في الذكرى الخامسة لانطلاقة حركة 20 فبراير


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5042 - 2016 / 1 / 12 - 08:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

من المبادرات الايجابية ما يقوم به بعض المناضلين حين يكتبون اليوم عن حركة 20 فبراير تقييما او نقدا وحتى تجريحا. أن هذه الحركة الفريدة من نوعها في التاريخ المعاصر لشعبنا لا بد وان تحظى بالاهتمام البالغ من طرف المناضلين الذين ساهموا في نضالاتها المجيدة.
قبل كل شيء لا بد من وقفة اجلال وإكبار لأرواح شهدائها الابرار كلهم وبدون استثناء.كذلك وبالمناسبة لا بد من التشبث الفعلي بمحاسبة القتلة والجلادين المباشرين وغير المباشرين. لا بد للقوى المناضلة من تجديد الالتزام بالنضال من اجل كشف هذه الجرائم التي ارتكبت في حق شعبنا.

بدوري اود الوقف اليوم على ثلاثة قضايا اعتبرها مهمة في تجربة حركة 20 فبراير:

1- في حمئة نضالات حركة 20 فبراير، اتهمت قوى سياسية معينة بالركوب على حراك شبابي وعمل النظام وبعض من انطلت عليه الحيلة على شيطنة تلك القوى. ان تهمة الركوب على الحركات الاحتجاجية هي تهمة جاهزة رفعت في السابق وسيتم رفعها دائما في وجه القوى المناضلة والمنظمة.على العكس من ذلك وسيكون من باب التملص من المسئولية ،عندما تتخلي القوى السياسية عن واجبها في الانخراط في الحركات الاحتجاجية، ودعمها وجلب كل اسباب القوة والمناعة وحمايتها من الاختراق المخزني.ان لكل حركة احتجاجية طبعا اهدافها ووسائلها في تحقيق تلك الاهداف. وكلما انخرطت القوى السياسية في هذه الحركات محترمة للحس النضالي للجماهير وإرادتها واستعداداتها كلما نجحت تلك الجماهير في تحقيق اهدافها.ان تداول تهمة الركوب على الحركات الاحتجاجية تكون بهدف الاقصاء او نسف المبادرات النضالية. ومحاولات الركوب على الحركات الاحتجاجية هي مسألة واردة، بل يجب التعامل معها كحقيقة ومعطى لا بد ان يحصل سواء من طرف قوى سياسية لها اجندات خاصة وغريبة عن أهداف الحركات الاحتجاجية، أو من فعل اختراقات استخباراتية بهدف التمهيد للقمع والتقتيل.لكن على القوى المقتنعة بخط الجماهير ان تكون مسلحة من اجل اجهاض مثل هذا الركوب.لكن ما حصل في حركة 20 فبراير هو ان بعض تلك القوى التي اتهمت بالركوب على حركة 20 فبراير استسلمت وغادرت وقدمت احد مبررات انسحابها كونها تعرضت لتهمة الركوب على الحركة.ان هذه القوى بانسحابها تكون قد زكت من حيث لا تريد تهمة الركوب. وهي اخلت المجال لمن ادعى تلك التهمة في حقها لكي يفرغ الحركة من القوى والسند.سيكون من المثالي بل من السذاجة السياسية الاعتقاد بضرورة ان يتفاهم الجميع على خوض النضال بالاتفاق المسبق على عدم تبادل تهمة الركوب على هذه الحركة الاحتجاجية او تلك.

2- الادعاء أيضا أن حركة 20 فبراير قد ادت اقصى ما يمكنها ان تعطيه يعتبر خطءا فادحا. لان التغيير الجدري سيكون طويلا وعسيرا فيه مد وجزر. ربما ما كان يجب تغييره هو الاشكال النضالية التي اتبعتها الحركة لأنها لم تسمح بالتطور وتبني أشكال أخرى، لذلك كان من اللازم ابتداع اشكال مبتكرة وغير مسبوقة. وفي هذا فلتتنافس كل الإرادات المناضلة الحقيقية. ان اعتبارها قد استوفت شروطها وبالتالي الانسحاب، هو ما مكن النظام من التقاط الانفاس ونتيجته اليوم ما نعيشه من تغول النظام الرجعي ومن صلافة بنكيران الذي يعتبر نفسه جاء نتيجة صناديق الانتخابات. ان حركة 20 فبراير في الحقيقة كشفت ضيق افق القوى السياسية المناضلة وحتى قصر نفسها في حروب الاستنزاف.ولن تنجح هذه القوى في كسب مثل هذه الجولات إلا بارتباطها بأوسع الجماهير الكادحة وكل الطبقات الشعبية التي لها مصلحة حقيقية في التغيير الجدري خاصة العمال والفلاحين الفقراء.

3- عرفت دائما حركة 20 فبراير صراعا داخليا حول سقف المطالب ولعله كان المدخل الذي اشتغلت عليه قوى من اجل إجهاض تطور الحركة، بل هي عملت على توقيفها قبل ان تحقق ولو الحد الادنى من المطالب. بل عملت تلك القوى بالاستجابة للالتفاف الذي قام به النظام وقبلت ضمنيا بما قدمه من تنازلات شكلية.

وطبيعي ان توجد داخل الحركة قوى تخاف من نضال الجماهير وتخشى من تطوره الذي لا بد وان يتجاوز افقها. وعلى هذه القاعدة اشتغل النظام، فاتهم الحركة بأنها تهدد الاستثناء المغربي. نجح في خلق البلبلة والتوجس من الحركة وساهم في ابعاد اوسع الجماهير عن المسيرات.وفي هذا الصدد لا بد من الاشارة الى كون البعض لم يلتقط هذه الخاصية، فمضى يرفع من سقف المطالب بدون اعتبار لما يدور حوله وإنما ارضاء لرغبته الذاتية التي لا تقيم وزنا للواقع الملموس للحركة. بل لنا من المعايشة ما يؤكد بان في العديد من المرات قامت عناصر مدفوعة لرفع شعارات اكثر جذرية وأكثر غرابة على المسيرات والجماهير الحاضرة. فكلما رفعت تلك الشعارات كلما تناقصت الصفوف وأفرغت الساحات. ونحن ننجز قراءة لتجربة حركة 20 فبراير لا بد ان نفهم بان على القوى المناضلة ان تبدع في الشعار المركزي وان تتحمل المسؤولية التاريخية وان تحمي وتحصن الحركات من كل تهور او اختراق. في نفس الوقت لا بد من الاشارة الى كون الشعار المركزي للحركة المتمثل في النضال من اجل اسقاط الاستبداد ان يحظى بالتدقيق اللازم لأنه على ما يبدو فيه الكثير من الغموض وحتى اللبس والتعارض الذي يمكن ان يشل الحركة مستقبلا.لقد اعطى هذا الشعار ما يمكن ان يعطيه لأنه مكن من الفرز بين من هم مع الاستبداد ومنهم ضد الاستبداد، لكن مع تجربة خمس سنوات يجب المزيد من التدقيق والصياغة للشعار المركزي.

انها مهمة القوى المنخرطة في فعاليات حركة 20 فبراير، والتي لما تناضل وتعيد وهج الحركة، فأنها بكل تأكيد ستجد الشعار المركزي المناسب.لن يولد هذا الشعار في ردهات الصالونات وأروقة الفنادق وفي لقاءات التأمل بعيدا عن النضال والفعل في تغيير الواقع.