حول النقد والنقد الذاتي


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5387 - 2016 / 12 / 30 - 21:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

حول النقد والنقد الذاتي
اصبح هذا المفهوم شائعا لكثرة استعماله داخل بعض الاوساط. بل اصبح موضة عند المثقفين خاصة الزائفين منهم والذين يريدون الايحاء بأنهم يمارسون ولتواضعهم فإنهم يتبنون مبدأ النقد والنقد الذاتي في سلوكهم وممارستهم.
لقد اتخذ هذا المفهوم مرتبة رفيعة عند الشيوعيين ووضعوه ضمن المبادئ المؤطرة لأحزابهم وتنظيماتهم. وفي هذا المقام يهمنا تناوله بشيء من التدقيق حتى نقربه من الفهم والإدراك عند المناضلين الشيوعيين المعنيين بتفعيله في علاقاتهم مع انفسهم ومع الغير.
فتفعيل مبدأ النقد والنقد الذاتي يهم سواء مجال الافكار او مجال الممارسة او السلوك.فلما ينتقد انسان ما او تنظيم ما افكاره او ممارساته وسلوكه فان العملية تستوجب لزوما القيام بالنقد الذاتي. كما ان انجاز النقد الذاتي يلزمه ان يكون اجابة صريحة عن نقد موجه للفكرة او الممارسة والسلوك الذي يجري بصدده النقد الذاتي. فتفعيل مبدأ النقد والنقد الذاتي هو ضمانة تطوير فكر وممارسة التنظيم وأعضاءه. ولكي يصبح هذا المبدأ مفعلا داخل التنظيم وبالنسبة لكل اعضاءه لا يكفي ادراجه في القوانين الداخلية بل يجب توفير شروط تطبيقه والسعي الحثيث على احترامه من طرف جميع مستويات التنظيم وعلى جميع فروعه ومجالاته.
وللمزيد من تقريب هذا المفهوم لا بد من الاشارة الى قضايا اساسية منها:
+ في النقد
- لا بد ان يكون النقد واضحا مباشرا دقيقا وموضوعيا
- لابد ان يكون علميا يفرز بين ماهو معطى موضوعي وبين ما هي عوامل ذاتية في تحديده وتوضيحه للخطأ.
- لا بد ان يكون هادفا لإصلاح الخطأ وانقاد المخطئ وليس الاجهاز وتصفية الحساب معه.وهو بذلك يبتعد عن التشهير المغرض.
- لا بد وان يساعد على اقتراح حلول يراها الناقد كمخرجات من الخطأ ومن تبعاته. ولذلك لا بد وان يتوفر الناقد على تجربة ومصداقية لما يتولى مهمة النقد لأنها مهمة البناء والتصحيح.
+ في النقد الذاتي
- لا بد ان يصدر عن قناعة بان النقد الموجه سديد وبان هناك خطا واضح وبين وجب تصحيحه.
- ىبد ان يكون النقد الذاتي صريح يعترف بالمسؤولية سواء كانت جزئية او كاملة في الخطأ وما ترتب او سيترتب عنه. وإقران الاعتراف بالمسؤولية بواجب تحملها مع ما يستتبع ذلك من اجراءات تصحيحية.
- يجب ان يكون نقدا ذاتيا نزيها يعترف بالمسؤولية ولا يتهرب منها او يحاول تبرير الاخطاء او التنصل من بعضها والاكتفاء بالاعتراف الشكلي ومحاولة التنصل من التبعات.
- يجب ان يكون النقد الذاتي مقرونا باقتراح حلول لتجاوز الاخطاء وهو مناسبة لاستخلاص الدروس وتطوير الافكار والممارسات والمسلكيات السابقة.
تلك هي بعض اهم القضايا التي اراها كمستلزمات تفعيل هذا المبدأ الرفيع وجعله سلاحا قويا في تنظيمات البروليتاريا لانها هي الوحيدة القادرة على تحويله الى قوة مادية نظرا لكونها تتوفر على المؤهلات الطبقية الضرورية.
لا بد ايضا من الاشارة الى ان نجاح تفعيل هذا المبدأ داخل اي تنظيم هو مسؤولية جماعية وعبر الممارسة العملية يتقوى هذا السلاح لأنه احد عوامل ربط الممارسة بالنظرية ذلك الربط الجدلي الذي تكلم عنه لينين.
وختاما اقترح على المناضلين احد نماذج النقد والنقد الذاتي كما طبقها لينين عبر ممارسته وهويساهم في بناء الحزب البلشفي. وهذا النموذج الذي نسوقه مكن لينين من استخلاص دروس يمكن اعتبارها دروسا ذات مغزى استراتيجي لا زالت ذات راهنية الى يومنا هذا.وفي هذا ايضا احد الدوافع التي جعلتني اسوق هذا النموذج وليس غيره.
كما يعلم الجميع فان بوادر تشكيل الحزب المستقل للطبقة العاملة لعامة روسيا بدا بتشكيل انويه من المناضلين الشيوعيين خاصة منهم المثقفين الثوريين والذين سعوا الى الارتباط بالطبقة العاملة.لقد كانت تلك الانوية تمتاز بروح التضحية والشجاعة لكنها كانت عبارة عن انوية هشة تعوزها التجربة والنظرية والعمل المبني على الاحترافية والإتقان لمجالات خوض الصراع. وهو ما سماه لينين طغيان الحرفية.وحتى لا اطيل اترك لينين يقدم النقد ويتبعه بالنقد الذاتي وهي كلها مقاطع مأخوذة من المجلد الخامس.
في نقد الظاهرة:
" ...تكيفت الحكومة بسرعة مع ظروف النضال الجديدة واستطاعت أن تحشد في الأماكن المناسبة ما لديها من فصائل المخبرين والجواسيس والدرك المجهزين بجميع العتاد الحديث، وأخذت الضربات تنهال بتواتر، وتشمل جمهورا كبيرا جدا من الأشخاص وتكنس الحلقات المحلية إلى درجة أن كانت جماهير العمال تفقد بالمعنى الحرفي للكلمة، جميع قادتها، وتغدو الحركة في بلبلة شديدة ولا يعود بإمكانها أن تبقي على أية استمرارية أو أي تناسق في العمل. وقد كانت النتيجة المحتومة لهذه الظروف التي وصفناها أن انقسم وضاق أفق، وانعدم الاستعداد، وأصبح تركيب الحلقات عرضيا، المناضلون المحليون انقساما مذهلا النظر في ميادين المسائل النظرية والسياسية والتنظيمية .وقد بلغ الأمر أن أصبح العمال في بعض المناطق، بسبب النقص في رباطة جأشنا وفي سرية عملنا، يفقدون ثقتهم بالمثقفين ويتهربون منهم، ويقولون أن المثقفين يسببون الإخفاقات من جراء طيشهم المفرط "
في عناصر النقد الذاتي:
"أرجو ألا يعتب على أحد من المشتغلين في الميدان العملي لهذه الكلمة الخشنة، إذ أني أنسبها لنفسي قبل كل شيء ما دمنا نتحدث عن قلة الاستعداد . لقد عملت في حلقة وضعت نصب عينيها أهدافا واسعة شاملة وقد شعرنا جميعا نحن أعضاء هذه الحلقة بالأمل يحز في قلوبنا إذ أدركنا أننا حرفيون في ظرف تاريخي يمكننا أن نقول فيه مع بعض التغيير عبارة من العبارات الشائعة:" اعطونا منظمة من الثوريين، نقلب روسيا رأسا على عقب"، وبمقدار ما وجب علي منذ ذلك الحين أن أتذكر شعور الخجل الممض الذي يحز في نفسي آنذالك، كانت تمتلئ نفسي بالمرارة ضد أولئك الاشتراكيين الديمقراطيين المزيفين الذين "يهينون لقب الثوري "بدعايتهم، والذين لا يفهمون أن واجبنا ليس الدفاع عن الهبوط بالثوري إلى مستوى الحرفي، بل رفع الحرفيين إلى مستوى الثورين" هذين المقطعين وردا في "كتاب لينين بناء الحزب" لمؤلفه طوني كلييف ترجمة اشرف عمر.
ان الدرس المستقى من نقد هذه الظاهرة نجده حاضرا بقوة وبعمق في الكتابات المتعلقة بموضوعة الحزب سواء منها مقالة "بما نبدا؟" او كراس "مالعمل؟" كتاب "خطوة الى الامام خطوتان الى الوراء" "رسالة الى رفيق" و"مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية" وغيرها من مؤلفات لينين، وهي نفسها الدروس التي اشتغل عليها قادة شيوعيون اخرون اذكر من بينهم مساهمات ماوتسي تونغ.
14 /06 /2016