رعب - المشهد الثامن


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 12:10
المحور: الادب والفن     

ونحن نتنزه في شارع الحرية، الشارع الرئيسي لمدينة غزة، تسألني الشاعرة أمينة أمين: إيفانوف ألكسندروفيتش، لماذا اخترت الإقامة في دولتنا؟ ليس لجوائز نوبلنا الثلاث في الأدب والطب والسلام التي لم تحصل عليها أية دولة في العالم في نفس العام؟
ونحن نحتسي كأسًا في الفراش، أجيبُ: رئيس دولة غزة ومعان جدير بجائزة نوبل للسلام، وذلك لتأسيسه دولة بلا جيش بلا سجون بلا حدود، دولة لكل شعوب العالم، والدكتور مازن الحسيني، حفيد المفتي أمين الحسيني، جدير بجائزة نوبل للطب، وذلك لاكتشافه الدواء الفعال الدواء الحاسم للإيدز، وأنتِ، أمينة أمين، جديرة بجائزة نوبل للآداب، لأن قصيدتك كوب شمبانيا من النوع الفاخر كهذه التي نشربها، وأقرعُ كأسي بكأسها، لكن سبب اختياري الإقامة في دولة غزة ومعان ليس هذا
ونحن ننظر إلى مئات الكتب المعروضة في فترينة إحدى المكتبات بمعظم اللغات، تعود الشاعرة أمينة أمين إلى سؤالي: هل السبب إذن، إيفان ألكسندروفيتش، حالة الطوارئ عندكم؟
ونحن نتعانق على الفرندة أمام البحر، أجيبُ: حالة الطوارئ في بلد حقوق الإنسان وصمة عار في جبين حكام بلدي، فإقرارها، مهما كانت الأسباب، يرجع بفرنسا إلى عصور القمع في القرون الوسطى، ويجعل منها أختًا للسعودية. وكذلك سن قانون فقد الجنسية، إذا ما حصل، سيحط من قدر جهاز العدالة عندنا، جوهرة استقلال القضاء في العالم. وبالتالي، سيؤدي الفعلان، الأول والثاني، إلى ضعضعة السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتشكيك في كل قيمنا، لكن سبب اختياري الإقامة في دولة غزة ومعان ليس هذا
ونحن نمضي بماخور لصق مسجد، أعلقُ: انظري إلى المصلين، أمينة أمين، وهم يخرجون من المسجد، بعضهم لا يبالي بالعاهرات الواقفات غير بعيد هناك، وبعضهم لا يتردد عن الابتسام لهن
ونحن نعوم في البحر، تسألني الشاعرة أمينة أمين للمرة الثالثة: هل لهذا السبب، إيفانوف، أنت تقيم اليوم ما بيننا؟
ونحن نبتسم للعاهرات، أؤكدُ: عندما يبتسم المؤمن لعاهرة أو لا يبالي بها، هذا يعني أن أتركك تفعل ما تشاء، وتتركني أفعل ما أشاء، لا أتدخل في شئونك، ولا تتدخل في شئوني، أحترم سلوكك كما تمليه عليك حريتك دون المساس بحريتي. نعم، إنها الحرية على أكمل وجه، وأنا لهذا هنا
هيه، أمينة! تنادي إحدى العاهرات، ماذا تفعلين هنا؟
تعالي، تعالي، تهتف الشاعرة، تعالي سموك أعرفك على إيفانوف ألكسندروفيتش
سموك؟!
إنها ابنة الملك الأردني
آه، ما أعظم هذا البلد!
إنها المهنة التي اختارتها سمو الأميرة مع "حضارة قحبة"، كما أقول أنا، بكل حرية، كالمهنة التي اخترتها أنا مع "لغة قحبة"، كما تقول أنت، ألكسندروفيتش
آه، ما أروع إنسانه!
أقدم لكَ سمو الأميرة بسمة العبد الله، أقدم لكِ الكاتب الفرنسي إيفانوف ألكسندروفيتش الأشهر من نار على علم
إيفانوف ألكسندروفيتش! تصيح الأميرة بسمة العبد الله، أبي من المعجبين الكبيرين بك، كل أعمالك في مكتبته، قرأها كلها، فهو يتقن الفرنسية كالإنجليزية لغته الأم، أنا قرأت اثنين أو ثلاثة منها، أحب كثيرًا "رقص الفيل"، روايتك الجميلة عن جامعة هارفارد
أنا فخور جدًا بقراءتك لي
جائزة نوبل أمينة أمين استوحت من هذه الرواية ديوانها "الحب تحت نعل الريح"...
والذي بفضله حزتُ على هذه الجائزة العالمية، تقاطعها الشاعرة، وثلاثتنا نضحك مِلء شِدقينا
هل يريد كاتبنا العظيم أن يشرفني بمضاجعتي؟ تعرض سمو الأميرة، هذه المرة على حسابي
ليس اليوم، أعتذرُ، لكني أعدك بالمجيء مرة ثانية
سنرتب شيئًا عندي، تقترح الشاعرة الفذة، وهي تبحث بين العاهرات الواقفات على باب الماخور قبل أن تضيف: أنا لا أرى سمو الأميرة عائدة، ابنة صاحب الجلالة الملك السعودي، ولا "فتح" ابنة الرئيس الفلسطيني
ذهبت كل منهما مع زبون، توضح بسمة العبد الله
سنرتب شيئًا عندي مع ثلاثتكما
سأقول لهما
كم، يا آنسة؟ يسأل سمو الأميرة أحد العابرين
لا، شكرًا! تعتذر ابنة ملك الأردن
ألف دينار، يقترج الرجل
أعتذرُ، أنا لا أريد، تتأسف ابنة ملك الأردن من جديد
لن أطيل معك، يلح الرجل
قالت لكَ لا تريد، تتدخل أمينة أمين
وأنتِ؟ يسأل الرجل، وهو يحاول الالتصاق بالشاعرة
أنا لستُ... وتنفجر جائزة نوبل للآداب ضاحكة
هي معي، تدخلتُ
ألفا دينار، يقترح الرجل، وهو يلهث قرب شفتي الشاعرة الفذة
هل شكلي... تتردد جائزة نوبل للآداب، وهي تنفجر ضاحكة من جديد
لا، يسارع الرجل إلى القول، لهذا السبب
لا تلح، أقول للرجل، هي معي
لا تلح، يجيء صوت من ورائنا، وامض إلى حالك!
تحت أمر سموك، تحت أمر سموك، يكرر الرجل، وهو ينحني مبتعدًا
تعانقها الشاعرة أمينة أمين بحرارة، وهي تقول لها: الحمد لله على إنقاذك لي من هذا الأخطبوط
إنه رئيس مخابراتنا، تقول العاهرة السمراء
فتقدمها الشاعرة لي: هذه سمو الأميرة السعودية عائدة
تشرفنا، أهمهمُ، وأنا أشد على يدها إعجابًا بجمالها البدوي
وهذا الكاتب الفرنسي ألكسندروفيتش، تضيف أمينة أمين
بقده وقدوده؟ تهتف ابنة الملك السعودي
بقده وقدوده، تؤكد ابنة الملك الأردني
درسنا كتابك "بيغال" في السوربون، تقول الأميرة عائدة بحماس، وأنا لهذا السبب اخترت هذه المهنة رغم عظيم الصعوبات التي تعرفها لواحدة مثلي. أبي تبرأ مني، لكنه لم يزل يطاردني، وها أنت رأيت بأم عينك كيف يرسل حتى رئيس مخابراته، لكنه لا يجرؤ على فعل أي شيء ضدي في دولة الحرية والديمقراطية، دولة غزة ومعان
سنتحدث في كل هذا عندي، تقترح الشاعرة أمينة أمين
فكرة ممتازة، تهتف الأميرة السمراء
أليس كذلك؟ تؤيد الأميرة الأردنية
هذا المساء؟ تقترح الشاعرة النوبلية
هذا المساء، تقول الأميرتان
قولا "لفتح"، ابنة الرئيس الفلسطيني، أن تأتي كذلك
سنقول لها رغم أن...
ماذا؟
أبوها يرى في مهنتها مهنة غير نظيفة
مهنته أنظف يعني
وهو يمنع خروجها في الليل منذ عدة أيام، يقول خوفًا عليها
سأكلم سكرتيرته
لا يريد أن يقتنع بأن المرأة حرة بجسدها تفعل به ما تشاء وفي أي وقت تشاء
تدخلتُ: أنا معجب بأبي سمو الأميرة بسمة، لأن النظام الحر لدولة غزة ومعان بدله، أريد القول أثّر في نظامه، رفع يد المخابرات عن أفواه الناس، وجعلهم يتنفسون بشكل طبيعي، مثالي على ذلك، وبلغتي الروائية، إذن فليعذرني جلالته، لم يعودوا يقولون جلالة الملك "المهمهم" مع بصقة "حفظه الله"! فَهِمَ الملك أنه ليس علبة خراء محفوظة!
تقهقه النساء الثلاث، وأنا أبتعد مبتسمًا
إلى هذا المساء، أهتفُ
نعم، إلى هذا المساء، تهتف الشاعرة الغزية، وهي تلحق بي، مع "فتح" أو غير معها


يتبع المشهد التاسع