قحطانيات6: عبد الله مطلق القحطاني


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5345 - 2016 / 11 / 16 - 17:03
المحور: الادب والفن     

نظام الإسناد
في مقالته "داعش ومذبحة المثليين في فلوريدا ما الرسالة؟!"، يلجأ عبد الله مطلق القحطاني إلى أقوال عدد من الشهود، ليسند هذا الفعل إلى المنظمة الإرهابية، ومن شهادة إلى أخرى، يعطي لكتابته صفة ما هو انتقالي، والانتقالية لديه قياسها المثلية التي تُعتبر جريمة لداعش عقابها القتل. لكن ما يهمنا هنا ليس المثلية كطقس من طقوس الجنس، وإنما كجوهر سردي لتقديم درامي. ولأن الشهادات لهولها أقرب إلى رواية أمور وهمية يظن صاحبها أنها حقيقية، أقرب إلى "التخريف"، يبدأ القحطاني بهذا الحدث الواقعي: "في أواخر شهر أغسطس من العام الفائت 2015 م عقد مجلس الأمن الدولي جلسة وصفت آنذاك بالتاريخية لبحث حقوق المثليين جنسيا"، ليقوم الحدث مقام البنية، فأقوال الشهود لتجارب عاشوها بالفعل، وهي تُدْرَك كتضمين زمني للحدث الأساسي الذي هو مذبحة المثليين في فلوريدا، وحول هذه المذبحة يتم توزيع الوظائف التعبيرية.

الوظائف التعبيرية
بينما تختلف الوظائف التعبيرية من وظيفة إلى أخرى، تبقى لنظام الإسناد، نظام الشهادات، سردية مشتركة: "شهادات فظيعة ومروعة عن جرائم وحشية ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش - بحق المثليين جنسيًا في المناطق التي يسيطر عليها وحكمها في كل من العراق وسوريا"، "أكد بعض الشهود في حينها فظاعة تلك الجرائم وبشاعة ووحشية تنفيذها"، "إن المثليين جنسيًا في المناطق التي يحكمها تنظيم الدولة الإسلامية يلاحقون ويقتلون على الدوام، وإن التنظيم يعمد إلى رمي المثليين جنسيًا من أعلى المباني الشاهقة، أو يضعهم في ساحات عامة حيث يرجمون بالحجارة من قبل جموع غفيرة من الناس وبمن فيهم الأطفال، كما لو أن المشاركين في عملية الرجم يحضرون حفل زفاف"، "كما أن التنظيم نفسه بث عبر الإنترنت سبعة تسجيلات مصورة لعمليات إعدام بحق المثليين جنسيًا بدءًا من شهر يوليو 2014".
من الواضح أن ما يقال واحد في الشهادات السابقة كلها عن الجرائم الوحشية التي ارتكبت، وكأننا بالقحطاني يعيد بناءها السردي، وهذه هي أولى الوظائف التعبيرية.
الوظيفة التعبيرية الثانية إشارية، فهو يكتب مقالة يقيّم فيها سلوك منظمة إرهابية، ويشير إلى فظاعة أفعالها.
الوظيفة التعبيرية الثالثة ذاتانية (عكس موضوعية)، عندما يقيّم المعرفة كلها على أساس من الخبرة الذاتية (تجربته تحت سياط الجلاد).
الوظيفة التعبيرية الرابعة إجرائية، ونحن بالإجرائية لا نقصد الكيفية التي تتم فيها تصفية المثليين، وإنما الكيفية التي يلجأ إليها الكاتب في عرض هذه التصفية، عن طريق اختياره الشهادات هذه من بين آلافها كعناصر تخدم موضوعه.
الوظيفة التعبيرية الخامسة تلطيفية، وطبعًا تلطيفية في السرد أمام الفظائع في الواقع، فهو لا يلجأ إلى التفصيل في الوصف، ويكتفي بالتلخيص كقاعدة عامة.

محور المثلية/محور اللَّذة
"واليوم وقبل ساعات قالت الشرطة الأمريكية إن عددًا من الأشخاص أصيبوا في إطلاق نار في ناد ليلي بمدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا، ثم توالت الأخبار سريعًا لتعلن مقتل خمسين شخصًا وجرح ثلاثة وخمسين شخصًا آخرين، ويتضح أن الإرهابي الجاني شخص اسمه عمر متين وعمره تسع وعشرون عامًا، وأنه أمريكي من أصل أفغاني، وحادثة إطلاق النار هذه الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها تبنى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام العملية الإرهابية ونشر صورة المسلح الذي نفذها والذي أيضًا قُتل لاحقًا برصاص الشرطة عقب اقتحامها الملهى الليلي - نادي بالس - الخاص بالمثليين جنسيًا".
بعد أن يلقي بنا من جديد المقطع السابق في المحور السردي الذي بدأت به المقالة، والذي هو الفظاعة (فظائع حرب داعش ضد المثليين في الشرق)، نجدنا في قلب محور اللَّذة (نادي بالس الخاص بالمثليين جنسيًا)، في قلب المجتمع الأمريكي، مجتمع يسلم بالمثلية كأساس للاستدلال في المسائل الجنسية لكنها –أي المثلية- ليست بالضرورة بديهية، فيرى القحطاني اللَّذة مبدأً يبني مقالته، عندما نقرأ عن قناعته التامة: "وفي الحقيقة أنا على قناعة تامة أن العملية الإرهابية هذه من تدبير وتمويل تنظيم الدولة الإسلامية، وأنه اختار عن سبق إصرار وتعمد مثل هذا الهدف المدني وذي الصبغة والسمة هذه، وأنه أي التنظيم كان على ثقة أن أثر مثل هذه العملية الإرهابية إعلاميًا أشد من اعتداءات سبتمبر أيلول الأسود 2001 الإرهابية"، وعندما نقف على تحديد الصبغة والسمة للعملية الإرهابية لديه، صبغة وسمة جنسيتين، فنذهب من الموضوع حول المثلية جنسيًا إلى الفاعل الذي هو المثلي، وبكلام آخر اللّذة كما يرتأيها المثلي، الناجمة عن علاقة إنسانية، واللّذة كما يرتأيها تنظيم داعش، الناجمة عن علاقة دموية، جوابًا على السؤال: "لكن لماذا اختار التنظيم هدفًا مدنيًا ليرسل رسالته عوضًا عن أي هدف عسكري؟!" جوابًا يشير إليه القحطاني دون أن يسميه كما فعلنا: "في الواقع نوع الهدف كاف للجواب عن مثل هذا السؤال!"

محور الشهوة
محور اللَّذة يفترض محورًا آخر، ألا وهو محور الشهوة، اعتداءات على مثليين آخرين وجرائم أخرى: "لكن هل يعمد التنظيم إلى تكرار مثل هذه العملية في أوروبا أو غيرها؟! وماذا عن فرنسا تحديدًا؟! الحقيقة سبق التنظيم أن هدد برمي المثليين جنسيًا في أوروبا من أماكن بعينها ولهذا أتوقع أن يفعلها بعض المتعاطفين معه".
محور الشهوة هنا ذو وجهين سرديين، للمثليين وللتنظيم، فالسرد الخاص بجرائم التنظيم لا يتطابق من حيث الدلالة مع السرد الخاص بمن ارتكبت فيهم هذه الجرائم، لكن السردين يتماهيان من حيث الحدث الذي يأخذ معنى واحدًا للشهوة كرغبة تتعدد من فرد إلى آخر، وتتوحد لدى كل الأفراد في تحققها عند إهراق اللَّذة كناية عن الدم. وهذا ما وقع في بنجلاديش، على يد واحد من أهلها، بعد الذي وقع في أورلاندو على يد واحد من أهلها وأهل غيرها (أمريكي من أصل أفغاني)، الشهوة في تعددها، فها نحن بعد سوريا والعراق وأمريكا في بنجلاديش، وها هي اللَّذة تهرق إعلاميًا: "لكن من المؤكد أن عملية إعدام رئيس تحرير المجلة التي تعنى بالمثليين جنسيا والسحاقيات في بنجلاديش آخر الشهر قبل الماضي والتي تبناها تنظيم القاعدة الإرهابي تؤكد توجهًا إرهابيًا منظمًا من قبل بعض التنظيمات الإرهابية الإسلامية نحو المثليين جنسيًا بسبب ما يصاحب مثل هذا النوع من الجرائم من تغطية غربية إعلامية وزخم وصخب معًا".

يتبع قحطانيات7