قحطانيات7: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5346 - 2016 / 11 / 17 - 17:04
المحور: الادب والفن     

بنية الواقع
في مقالته "معاقو السعودية واقع أليم وضرورات عاجلة!"، يلجأ القحطاني إلى مُسَلَّمَات تتتالى حسب بنية للواقع الأليم الذي يعيشه المعاقون قوامها الضرورات العاجلة، وهي ضرورات في نفس الوقت أهداف، عندما نقرأ: "وما نسعى إليه من أهداف في صالح شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة في وطني الحبيب ومن الجنسين، الإناث والذكور على حد سواء، رغم إقراري بأن الإناث من شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر ظلما وقهرا وبؤسا وحاجة وألما ومعاناة وضيقا وتضييقا وعنصرية وتمييزا وقل ما شئت في هذا السياق ولا حرج، إلا أن المؤكد أن كلا الجنسين يعاني، وأن كثيرا من الحقوق الواجبة لهذه الشريحة مفقودة ومعدومة!!" ليس ما يرويه القحطاني حكايات مبالغًا فيها، فالواقع أليم بالفعل، إلى درجة يبدو فيها ابنًا للخيال، لتتحول الضرورات إلى أمر ملح، أمر عاجل، كما جاء في العنوان، وتصبح الإعاقة موضوعًا وسيطًا لموضوع أعظم الذي هو موضوع الحقوق الواجبة، موضوع الحياة.

الموقف الغير المتساوي الحدين
الراوي، أي القحطاني، هو معاق أيضًا، وهو حين حديثه عن الضرورات العاجلة للمعاقين في السعودية يرسم في الوقت نفسه الضرورات العاجلة له: "ودعونا بداية أيضا نؤكد أن معاناة الشخص من الإعاقة المكتسبة بسبب واقعة تعذيب في جهاز أمني بعينه، أو حادثة سير أشد وطأة ممن ولد بمثل هذه الإعاقة أو تلك، إلا أن الأولى أشد وطأة وظلما وألما ومعاناة مع استمرار التضييق الأمني والتمييز ضده سنوات عمره اللاحقة!!" وهو هنا كمن يجتذب أحدًا بالثناء عليه، عندما يميز بين وضعه كمعاق نتيجة لتعذيب وبين وضع غيره كمعاق نتيجة لولادة. لكن يحاول الراوي وضع الجانبين في محور الأمل، ليس في الشفاء، فالشفاء غير ممكن، في الحكومة، منبهًا في بداية مقالته إلى أنه: "بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى بعض الأمور الإيجابية وليس تطبيلا للحكومة الواطية أو نفاقا!!، لم أفعلها في سني الشباب وسنوات الاعتقال والتعذيب والشدة والذل والفقر والهوان! حتى أفعلها الآن وقد شاب الراس واشتعل شيبا! لا لن أكون بوقا للحكومة أبدا، لكن الإنصاف في النقل والذكر أمر تقتضيه الأمانة وبكل أنواعها، وبعد ذلك نذكر ما نرغبه ونتطلع إليه من آمال".

الروي وخارج الروي
عندئذ، تدلل المقالة على الإعاقة كموضوع وسيط لموضوع أعظم، موضوع الحياة، كما قلنا، وهذا ما يُروى، ويُدَلَّل عليه تحت قماط الحكومة في الوقت نفسه كموضوع وسيط لموضوع أعظم، موضوع أمورها الإيجابية، كما جاء في النص أعلاه، لنجد أنفسنا خارج ما يُروى، وقد غدت الإعاقة خبرًا من الأخبار. لكن كلمات القحطاني عن موقفه الثابت من الحكومة، تشير إلى أن ما قاله بخصوصها ليس خاتمة الكلام، وإنما توقف بسيط لا بد منه، فهو يواصل: "ومع هذا نقول: إن الحكومة قامت ومن عقود بإنشاء مراكز تأهيل شامل لذوي الاحتياجات الخاصة وتشمل رعاية طبية ونفسية وكذلك ما يمكن وصفه بالرعاية الصحية الجسمانية والحركية مع توفير ما يلزم من أدوات طبية لهذا النوع من الإعاقة الخاصة بالجسم كنقص عضو ونحوه، صحيح أن ممارسات تعذيب وضرب وتقصير واستغلال وقع وتم توثيقه صوتا وصورة ونشره في شبكة الإنترنت! إلا أن هذه الظاهرة بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك سهولة شراء الأجهزة الذكية ساهم في زجر وخوف الكثيرين من ضعاف النفوس من العمالة الوافدة بمراكز التأهيل الشامل، وأيضا الحكومة بحال لم يدخل ذوو وأسرة الشخص المعاق طفلا كان أو شابا أو حتى رجلا دون الخامسة والأربعين من عمره ، إن لم يدخل ويسكن المعاق أي مركز تأهيل شامل فإن الحكومة تقوم بصرف مبلغ من المال شهريا أو كل ستة اشهر مبلغ ألفي ريال!! حسب نوع المرض والإعاقة!! الأمراض الخبيثة والتي هي خطيرة وتهدد حياة المعاق فالغالب بحال كان المرض سببًا بإعاقة المريض فإنها تصرف له مبلغ ألف وستمائة ريال شهريا!! وأما الأمراض والإعاقات الأقل خطورة وهي إعاقة متوسطة فنصف المبلغ، وأما إعاقة الحركة كعرج ونحوه فكما قلت فتصرف له مبلغ ألفي ريال كل ستة اشهر!! أي ثلاثمائة ريال شهريا!! كارثة بالفعل بكل ما تعنيه كلمة كارثة من معنى!! لكن أيضا الحكومة من خلال مراكز التأهيل الشامل تصرف بطاقة تخفيض لتذاكر السفر!! وكأن المعاق أصلا يقدر أن يسافر!!!"

الشكل البنيوي
نحن هنا في العمق الداخل للروي/للسرد بعد أن وقفنا قليلاً خارجه، وكذلك نحن هنا أمام موقف للراوي/للسارد متساوي الحدين، وقد تراجعت تجربة القحطاني الشخصية أمام تجربة كل المعاقين التي هي تجربته كذلك (تحت سيتكلم بصيغة الجمع قائلاً "منحنا"): مراكز التأهيل الشامل، الرعاية الطبية والنفسية، الرعاية الصحية والحركية، صرف مبلغ من المال، صرف بطاقة تخفيض لتذاكر السفر، مع "لطشة" ساخرة يختتم بها المقطع السابق: وكأن المعاق أصلاً يقدر أن يسافر!!! ولهذا تفسير يقول إن الروي/السرد لن يتوقف، وإن الإعاقة يمكن "التحايل عليها" بما تفعله الحكومة، ولا يمكن الشفاء منها، الإعاقة كمأساة "نموذج" كعدم الإعاقة، والفصل بينهما هو الشكل البنيوي للتعارض بينهما، فيتكلم الكاتب عن منحة أرض للمعاق، وبسطة دائمة، كلتاهما من سابع المستحيلات، وينهي مقالته أول مرة بكلمة عن الفتاة المعاقة قائلاً إنها: "للأسف مهمشة ومسلوبة الحقوق قتلتها الإعاقة والعنوسة مع الإهمال!! هي أشد ألما وحاجة لنيل حقوقها كلها من المعاق الذكر والذي يمكن له أن يتدبر بعض الضروريات على خلاف الفتاة!! الفتاة المعاقة معاناتها مضاعفة ومؤلمة وهذا مبحث آخر!!!!!!" ثم ينهي مقالته ثاني مرة بما يحتاجه المعاقون بشكل عاجل: "مضاعفة الإعانة المالية الشهرية ثلاث مرات على الأقل، توفير السكن المجاني الفوري أو على الأقل منحنا أراض سكنية نبني فوقها كوخ خشب أو ننصب خيمة عوضا عن تحكم أصحاب العقارات واستحلاب جل الإعانة المالية في إيجار غرفة أو شقة بائسة في بيت شعبي آيل للسقوط بأي لحظة!! إعانة زواج وتسهيل إصدار أمر زواج من الخارج! والسماح بسهولة للمعاقة المواطنة بالزواج من الوافد، تعويض المعاقين بسبب قضايا التعذيب بما يتناسب مع حجم وفداحة ما لحقهم من إعاقة وأمراض! وطي صفحة التعذيب في الأجهزة الأمنية للأبد!!" هنا الفصل بين الإعاقة وعدم الإعاقة كشكل بنيوي للتعارض هو كذلك فصل بين المعاق الذكر والمعاق الأنثى، بين الإعانة المالية ومضاعفة هذه الإعانة، بين السكن المجاني والسكن بأجرة، بين السكن الملك وتحكم أصحاب العقارات، بين إعانة وتسهيل زواج من الخارج والزواج من الداخل (شغل عبد الله الشاغل)، بين التعويض لقضايا التعذيب وطي صفحة الماضي، هذا الفصل بين وبين هو في الوقت ذاته مأزق تكمن فيه كل معضلة المعاقين.

يتبع قحطانيات8