رعب - المشهد الخامس


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 5031 - 2016 / 1 / 1 - 16:31
المحور: الادب والفن     

أنا أعمل بنصائح أخواتك، يقول إيفانوف ألكسندروفيتش للكلبة، عليّ أن أصون شرفك، عليّ أن أحافظ على أمنك، عليّ أن أسهر على شعورك بالسعادة، لهذا أغلق عليك الباب، فلا اختلاط بكلاب الجيران، ولا مجال للحرية كما كان عهدك بذلك، ولا تلبية لكل رغباتك، رغباتك الجامحة خاصة، وكل ما يتبع من حماقات تجعلك تشعرين بمتعة لا تعادلها متعة، متعة الأكل نعم، لهذا أشتري لكِ أطيب المأكولات، وإن شتتِ كذلك متعة النباح، لكنك أنت لا تنبحين أبدًا
تنبح الكلبة
لم أسمعك تنبحين منذ بداية وجودك! شيء غير سويّ أن تنبحي، فماذا تريدين؟ ليس موعد إطعامك. ماذا تعنين؟ أنني أحرص عليك بقمعي إياك؟ هذه هي الحقيقة كما تقولها اللغة، لكن أن تدرك الكلاب الحقيقة كما هي عليه في الكلمات، هذا يعني أنها بدأت تفكر، وأنا أعمل كل ما في وسعي على ألا تفكري، على ألا يفكر أحد غيري
تنبح الكلبة
هذا كثير! تنبحين ثانية! أنا هنا لأفعل كل شيء بدلاً منك، يأخذ إيفانوف ألكسندروفيتش بالنباح، هل رأيت؟ أنبح لو اضطرني الأمر في سبيل راحتك، على أن تبقي عاقلة
ينبح من جديد، فتنبح الكلبة
لا تنبحي، أيتها الكلبة! يصيح إيفانوف ألكسندروفيتش بها، ليس هذا في برنامج تدجينك! اسمحي لي زلة اللسان هذه، أعني الحفاظ على أمنك وسعادتك وحريتك
تنبح الكلبة بحدة
ربما أنت جائعة، هاكِ، كلي، رغم أن الوقت ليس وقت أكلك. لا تأكلين؟ إذن ليس هذا لأنك جائعة. آه! فهمت، تريدين أن تلعبي مع دمبتك المخملية. لا تلعبين؟ إذن ليس هذا لأنك بنت قحبة. ماذا تريدين؟ ليسه وقت نزهتك
تنبح الكلبة
شيء غير طبيعي كل هذا النباح! تعالي، سأداعبك، سأقرص ثديك، سأدغدغك من فخذيك، سأتركك تلحسين أصابعي
لكنها تعضه
بنت قحبة! يصرخ إيفانوف ألكسندروفيتش، وهو يقبض عليها من خناقها، ويعضها من فخذها، فتخدشه، وتقفز هاربة، وتختفي. أين أنتِ، يا كلبتي الصغيرة؟ لا تركبي رأسك! تعرفين جيدًا، في عالم مغلق، أنني سأجدك، وسأحطم أسنانك. يا كلبتي الصغيرة، يا كلبتي الصغيرة، يردد الكاتب بصوت مخادع! أين أنتِ، يا كلبتي الصغيرة؟... بنت قحبة كأخواتها، فما الذي دفعهن إلى تركها؟ لأنكَ تحب الكلاب، بابا! بينما أنا أكرهها كرهي للبشر، ليس كل البشر هذا صحيح، وبالتالي ليس كل الكلاب، خاصة الكلاب الطائعة، وهذه الكلبة لم تعد طائعة، تنبح، وتعض، وتخدش، وتختبئ في مكان لا أجدها فيه... ها أنت تقعين في يدي! غرفة أمك، قلنا لا تدخليها! لا تخافي، أنا لن أعضك! تعالي، بين ذراعيّ، يا ابنتي! هذه طفلة لطيفة! هذه طفلة جميلة! أيوه أنتِ طفلة لطيفة؟ أيوه أنتِ طفلة جميلة؟
يأخذ إيفانوف ألكسندروفيتش بمداعبة الكلبة من كل مكان في جسدها، فتتراخى، وتموء كالقطة، ملتذة، ويتصاعد مواؤها على قباب باريس
بنت قحبة! يهمهم إيفانوف ألكسندروفيتش، يكفي أن تعرف كيف تلذها
بعد أن يداعبها، يطعمها، ويخرج بها دون رسن، فهي ليست حمارة، وهو يريد أن يشعرها بأنه لا يفرض عليها إرادته، فالكلاب كالشعوب، تقودها دون أن تقودها
كالشعوب عندنا في الغرب، همهم إيفان لنفسه، في المملكة العربية السعودية وباقي بلدان الخراء تقودها بالسوط
لكنها في الحديقة العامة تفرض عليه إرادتها، لا تتحرك، لا تقوم بالدورة المعتادة، لا تتبول، لا تتغوط، فيصيح ألكسندروفيتش بها، يأمرها، يهددها، بلا فائدة، فيبتسم بعض العابرين
أولاد قحبة! همهم الكاتب وكله ندم لأنه لم يربطها برسن الحمار كما تفعل المتجبرات بناته
بدافع الحنق، يشج رأسها بحجر، فتصرخ الكلبة، وتعدو بأقصى سرعة، وتختفي. يأخذ إيفانوف ألكسندروفيتش بالهرولة، والرعب يستولي عليه، فماذا لو ذهب الحيوان دون أمل في الرجوع؟ يكتشف أنه يحب الكلبة حبه لبناته، فيأخذ بسؤال العابرين عنها: كلبة صغيرة "شي تسو" سوداء وبيضاء! كلبة صغيرة وظريفة! كلبة ستضيع في الحياة، ستلتهمها الذئاب، ستسحقها سيارات القصور بعجلاتها! وينفجر باكيًا، يبحث عن الكلبة في كل مكان من عادته أن يأخذها إليه، بدون فائدة. وهو يعود منكوس الرأس، يجدها بانتظاره أمام باب العمارة التي يسكن فيها
يا حبيبتي، يا ابنتي! صرخ إيفان ألكسندروفيتش، وهو يشد كلبته بين ذراعيه، ويأخذ من خدها عشرات القبل
بابا! هذا الجرح في فخذها، تسأل بنات الكاتب الثلاث، كلب عضها؟
كلب، يتلعثم إيفانوف، كلب ضخم
بابا! هذا الجرح في رأسها، تعود البنات الثلاث إلى السؤال، من صنع صبي سيء التربية؟
من صنعي يعني؟ يرمي ألكسندروفيتش، وهو يحاول عبثًا إخفاء الحقيقة
بابا! هذا النباح، تقول البنات الثلاث، شيء غريب، لا؟
نباح ومواء!
مواء؟ كلبتنا كلبة وليست قطة!
أنتن تدللنها كثيرًا، لهذا السبب
نداعبها
تداعبنها
شيء طبيعي بين أخوات
ربما لأنني...
أنت تداعبها بشكل غير طبيعي
ماذا تقصدن؟
لسن ندري... أنت تداعبها كما لو كانت ماما
لا تبالغن!
لماذا لم نعلمها كيف تدافع عن نفسها؟
أنتن تدافعن عنها
لأنها صغيرة جدًا حتى ولو كانت كبيرة جدًا
أنا على صواب إذن، أنتن تدللنها، أنتن تدللنها كثيرًا
لم نشأ أن تكون بربرية كأخواتها في معابد التيبيت، واحدة صغيرة هناك مثلها تقوم بالحراسة كلبؤة
أترين؟ أنا على صواب عندما قلتُ تزأر
قلتَ تموء
الأمر واحد
لا، ليس واحدًا
جعلتن منها جبانة مثلكن
نحن جبانات؟
أعني... إنها أختكن على أي حال
ليسه طلب السَّفاد، وهي لا رحم لها
وما أدراني؟
أنت من أخذها إلى "الكلينيك"، فماذا قال لك الطبيب
لم يقل لي شيئًا
أنت على أي حال تنسى كل شيء
والله لم يقل لي شيئًا
أنت طوال عمرك لا تحب الكلاب
أحبهم، أحب "شنغهاي"
شنغهاي لا تحبك
أحب شنغهاي وشنغهاي تحبني، وكأننا من فصيلة واحدة
لهذا لم تدافع عنها عندما عضها...
مثل شنغهاي لم أتعلم العض كما يجب
ماذا تعني؟
كلبتكن تخدش، يا عالم!
منذ قليل تموء، والآن تخدش
كلبتكن تموء وتخدش
سنبدل نوع أكلها ونظام حياتها كله، لأن كلبتنا كلبة وليست قطة
أحيانًا الكلاب قطط والقطط كلاب
في الكلام
في الواقع
بابا! أنت مجنون، يجب معالجتك!
بماذا أقسم لكن؟
بلا شيء، لأننا لا نؤمن بما تقول
ويتهكمن: الكلاب قطط والقطط كلاب!
ويتكلمن مع كلبتهن: هذا الكلب الذي عضك، لو أمسكنا به لقطعناه إربًا


يتبع المشهد السادس