المرأة العربية1: الوضع العام


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4902 - 2015 / 8 / 20 - 12:05
المحور: الادب والفن     

أولاً
المرأة العربية غير راضية عن وضعها، المرأة السعودية كالمرأة المصرية كالمرأة المغربية ككل النساء العربيات. مشكلتها تتعدى مشكلة الخضوع أو التمرد، فالخضوع والتمرد شيء، وحقوقها شيء آخر. تخلفنا لا يعني السكون الدائم لمجتمعاتنا، قمعنا للمرأة لا يعني التفوق المطلق للرجل، ممارسات التمييز، الدونية، الاحتقار، العبودية، الإذلال، العهرية، الاستقواء، الرجولية، لأن الحياة القديمة تتراجع يومًا عن يوم لصالح الحياة الحديثة، فتتعدى الحجاب أو التنورة إلى مقاعد الجامعة، والزوج أو الأولاد إلى الوظائف العامة، تعمل إلى جانب الرجل، أفضل منه أحيانًا، فتعينه، وعندما لا تريده، تستطيع الاستقلال عنه. إذن لا توجد مشكلة للمرأة في العالم العربي، توجد مشكلة تعميم وضع طبيعي للمرأة في المجتمعات العربية، وهي مشكلة المشاكل.

ثانيًا
يبدأ هذا التعميم لوضع طبيعي للمرأة في مجتمعاتنا العربية بدولنا، فهل لدينا دول بالفعل؟ الدول كما أرتأيها في مشروعي التنويري هي الدول التي تعمل على تطوير الشرط النسائي، عن طريق سن القوانين، عن طريق تنفيذ المشروعات، عن طريق إقرار التكافؤ، عن طريق توفير كل ما تحتاج إليه المرأة لتعلمها، عن طريق فتح كافة المجالات أمامها، عن طريق فهم دور المرأة في المجتمع دور لا يقل أهمية عن دور أقوى جيش في العالم، أفكر هنا في المليارات التي تنفق على شراء الأسلحة، مقابل الفتات التي تتصدق بها هذه الدول على نمو النساء وازدهارهن: في السعودية لا حق للمرأة في أي شيء، في الانتخاب طيب فهمنا (وهل ينتخب الرجل؟ ولأي شيء ينتخب؟) وفي غير الانتخاب لماذا؟ أوجه السؤال إلى أصنام الحكم والدين الذين عندما يفكرون في المرأة يفكرون بفروجهم، وعندما يفكرون في الرجل يفكرون بسياطهم. في مصر يحق الانتخاب للمرأة لكنها بشكل عام لا تعرف من تنتخب، فتبصم وعيناها مغمضتان، وهذا ما يريده النظام –عسكري أم غيره- أن تبصم لا أن تفهم وتعرف، فالمعرفة والفهم سلاحان فتاكان في يد المرأة، وهذا يعني عدم انتخابها للزبانية، والحال هذه للزبانية التزوير أسهل الطرق إلى السلطة. حقًا هناك تغيرات اجتماعية في مجتمعاتنا، لكنها لا تتوافق سياسيًا مع أنظمتنا، وكأن هذه التغيرات لم تكن، لا المرأة استفادت منها ولا الرجل، المستفيد الوحيد هو النظام، الدولة تحت المفهوم الهزلي للدولة عندنا.

ثالثًا
لنبني أممًا حديثة علينا أن نبني مدارس حديثة، فلدينا من المعابد ما يكفي لألف عام، والمدارس ليست حديثة بحجرها أو بمقاعدها وألواحها، المدارس حديثة ببرامجها التعليمية، وبمن يتلقون العلم من البنات قبل الأولاد، فبنات اليوم نساء المستقبل، وكل مستقبل زاهر مستقبل النساء، المستقبل الذي ينتهي فيه بغض النساء. تحرير الأمة يبدأ بتحرير النساء، وهن لا يزلن صغيرات، ليس بحفظ القرآن غيبًا، كما يريد ذاك الوزير المأفون، ولكن بفهم العالم، الطبيعة، الإنسان، نعم، منذ تلك السن المبكرة، وبصقل المواهب، بالرسم، بالنحت، بالغناء، بالرقص، بالرياضة، بالقراءة، وخاصة بتهذيب الروح بالموسيقى. الأمة الحديثة هي الأمة التي تعمل فيها المرأة مع الرجل، كصحفية، كمعلمة، كباحثة، كطبيبة، كأديبة، كسائقة للسيارة والقطار والطائرة، كامرأة فضاء، كقابضة على البرق بيد، وعلى الرعد بيد. ليس هذا فقط، هذا كلام سبق لنا وسمعناه. ليمضي كل هذا بشكل طبيعي، في عالم طبيعي لا فرق فيه بين رجل وامرأة، يجب أن يضع الرجل حدًا لكل قصد سيء لديه: أنا لا أتكلم هنا عن العاطفة، فمن الطبيعي أن تكون هناك عاطفة سيئة أو طيبة بين أي رجل وأية امرأة، أنا أتكلم هنا عن النظرة المقولبة للمرأة، كنصف عقل مثلاً أو نصف دين، كشيء ناقص أو شيء قاصر، والتي على أساسها ننسخ تعاملنا مع المرأة.

رابعًا
كيف نحرر الرجل العربي من نظرته المقولبة للمرأة؟ أجيب على السؤال بسؤال: وهل الرجل العربي حر في الأساس؟ إذن نحن نحرر الرجل العربي من نظرته المقولبة للمرأة بتحريره، وأول شيء بتحريره من إرثه الوجودي (المصطلح شامل: ديني فكري ثقافي حُلمي اجتماعي اقتصادي سياسي بيئوي...)، يا ما أسهل ذلك كلامًا، كلام سبق لنا وسمعناه من ألف فم وفم إلى حد صار يضحكنا، بينما تحرير الرجل العربي يمضي بالمؤسسات التي وصفتها في مشروعي التنويري، كجزء فردي من كل جمعي، في مجتمع تحددت فيه السلطات الثلاث كنظام ديمقراطي انتخابي تعددي تعاقبي، قائم على مبدأ الحرية، الحرية الفردية حرية الحريات للرجل وللمرأة على حد سواء. التغيير السياسي هنا شرط للتغيير الوجودي، شرط التغيير العقلي للرجل العربي في نظرته إلى المرأة وإلى العالم.

خامسًا
لعدم وجود التغيير السياسي شرطًا لتغيير حياتنا كان واقع المرأة وواقع الرجل –واقعنا- من أسوأ ما يكون: كيف نفهم طموحات المرأة وهذه الطموحات تصطدم في كل لحظة بصعوبات العيش، سواء أكان ذلك في البيت أم في الشارع أم في العمل أم في السوبر ماركت أم في الرأس؟ أقول في الرأس لأن المرأة في عالم كعالمنا تفكر أنها شيء زائد –عكس ما يفكر الرجل أنها شيء ناقص- يمكن الاستغناء عنه، وهي لهذا تدين نفسها بنفسها، وتجعل من العالم عقدة ضخمة من المستحيل حلها. نعم، حتى تلك التي تقول عن نفسها متحضرة –متحضرة في الرأس لا في الثوب- في عالم لا تغيير فيه، يتغير سطحيًا لا جوهريًا، والتغيير إذا ما لامس الجوهر، يجري تجييره لصالح الحاكم بأمر الحاكم، بعد أن صار الرب، الإله. هنا المرأة العربية كالرجل العربي، كلاهما في الهم سواء، خيبتهما واحدة، لكنها خيبة المضحوك عليه، المتربص به، وبدلاً من تحويل هذه الخيبة إلى تمرد يدوم، يتم التقاط التمرد من طرف الإسلاميين –كما حصل في الربيعات العربية- أو قمعه من طرف العسكريين.


يتبع المرأة العربية2