بيروت تل أبيب القسم الأول بيروت الفصل الرابع2


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5238 - 2016 / 7 / 29 - 14:35
المحور: الادب والفن     

بعد أن وضع عبد السلام يده على "محاصيل الذهب"، كما كان يقول عن محاصيل الحشيش، اتصل بأتباعه في ألمانيا، هيبّي مدينة بون. كلفهم بالبيع في السوق السوداء، وبوضْع النقود في بنك سويسري كان مديره من معارفه القدامى. كان هذا المدير هو من سيدفع لمصانع الأسلحة الألمانية.
أتاه بطرس الأحمر لاهثًا:
- يقيم رجالنا بسطات تقريبًا في كل مكان لبيع كلاشينكوفاتهم والأسلحة الأخرى الصينية أو اليوغوسلافية.
- ماذا!؟ صاح عبد السلام منذهلاً.
- للأسلحة الألمانية التي سنشتريها، فالكل على علم بذلك، شرح الأحمر، هم يبيعون ما لديهم من عتادات حربية بأبخس الأثمان.
- لكنهم حمقى! الأسلحة الألمانية لم تصل بعد!
- وأبو أرز هو المستفيد. كلف العمة مريم بنشل كل شيء.
- ماذا سيفعل بها أبو أرز، وهو لديه أسلحة ألف مرة أحسن منها؟
- يخزنها ليعود ويبيعنا إياها، يخزنها ليعود ويبيعنا إياها، قال وهو يلثغ. بواسطة العمة مريم بطبيعة الحال. وبأبهظ الأثمان، صاح.
أخيرًا، ستكون العمة مريم الرابحة الكبرى، بالنظر إلى العمولة التي ستتقاضاها من الطرفين. حتى أن هناك شائعة عملوا على ترويجها مفادها أن العمة مريم ستعقد صفقات أسلحة مع الأنظمة التوتاليتارية العربية، وبما أنها كلها كانت توتاليتارية، ستغدو العمة مريم ثرية جدًا. عمل عبد السلام كل ما في وسعه كيلا يترك رجاله أنفسهم يسقطون في هذه الحلقة المفرغة. وعلى العكس، سرق رجال أبي المشارق صناديق المتفجرات، القنابل، الصواريخ، القاذفات، الشَّدِّيدات، الديناميت، وتكلف أولاد العمة مريم ببيعها في نفس الوقت الذي يبيعون فيه باكيتات السجائر والشوينج-جم.
بعد ظهر أحد الأيام، وصلتنا طلقات من المنزل الباذخ المجاور. ثم، بداية سوناتة غريبة على البيانو، ثم حط الصمت. ذهبنا لنجد مراهقًا جمد على مرآنا. كان قد أفرغ الكلاشينكوف الذي اشتراه في صدور أفراد أسرته. لاحظ أبو المشارق أن البيانو قد أصابته الطلقات، فأخذ يلعن الصبي، يهزه، يعنفه، لأنه أتلف "تحفة نادرة". ثم، بأصابع مرتعشة لمس الثقوب، وقال للقائد الفلسطيني:
- في نهاية الأمر، لم يتلف بالخطورة التي تصورتها.
- ماذا تقول، يلعن دين!؟
- يمكننا إصلاحه، ويا للحظ.
أمر أبو المشارق رجاله أن يحملوا البيانو، وخرجنا دون أن نبالي بالجثث. ونحن نقطع الشارع، سمعنا رشقة كلاشينكوفية لم تكتمل في المنزل الباذخ. ركض أحد رجال أبي المشارق ليرى ما حصل. ألقى نظرة من النافذة، وقال بلامبالاة:
- لا شيء، انتحر الصبي.
حذرنا كمال الدرزي من هجوم مباغت لأبي أرز خلال الليل انتقامًا للمجزرة، فذكره عبد السلام أن هذه العائلة، ثرية حقًا، لكنها مسلمة. مسلمة أم غيره، أكد أن أبا أرز ينتظر أقل انزلاق لتفجير الوضع. لكننا لسنا نحن الذين قتلوا أفرادها. على عكس الدرزي، كان تقي الدين يجدها فرصة لا تعوض لبدء الأعمال الحربية ضد رئيس الكتائب.
- وليس أبو أرز الذي خردق الأسرة المسلمة، صاح القيادي الفلسطيني مقهقهًا.
قهقه القيادي الشيعي بدوره:
- سنقول إنه هو.
- لو كانت لدينا صفقة الأسلحة الألمانية لما ترددت لحظة واحدة عن التفكير مثلك.
بقي كمال الدرزي وتقي الدين في بيروت. ذهب عبد السلام مع بطرس الأحمر إلى مخيم تل الزعتر. عاد أبو المشارق إلى معمل البسكوت في سيارة لوكس. كان أبو الدميم من أعاره إحدى مرسيديساته، إحدى أجمل مرسيديساته.
في تل الزعتر، أدركنا، وهذا للمرة الأولى، أننا نقف إلى جانب الفلسطينيين. لم يعجب هذا العمة مريم في البداية، ثم تعودت على هذه الفكرة، وفي حسابها أنها طريقة ممتازة للضغط على أبي أرز، الذي لن يكون له خيار آخر غير الإبقاء عليها في خدمته. من ناحية أخرى، وقف بعض أبناء أعمامنا إلى جانب القائد الكتائبي. هكذا انقسم حينا إلى قسمين دونما حاجة إلى سور أبي مزة. إذن أظهرنا آية الكرسي في تل الزعتر، وأبناء أعمامنا الصليب في المعسكر الخصم. العمة مريم وحدها التي احتفظت بالرمزين الدينيين. كانت الأكثر مكرًا من كل عباقرة الفهلوة في هذا البلد.
في تل الزعتر، تعرفنا على الأبيض وأم الأبيض. تقابلنا مع أبي فريد وأم فريد وابنتهما فريدة. كانت للأبيض بشرة سوداء بسواد بشرة عنترة، وكان لأبي فريد فريد، ابنه الوحيد، تركه في الجنوب مع أخته الصغرى ثائرة ليصد هجمات "اليهود"، واليهود حسب مفهومه جنود "تساهل". أشار إلى فريدة:
- لم يعد لدينا أي خبر عن أختها الوسطى فاطمة التي تخلت عنا كما تخلت السلطة عنا. يسمونها فاطمة السورية، لأن لها السحر السري للدمشقيات، والقلب القاسي للعلويين.
تنهد ونظر إلى سماء بيروت، سماء تمتد إلى ما لا نهاية، وتسحب عن جسدها ثوب الغيم. لكننا كنا نفكر في العمة مريم. كانت تدَّعي هي أيضًا أن لها جمال نساء دمشق الذي يميزهن عن غيرهن من النساء، بل وأكثر، كانت غالبًا ما تقول إن جدة جدتها كانت سورية من اللاذقية، وأن جد جدها كان تركيًا من اسطنبول.

يتبع الفصل الخامس...