الصورة تكذب-العلاج النفسي الأدبي 11-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5368 - 2016 / 12 / 11 - 00:46
المحور: الادب والفن     


- هذه صورتك؟!
- أجل صورتي.. لماذا أنت مستغرب؟!
-كنت تضعين ( الحجاب)؟!
- أجل، ألا يحق لي؟!
- طبعاً يحق لك، لكنني مستغرب لأني كنت أتخيلك علمانية منذ الأزل...
- هل تعتبر العلمانية ديناً! هذا خطأ شائع.. العلمانية ليست ديناً، تستطيع أن تكون يهودي علماني، مسيحي علماني، ملحد علماني، لا ديني علماني...

هي ليست دين، هي فصل للدين عن الدولة و السياسة..أياً يكن هذا الدين...
أنا كنت علمانية منذ الأزل، كنت أضع (حجاب الشعر) -بحكم العادة، و العائلة- لكني في عمري لم أضع حجاباً على عقلي..
دوماً عقلي قابل للتفكير، و للعمل، لحب الله، و تكسير الصنم…

من رواية " علي السوري" بقلم: " لمى محمد"
********************


الصورة دوماً تحكي حكاية ناقصة.. صورة الطفلة “ ألنار ” تحمل لعبتها و تضحك.. صورة حفل زفاف مهيب و عروسين جميلين.. صورة لفتيات عاريات تنط صدورهن نطاً كضفادع و قطط..

و تنهال التعليقات حول الصور.. و كل طرف يرى الصورة كما يحب أن يراها...

كل الصور في العالم تحكي أنصاف حكايا.. أنصاف حقائق.. لكن الحقيقة الكاملة تكمن في الحكاية.. في كل القصة و ليس في لقطة منها...

******************

-صورة " ألنار":

ماذا لو علمنا أن الطفلة “ ألنار” تم تشخيصها بمرض السرطان!
الشعور الذي ستمنحه الصورة حزن، أليس كذلك؟!
ماذا لو قلتُ لكم أن سرطانها ممتاز الانذار و أنها ستشفى كليا” بعد الجراحة : الشعور أمل..

ثم أخبرتكم أن عائلتها لا تملك مالاً لإجراء الجراحة: الشعور غضب..

و في النهاية جاء فاعل خير و تبرع بمال الجراحة : شعور السعادة و الامتنان…

و هكذا صورة واحدة.. لقطة واحدة.. لحظة واحدة لا تحمل إلا شعوراً واحداً و الشعور الواحد يسرقنا لدرجة التطرف و لدرجة الانحياز…

يقول “ الرومي” في هذا السياق:
“الحقيقة كانت مرآه بيد الله وقعت وتشظت، كل فرد أخذ قطعة منها، نظر إليها وخال أنه يملكها كاملة.”…

و الرومي حتماً محق، فالعقل هو ملعب المشاعر كلها و القصص الكاملة-ليس الناقصة-.. لذلك يتنحى العقل أمام الصورة الواحدة، و لذلك أيضاً: يكمن في اللقطة الواحدة كامل التطرف !

بقياس ما سبق على (الربيع) العربي: كل الناس تحسن التقاط الصور.. و كل الناس في اللاوعي قابلة للتطرف، بحسب ما تقتضيه مصلحتها…

و بوجود الفضاء الافتراضي (ملكوت الصور)، نُقلَتْ الصور بحسب الشعور الواحد لملتقطها.. و كمن خراب الدول في إعلام أنصاف الحقائق…

فشلت الثورات العربية فشلاً ذريعاً.. لاحقةً بفشلها الأنظمة.. تلك الأنظمة الهزيلة نفسها التي عوّدت شعوبها على سياسة الصورة الواحدة و الوجه الواحد الأوحد للحقيقة!

و إن كنا اليوم نقول الجميع بلا أي استثناء و لا أي تهميش حمل المسؤولية في خراب بلده، فنقول أيضاً :
“ كنّوا و استحوا، و شاهدوا “ألنار” بكامل عقلكم و مشاعركم.. لا بما تقتضيه مسايرة مصلحة قطيعكم “!
********************


-صورة حفل الزفاف المهيب:

عروسين جميلين.. فستان زفاف أسطوري: شعور فرح؟
ماذا لو قلت لكم أن العرس مفروض على العروس.. زواج مصلحة و تقارب نفوذ: شعور قرف؟
ماذا لو علمتم أن العرس لم يكتمل و أن العروس فرت مع حبيبها أثناء الحفل: أمل أم دهشة؟
ثم لو أخبرتكم أن الحبيبان قضوا في حادث سيارة: حزن؟
و حادث السيارة مفتعل: غضب؟
و هكذا..
اللقطة الواحدة خداعة.. و كاذبة.. أجل جزء الحقيقة : كذب كبير…

يهاجر سكان المنطقة العربية منذ زمن بعيد- و حتماً من قبل زمن الثورات بكثير- إلى الغرب.. أنا كنت منهم…

قايضت صوتي ثمناً لحضارة أخرى، و دخلت الولايات المتحدة بالكاد أتحدث الانجليزية.. تذكرون كيف باعت حورية الماء الصغيرة صوتها لتتبع حلمها.. أنا أيضاً قايضت صوتي في سبيل كتب غير منتقصة الأجزاء و كلمة “ لا “ غير جبانة.. في سبيل أحفاد بلا أحقاد.. و ملكوت لجميع المشاعر غير خاضع لسلطان القطيع .. كان أمامي خيارين:
الاستمرار أو الاستمرار…

لست بصدد ذكر من و ما وقف في وجهي، لأنني مازلت في أول الطريق.. لكنني حتماً أذكر و أستذكر كل يوم أن حصان الإرادة التي أعتليه سحريٌّ، و سوف يصل بي يوماً ما!

السحر في حصان إرادتك أنه غير متطرف.. متسامح و حكيم، و إن كان ليس كذلك، فهو ببساطة: ليس سحري..

حصانك يستمد قوته من الماضي.. لذلك لا تنسى ماضيك.. و لا تقتلع جذورك!

عندما قامت الثورات نسف البعض كل ما كان في أوطانهم.. اقتلعوا كل نسغ أكلوا منه يوماً.. جميع الأطراف في الحرب على الأوطان - إلا من رحم ربي- تطرفوا و لجأوا إلى ملكوت الصور!
من يعتقد أن خراب وطنه تم بيد طرف ما، فهو يقنع ضميره بأن تطرفه كان مقبولاً و سليماً…

البسطاء دفعوا جميع فواتير إقناع الضمائر المتطرفة!

ما نحتاجه اليوم هو “ زبد الأديان جميعا” ، و زبد أي دين هو التسامح..
سامح و استمر.. حصانك( السحري) سيصل بك إلى حيث تريد…
*******************



-صورة الفتيات العاريات: خجل..دهشة..
أقول لكم : الصورة لفتيات باعتهن “ داعش” لمال نفط و جوارٍ: شعور غضب.. قرف؟
الفتيات هربن من المقرف القذر : أمل ، فرح…
متنّ جميعاً في حادث تفجير - مجهول التبني- في العراق : حزن.. قلق.. خوف…

فشلت الثورات لكثير من الأسباب، أما خراب البلدان فبلا شك حدث بسبب تعميم ثقافة الوحوش.. تعميم الفرح بموت طرف ما، أو بأحسن الأحوال تجاهله!
يفشل الناس في حياتهم بسبب التعميم: تعميم السعادة: و السعادة جزء من ملكوت الشعور و لا يصلح أن تحتله..
و تعميمات أخرى…

قابلت الكثير من الناس في حياتي، صادقت قلة منهم.. زاملت الكثيرين..

و علمتني الحياة أن الناس يستطيعون الاستمرار في أي علاقة باكتشاف المشاعر الحقيقية فيها و حولها..
نعم تستطيع تقبل من عمم شعور غيرته حتى آذاك.. إذا ما قلت لضميرك “ التسامح زبد الدين”..
تستطيع التعامل يومياً مع من عمم شعور كرهه إلى محاولة قنص نجاحك.. إذا ما فعلّت شعور الشفقة عليه…

التطرف ملح الحروب، و الهواء لها.. الحياة الإنسانية لا تحتمل التطرف.. لهذا عاشت الحيوانات في قطعان، بينما تفرد الناجح و المتسامح في عقله و حلمه…


يقول الرومي أيضاً: “ هناك خارج ما تعتقده أنت صحيح.. و أعتقده أنا صحيح.. حقل جميل.. سوف ألاقيك فيه”…

و أقول لمن يقنع ضميره بأحقيته في التطرف:
“ هناك خارج حربي و حربك طفلين ضائعين لا يعرفان بعد معنى الكراهية.. تعال معي لنجدتهما…”…

يتبع…