بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل الثامن1


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5326 - 2016 / 10 / 28 - 15:11
المحور: الادب والفن     

غادر شالوم مخيم دولشه فيتا ليذهب إلى مقر أركان الحرب في تل أبيب. أخطره الاستدعاء الرسمي الذي استلمه بترك كل شيء بين يدي الليوتنانت عزرا، وبأخذ الطائرة المروحية حالاً.
وهو بانتطار استقباله من طرف الجنرال دافيدسون، علم شالوم أن وَحدة خاصة ضد-إرهابية لتساهل قد اغتالت سفير إسرائيل في لندن. هذا ما قيل بصوت عال في ممرات البناية الضخمة للقيادة العامة، وليس من الخطر في شيء أن يعرفه الصحفيون الغربيون "المخلصون"، فهم سيلزمون الصمت –سيُدفع لهم كالعادة- حبًا لهذا البلد وحِفظًا لوجوده. بطبيعة الحال، نُسِبَ الحادث إلى فصيل فلسطيني متطرف لم يعد موجودًا. وبدلاً من الصمت أمام دموع زوجة السفير وأبنائه، تلاعب دافيدسون بمشاعرهم: "زوجك، يا مدام، أبوكم، يا صغاري، كونوا مطمئنين، سننتقم له، قال لهم، عديم الذمة. سيصطف كل البلد إلى جانبكم، وردًا على هذا الفعل الإرهابي، سترسل إسرائيل قواتها المسلحة إلى لبنان، لدك معاقل العصابات الفدائية، وإعادة السلام إلى اللبنانيين. ومن يقل السلام للبنانيين يقل السلام لنا، لك، مدام، لأبنائك الغالين."
- مضحك هذا ككذبة، قال شالوم لجوردان الذي يستقبله باسم قائد الأركان، المشغول جدًا بالأحداث. مناف للعقل إخفاء الحقيقة هكذا.
- هذا مضحك، هذا مناف للعقل، لكن هذا هكذا عندما يكون أمن إسرائيل ووجودها مهددين، رد شالوم بصراحة قاسية.
- من يهدد من؟ أصر شالوم. هل يمكنك أن تقول لي، من فضلك؟
- اسماااااااااااااااع ابن عمي! قال جوردان منعمًا فجأة نبرته وسلوكه، الفدائيون يتقدمون، وهذا ما لا يمكننا السماح به. القاعدة التي هي ضدنا تقليديًا، لم تعد تطيع الرؤساء، عملاء لإسرائيل في معظمهم، الكتائب لا يتدبرون أمورهم، فكان من اللازم أن نتدخل. أولاً، لنضع حدًا لهذه الحرب الدينية. ثانيًا، لنمضي إلى المرحلة التالية، الأهم، مرحلة اعتراف البلدان العربية بدولتنا والسلام مع جيراننا. لكن هذا ليس من شأنك، ميمو. حتى هذه اللحظة، ليس من شأنك.
- إذن، بحق الشيطان لماذا استُدعيت؟
- لأنك عُزلت، ميمو.
- عُزلت؟
- بعد انتحار الكابورال سيمون، لم يعد لك مكان على رأس جيشنا في قطاع غزة، عمو دافيد يخشى أن تنتشر هذه العَملة اليائسة بين صفوف الاحتياطيين. في هذه اللحظة الصعبة، سلوك كهذا لا يفعل سوى مفاقمة الوضع، ميمو، فالجيش، كما تعلم، عليه أن يسيطر على كل شيء. ثم، أنت اغتلت موشيه لأجل بضع قطرات دم عربي: أنت استعدت ذاكرتك كما يبدو.
- ستبقى ذاكرتي يهودية دومًا.
- أنت من يقول هذا.
- وموشيه، أنا لم أغتله، أنا عاقبته للجرائم التي ارتكبها.
- تعني مثلما عاقب الليوتنانت عزرا إرهابيي مخيم دولشه فيتا؟ آه لا، ميمو. هون، انت غلطان. الليوتنانت عزرا مارس حقه المطلق في الدفاع عن النفس.
- أي دفاع عن النفس؟ وضد من؟ طفلة تركض وراء قطها؟ قنبلة حِرَفِيَّة عملت بُمْ بادابُمْ؟ سكان مُتْرَبون في بيوتهم ليتحاشوا كل مواجهة؟ حتى الجسد الذي لا حياة فيه للبنت الصغيرة بقي في الخارج، تحت شمس رصاصية، دون أن يأتي أحد لأخذه.
- الدفاع عن النفس، تَبًا للشيطان! "الدفاع الذاتي عن النفس"، صاح مبسوطًا من المصطلح الجديد الذي اخترعه. أما أنت، فاغتلته بكل بساطة، المسكين موشيه. إلا أن المسألة ليست هنا، لم يكلمني عمو دافيد عن هذا. بالنسبة له، لم يجر شيء في مخيم دولشه فيتا. لم نفعل سوى القيام بهجوم مضاد. بُمْ! بُمْ! وماذا بعد؟ إنها روح رعاة البقر! بُمْ! بُمْ! أنا المعتدي، أغدو المعتدى عليه. بُمْ! بُمْ! والعالم ينظر دون رد فعل. لموتانا، كل تلفزيونات العالم ستلبس ثياب الحداد، سيُظهرون النساء الجنديات اللواتي يبكين. مثير للعواطف هذا، لا؟ الحاخامات الذين ينهمكون في المقابر، التوابيت، الأمهات، الشموع، الزهور، وهذا خلال عدة أيام. نعم، يجب على الغربيين أن يبلعوا هذا مع ستيكهم وبطاطاهم المقلية، ميمو. لموتاهم، لموتى الفلسطينيين، تُظهر هذه التلفزيونات نفسها بشاعة الموكب الجنائزي الذي يصرخ انتقامًا، رهيب هذا! ولثلاث ثوان فقط. ليس لهؤلاء الموتى أمهات يبكينهم، هم يستحقون الموت. ستقول لي، هؤلاء الصحفيون، نحن ندفع لهم لأجل هذا. ليس كلهم، ميمو، ليس كلهم. هناك من ندفع له، وهناك من يشعر بالذنب إلى الأبد. هناك كذلك الجبناء، المنافقون، الجهلة، الأغبياء، حجارة الشطرنج الذين يؤمرون، الذين يوجَبون على "قل هذا ولا تقل ذاك، هذا يمكنه أن يمس ذاك، نعم، هو يهودي، قحبة! لم تكن تعرف! أو هذا يمكن أن يزعل منا، نعم، عشيقته هي في نفس الوقت عشيقة الصديق الآخر لصديق صديق إسرائيل، ماخور!" نعم، الدفاع الذاتي عن النفس! مِمَّ أنت خائف، تَبًا للشيطان؟ على أي حال، هؤلاء الصحفيون حجارة الشطرنج، أتكلم عن صحفيي قفاي الغربيين خاصة، الذين ندفع لهم أو الذين لا ندفع لهم، لا يتحققون من الخبر. يعيدونه بغباوة كما لو كان منزلاً من السماء، ويضيفون عليه عندما يأتي من عندنا. كل ما يتعلق بنا مقدس لهم، هؤلاء القذرون، هؤلاء المراءون، خراءات قفاي هؤلاء! وشيء عادي كل هذا. في سياق آخر، هذا ليس عاديًا، لكن في هذا السياق، هذا عادي تمامًا. في هذه المخرأة، لنتصور ما لا يُتصور، ميمو. لنتصور أن الفلسطينيين أو أوغاد البلدان العربية يعملون ما نعمل ضدنا. والحال هذه، سيهزون الأرض والسماء، ولن يكفوا عن العواء، ميمو. نعم، ا-ل-ع-و-ا-ء، إنها الكلمة. لن يوقفوا العواء، دون أي احترام لموتانا. اسم هذا ضجيج إعلامي: قفاي! لأنها إسرائيل، الطفل المدلل. طفل مدلل؟ هم مرغمون على قبوله. إذن، دولشه فيتا، الأموات، الجرحى، بيوت الصفيح المنسوفة أو المحروقة، كل هذا، ليس على مثل تلك الخطورة. لكن، ميمو، سيمون من يزعج عمو دافيد، يخشى أن ينتحر احتياطيون آخرون مثله. هل تُقَدِّر، على الأقل، خطورة هذا الحادث؟ ستكون نهاية جيشنا المِقدام، نهاية إسرائيل، نهاية اليهود. ولتفادي كل هذا، دخلنا لبنان.
- لكن... كنت أظن...
- نعم، ميمو، سبب إضافي، الأهم في رأيي. لأن تشظي الجيش يعني تشظي وجودنا نفسه، ميمو.
- أنا آسف لسيمون.
- لا تأسف، ميمو. لم يفعل انتحاره سوى تعجيل الأشياء. كنا مترددين بخصوص اغتيال سفيرنا في لندن، لكن التضحية بنفس لأجل سلامة وجودنا نفسه سيُغْفَر لنا.
- وأنا آسف لقنبلتنا النووية.
- ماذا تقول، ميمو؟
- القنبلة النووية، جوردي. الأسرار الخاصة بما ينقصنا من يورانيوم.
- القنبلة النووية!
- لم أجد في رأسي سوى أشباح غامضة تدور حول كلب ذبيح.
- ليس هذا مهمًا، ميمو. اتركه للمرة القادمة. ربما سيأتي خلال مهمتك الجديدة.
- لكن... كنت أظن...
- نعم، ميمو، أنت عُزلت من منصبك في غزة، وعُينت في الضفة، على رأس جيشنا هناك. فَكَّرنا، أنا وعمو دافيد، أن من المفيد جدًا أن تتكلف بهذا لنجاح المرحلة القادمة. تعرف، مرحلة الاعتراف المتبادل والسلام مع البلدان العربية. كما قلت لك، هذا لا يتعلق بك الآن، لكن فيما بعد. مسألة وقت وفرصة. وعليك أنت رد النظام إلى نصابه بانتظار ذلك. ستشرف على جمع الدم ل "دماء بلا حدود" في مخيمات اللاجئين. نعم، كنت ضد. كنت أعتبر ذلك جنونًا. لكنها إسرائيل، لكنه أمنها، أمنها وأمن العالم! أ-م-ن ا-ل-ع-ا-ل-م، كما يقول عمو دافيد، وأنت تعرف كم بإمكانه أن يكون شرسًا عندما يقول هذا. جَمْع الدم هذا ليس مجانًا، فلا تتصرف كعربي محب للعدل، من فضلك، ميمو. دعهم يبيعون دمهم، ولا ينشغلون إلا بهذا، هذا أحسن بكثير من شرب المخدرات. عندما يشربون المخدرات، وهذا ما أبدته لنا التجربة اللبنانية، المقاتلون مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل قضيتهم. إنه نصيب كل شعب يكافح من أجل حريته، كما يبدو. عربنا الإسرائيليون، مسيحيون أم لا، مسلمون أم لا، دروز أم لا، فقدوا معنى التضحية هذا. نجح النظام بطريقة مثالية معهم. لم تبق لهم سوى الدعارة، والجنح، والمخدرات، كيلا نضيف البطالة. في المدينة التي كان المسيح قد عاش فيها، في طيبة المثلث أو طمرة، لم يعد الناس يحلفون إلا باليهود وبرب اليهود. بفضلنا، العاطلون عن العمل زعران أبًا عن جد، ليس هناك غير هذا، المخدرات عملة رائجة. لكن رؤوس بغال الأراضي هؤلاء، ليسوا من نفس المعدن، فامنعهم من المجيء للعمل عندنا، ولو أن هذا لا يلائم الجميع، بالنظر إلى شطارة هذه اليد العاملة ورخص سعر تكلفتها، لكننا بهذا نتحاشى كل فعل إرهابي. جَوِّعهم، وتَدَبَّر أمرك ليبيعوا دمهم بأرخص سعر، ومن يرفض، ارسلهم ليخرأوا، ميمو، يعني إلى الجحيم.
- هذه دعوة لإقامة الرعب، جوردي، في تلك المختبرات الهالكة، اسمح لي، أعني في تلك الأراضي المحتلة الهالكة.
- مختبرات أم لا، محتلة أم لا، ستكون القائد الذي يُعِدُّ لهجوم السلام، وهذا، شئت أم أبيت، ميمو. عمو دافيد يأمر، ونحن نطيع. وظيفتك نافذة خلال يومين. الآن عليك الذهاب لرؤية ساندرا. صدمها انتحار سيمون، ليس لدرجة فقدان الذاكرة، لكن الموت الطوعي لصديقها كان صدمة كبيرة لها. رُحْ للتخفيف عنها، هي في حاجة إليك. ليا كذلك. مسكينة ليا! هي من تحبك أكثر. بنتا عمك في حاجة إليك.

يتبع القسم الثاني الفصل الثامن2