنوادي واغداق الاموال الطائلة عليها فأصبحت فخاخا حقيقية تستقطب مثل هؤلاء المناضلين تمهيدا لإلحاقهم بصفوف الاحزاب الادارية المخزنية من بام وأحرار...الخ.
ان المتتبع لأنشطة هذه التنظيمات او المجموعات اللاحزبية يقف على طابعها البرجوازي في كل تحركاتها رغم ما يدعيه بعضها من جذرية وثورية. فبرفضها الانتظام الحزبي اي الانحياز السياسي الى طبقة اجتماعية محددة فإنها تسقط عن وعي او عن غير وعي في خدمة السياسة الطبقية للبرجوازية ونظامها.
"ان من يخوض نضالا "لاحزبيا" من اجل الحرية، اما انه لا يدرك طابع الحرية البرجوازي واما انه يقدس هذا النظام البرجوازي، واما انه يؤجل النضال ضده، يرجى "ترقيته" الى موعد غير محدد والعكس بالعكس. فان من يقف عن وعي او عن لا وعي الى جانب النظام البرجوازي، فلا بد له ان يشعر بالانجذاب الى فكرة اللاحزبية" لينين الاعمال الكاملة مجلد 12 مقالة "الحزب الاشتراكي الديمقراطي واللاحزبية الثورية".
ان تطور الصراع الطبقي يحتم تطور الصراع السياسي وبالتالي تطور التمثيلية السياسية للطبقات المتناحرة. وهكذا تصبح اللاحزبية والمعاداة للانتماء الحزبي فكرة وموقف برجوازي بل هي ممارسة رجعية تخدم سياسة اللامبالاة الطبقية التي هي كما فضحها لينين، لأنها تعتبر مساندة صامتة للبرجوازية.
"فان الاشتراكية الديمقراطية حزب البروليتاريا الواعية هو وحده دون غيره الذي دافع ويدافع على الدوام عن الحزبية الصارمة اما ليبراليونا، ممثلو نظرات البرجوازية فإنهم يمقتون الحزبية الاشتراكية ولا يريدون ان يسمعوا بالنضال الطبقي..."( نفس المصدر)
فإذا كانت اللاحزبية فكرة برجوازية والحزبية فكرة اشتراكية كما اكدها لينين فإننا بدورنا نرى ان من شان التطور والدينامية الطبقية ببلادنا تحتمان بروز التعبير السياسي عن المصالح المستقلة للطبقة العاملة المغربية والذي هو حزبها الذي لم يبنى بعد. وبذلك تصبح مهمة بنائه هي المهمة المركزية لجميع الماركسيين اللينينيين وهي حتما مهمة غير قابلة للتأجيل او المراوغة او الاختباء وراء كل مسوغات التي تقدمها النزعة اللاحزبية الصريحة او المقنعة ودعاة الاستقلالية والفردانية. وكل ابتعاد عن الانجاز وتحقيق هذه المهمة يسقط عن صاحبه كل تبجح بالانتماء للمدرسة اللينينية كما نسمعه من سفسطة على شاكلة "ضرورة اكتمال الخط النظري والسياسي والعسكري". ليست لمثل هذا الخط من اهمية ولا من فائدة اذا لم ترتبط بالعمل التنظيمي وربط النظرية بالممارسة. خارج هذه الوحدة الجدلية للتنظيم وبناء الخط السياسي والايديولوجي يقع المتقاعسون في النزعة اللاحزبية اي في خط البرجوازية، وإنكار الطابع الطبقي للحزب. فعلى جميع الماركسيين اللينينين المغاربة مباشرة مهمة بناء هذا الحزب وذلك بالانخراط الجدي والمثابر عبر النقاش والتقارب وتبادل الخبرات والتجارب وصراع الافكار وانضاجها والبناء على القواسم المشتركة وتدليل العقبات وتجاوز الحزازات والصراعات الذاتية والنزعات الحلقية الضيقة الافق.