قحطانيات11: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5348 - 2016 / 11 / 21 - 14:53
المحور: الادب والفن     

اللعبة السردية
تتميز مقالة القحطاني "نعيم القبر وعذابه والأرثوذكس والعهد القديم" بلعبة سردية بين السارد، الذي هو القحطاني، والمصادر التي ينهل منها، التي هي الأسفار، أسفار الكتاب المقدس. يقول: "ربما يجهل البعض أن الكتاب المقدس أكد بمواضع متعددة عذاب القبر ونعيمه والذي كعقيدة إيمانية مسلم بها يؤمن بها أهل السنة والجماعة المسلمين !! ، لنطالع هذا العدد من سفر التكوين 37 : 35 : فقام جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه ، فأبى أن يتعزى وقال : إني أنزل إلى ابني نائحا إلى الهاوية !! ، وبكى عليه أبوه !!!" لهذه اللعبة وظيفتان على علاقة باللغة، وظيفة فك المعلومات، ووظيفة اللجوء إلى السياق، الذي هو المصادر أو المراجع. المعلومات التي نفكها من سفر التكوين 37 : 35 هي التالية: رفض يعقوب لعزاء بناته وبنيه في أخيهم يوسف، وتفضيله النواح عليه والنزول إلى الهاوبة، إلى القبر معه. وكما نرى، هذه المصادر والمراجع كسياق هي في الوقت نفسه سياق للواقع، سياق لموت يوسف، وموت يوسف هنا لا يمكن إخفاؤه، لكنه ليس واضحًا بالشكل الذي ذكرناه، فليست هناك تسمية ليعقوب، وليست هناك تسمية ليوسف، فيكون لمصدر المعلومة حول موت يوسف "كود" يجب فكه، وسياق يجب نشره، وسيظهر دور السارد (القحطاني هنا وكاتب الكتاب المقدس هناك) بموقفه المتنامي أكثر فأكثر من مصدر معلومته.

التعارض بين الساردين
الموقف المتنامي للسارد المعاصر (القحطاني) ولسارد العهد القديم (كاتب الكتاب المقدس) نلمسه في المعلومة التالية: "وأيضا في سفر التكوين 42 : 38 : فقال - يعقوب - : لا ينزل ابني معكم ، لأن أخاه قد مات ، وهو وحده باق ، فإن أصابته أذية في الطريق التي تذهبون فيها تنزلون شيبتي بحزن إلى الهاوية !!" فيعقوب هنا تمت تسميته، تسمية أضافها القحطاني، ليكون التعارض بين صاحب المعلومة الرسمية، صاحب المصدر المسموح به (كاتب الكتاب المقدس) وصاحب المعلومة اللارسمية، صاحب التصريح غير المسموح به (القحطاني)، وبينما صاحب المعلومة الرسمية يرمي إلى التعميم، كما يدلل النص عليه، فعذاب القبر (الهاوية بكلام يعقوب) ليس فقط ليعقوب بل ولكل البشر، يرمي صاحب المعلومة اللارسمية إلى التحديد، الأول يريد أن يفاقم علاقات الناس بالموت، والثاني يريد أن يخفف منها.

التكامل بين الساردين
بالطبع التعارض بين الساردين لا ينفي التكامل، التكامل بين المعلومتين، التكامل بين العصرين، التكامل بين المكانين، التكامل بين الرسمي واللارسمي عندما نقرأ: "وفي سفر هوشع 13 : 14 : من يد الهاوية أفديهم ، من الموت أخلصهم ، أين وباؤك يا موت !!! ، أين شوكتك يا هاوية ؟ تختفي الندامة عن عيني !" التكامل هنا يفترض التعميم (أفديهم أخلصهم بصيغة الجمع)، ويأتي التحديد هذه المرة من سارد العهد القديم عندما يقول: تختفي الندامة عن عيني (عيني بصيغة المفرد). وعندما يكون سؤال التحدي التالي: أين وباؤك يا موت، أين شوكتك، تختفي الندامة عن عيني، تصبح المعلومة نصفين، نصفًا رسميًا (كاتب الكتاب المقدس كسارد من الماضي)، ونصفًا لارسميًا (القحطاني كسارد من الحاضر)، إنها معلومة مشتركة. ويسأل سائل ما علاقة القحطاني بالأمر، فهو لم يفعل سوى نقل المعلومة؟ القحطاني كسارد معاصر يسعى إلى دحض نعيم القبر وعذابه عند الأرثوذكس، وهو بذلك يعصرن النص المقدس، ويضعه في سياق نقضه.

انفصال الأنت في القبر
من العادة قول: انفصال الأنا في الحلم، وبما أن القبر هو الجحيم هو الكابوس عند الأرثوذكس، نقول انفصال الأنت في القبر، وهي محاولة للتقدم في السرد، فبعد التعارض بين الساردين والتكامل، نجدنا في قلب التماثل، وهذه المرة ليس تماثل المعلومة، هذه المرة تماثل ضمير المخاطب أنت: "سفر أشعياء 14 : 15 : لكنك انحدرت إلى الهاوية !! إلى أسفل الجب !! سفر المزامير 94 : لأنه ليس في الموت ذكرك ، في الهاوية من يحمدك !!!" تماثل ضمير المخاطب أنت وضمير الغائب هم: "سفر العدد 16 : 30 : ولكن إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وكل ما لهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية فتعلمون أن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب !!" التماثل هنا بين هم (فهبطوا أحياء إلى الهاوية) وبين أنت (لكنك انحدرت إلى الهاوية)، وبينما ازدروا بالرب ابتلعهم القبر، هناك في الهاوية من يحميك أنت الذي لا ذكر لك في الموت. إنها طريقة بالأحرى نفسية، كابوسية، وهي فقط مبررة ربانيًا تبرير الكتاب المقدس لها (وليس تبريرنا نحن لها): "سفر صموئيل الأول 6 : 5 : الرب يميت ويحيي ، يُهبط إلى الهاوية ويُصعد !!"

التنديد بنيويًا
يندد القحطاني بالصياغة الرسمية المبالغ فيها لعذاب ونعيم القبر عند الأرثوذكس: "سفر يشوع ابن سيراخ 28 : 25 - 27 : الموت به موت قاس والجحيم أنفع منه ! ، لكنه لا يتسلط على الأتقياء ، ولا هم يحترقون بلهيبه ، بل الذين يتركون الرب يقعون تحت سلطانه ، فيشتعل فيهم ! ولا ينطفئ .... !!!" يندد بشيء من السخرية المبطنة، فبنية الاستشهاد السابق استشهاد في الوقت ذاته على المفارقة بين أتقياء وغير أتقياء، أشرار كما سنرى، ونحن ما يهمنا هنا التنديد لغة لا التنديد لسانًا: "مكان انتقال الأبرار والأشرار بعد الموت في العهد القديم هو الهاوية !! ولكن هناك نوعين من الهاوية أو مكانين في الهاوية !! مكان أو مكانة للأشرار وبها عذاب ونار !!!!! أتعاب وعذاب شديد !! ، ومكان آخر به سلام بدون عذاب أو أتعاب !!!"... عندئذ يعيدنا السرد التاريخي إلى السرد المعاصر: "وسؤالي الاستنكاري للأخوة الكرام الأرثوذكس –يقول القحطاني- : لماذا تعيبون وتنكرون على المسلمين إيمانهم بنعيم القبر وعذابه وهو أصلا مؤكد في كتابكم المقدس خاصة في العهد القديم ؟!!!
أليس الأولى بكم نقد العهد القديم وتوجيه ما قلتموه بشأن نعيم القبر وعذابه تجاه المسلمين إليه عوضا عنهم !!!!" سؤال موضوعي حول واقع ديني مشترك، وكأني به يقول ما فيش حدا أحسن من حدا.

يتبع قحطانيات12