الحريات8: المغرب


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4895 - 2015 / 8 / 13 - 23:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

أولاً
تقدم المغاربة في عهد محمد السادس وتطور المغرب مقابل تقهقر الحريات!
لماذا الملكة في إنجلترا قانعة بما كتبه الله لها، وما كتبه الله لها كثير، قصور وتيجان وحُلَل واحترام الشعب والدولة، الاحترام والحب والإجلال، وخاصة النوم الهادئ في الليل، والملك المغربي ليس بقانع بالمغرب مُلْكًا وبالمغاربة رعيةً، فأقر له الدستور الجديد/القديم الدفاع الدين الحكومة العدل الأمن، ماذا تبقى؟ كل السلطات. عندما كان طالبًا في كلية الحقوق أواسط ثمانينات القرن الماضي، وكنت أستاذًا في جامعة مراكش، قال لي زملائي الأساتذة المصريون إن لولي العهد شخصية منفتحة على الناس، على العالم، وهو من الذكاء الشيء الكثير، عندما يصبح ملكًا سيغير كل شيء في المغرب، والمغرب سيصبح غيره، سيتطور المغرب في كل شيء، وسيتقدم المغاربة. حقًا تطور المغرب في كل شيء، ولكن كيف تطور؟ وتقدم المغاربة، ولكن كيف تقدموا؟ التطور والتقدم معيارهما الحريات، مداهما يقاس بما يمارس الأفراد من حرية لا بما تُمَارَس عليهم حرية الملك.

ثانيًا
عن الفنادق والفيلات والبسطرما!
كل السلطات التي ذكرناها للملك تجعل من الملك شخصية إلهية لا يمكن اغتصابها –كما ينص الدستور الجديد/القديم- لكنها تغتصب المغاربة واحدًا بعد واحد، لهذا هم لا يتوقفون عن الصراخ الجنسي مجازًا، والواقع الاغتصاب الدولاتي (من دولة) للملك لا شيء، فالشعب المغربي اعتاد على ذلك، وحرية الملك المهولة هذه لا شيء أمام حريات أخرى تُمارَس عليهم كل يوم، لتقلب حياتهم إلى جحيم بالفعل: حرية الفَنُدقة (من فندق) بقيادة شركات السياحة الفرنسية، فالمغرب درة من درر البحر الأبيض المتوسط، والفرنسيون يحبون شمسه، شمس أغادير، ويعبدون طبخه، طبق "الطاجين". حرية الفَيْللة (من فيلا) بقيادة شركات البناء الفرنسية، فالمغرب لهم أرض الله الواسعة، الفيلا للفرنسي بنصف ثلث أو ربع ثمنها في باريس، ومشاريع كهذه تدر أرباحًا طائلة على المستثمرين. على فكرة، يتباهى المغرب بالاستثمار الغربي، فهل هو استثمار تكنولوجي لا سمح الله؟ عقاري، يعني يزيد من تثبيت أقدام المغاربة في وحل العيش. حرية الفَهْلوة (لا تحتاج إلى تفسير) وهي من كله، وكله استهلاكي، من الإبرة حتى الفيل مرورًا بكل ما تنتجه فرنسا من أغذية لا يقدر على شرائها لارتفاع أثمانها سوى النخبة الوطنية من أصحاب الدخل العالي، والباقون يشترونها بالدين، نعم حتى علبة الجبن، حتى قطعة البسطرما، حتى فنينة الزيت، وأنا كنت واحدًا منهم، الأستاذ الجامعي، بفضل بقال الحارة الذي يصبر عليك حتى آخر الشهر.

ثالثًا
عن الجامعة والجامع والمتجمعين!
رأينا الحريات الاقتصادية التي تُمارَس على المغاربة الذين لا حرية لهم، فلنر الحريات الإيديولوجية بنات أختها: في جامعة القاضي عياض المراكشية حيث كنت أعمل، كان النظام الجامعي نظام العميد لا المعلم وما يعلّم، ولا الطالب وما يطلب من علم، فأنت مراقب وملاحق من قِبَل حراس هم مخبرون في ثيابهم المدنية، متى تبدأ محاضرتك، ومتى تنتهي، ما هي محاضرتك، وما هي ردود الفعل، هل ذكرت الملك فيها ولو ذكرًا عابرًا، وإن لم تذكره، فهل ألمحت إليه، بكلمة، بإشارة، بنكتة يفهمها الطلبة، فينفجرون ضاحكين، هل قلت عن غير عمد –أقول عن غير عمد- شيئًا عن الجنس في باريس، ولم تكن تعني مثلية الملك الحسن الثاني، حتى أن الطلبة لم يخطر على بالهم ملكهم، ولم يربطوا كلامي إلا بكلامي، لكن المخبرين الذين لهم مخبرون في القاعة، فهموا كلامي على طريقتهم، وطريقتهم دومًا وأبدًا، أريد القول طريقهم القصر في الرباط. طيب، كل هذا مقبول! ما لم يكن مقبولاً البيئة الأساتذتية لطاقم التدريس، أقول البيئة ولا أقول العقلية أو الذهنية، فالأساتذة المغاربة كانوا رهن بيئة تربوية تربوا عليها، وربوا عليها الأجيال الصاعدة (الهابطة): ضعي (أو ضع) العلامة التي تريدينها (التي تريدها) بشرط...، يقول الأستاذ للطالبة (أو للطالب)، رجاء يا إخوان يقول أحد الأساتذة ونحن نتداول، المستوى العام للقسم ضعيف، فلنرفعه بقدر 25 بالمائة، فيمشي حال معظم أو كل الطلبة، ونعرف أن صاحبات هذا الأستاذ أو ذاك وأصحابه قد نجحوا في غير مادته، في الفلسفة، أو في الأدب الحديث مادتي، أو في الأدب القديم، أو، أو، أو... يعني إيه؟ لحرية التجهيل ثمن! هذا على المستوى الخاص لإيديولوجيا الحمرنة، أما على المستوى العام، فشيء آخر أفظع: عندما يغضب الملك على سكان مراكش، يحرمهم من إقامته السنوية في قصره كيلا يشرفهم بحضوره، فتقام له الصلوات في المساجد والأئمة يتوسلون إليه بالرجوع عن قراره، والناس من حولهم يدعون ويستجيرون، كيلا يدخل الشيطان في بيوتهم التي حرمها الملك من بركاته. وفي ساحة جامع الفنا، ساحة مراكش الشهيرة التي أسميها ساحة البعث والنشور، فهي في غليان دائم كيوم القيامة، ينتشر الدجالون من الرواة هنا وهناك، وهم في معظمهم رجال مخابرات، ليروجوا بين المتجمعين المتجمهرين حولهم خرافاتهم وشعوذاتهم.

رابعًا
عين الأمن لا تغفو أبدًا!
حرية رجال الأمن لهي الأكثر شراسة، الأفظع من باقي الحريات التي تُمَارس على الحرية في المغرب، خاصة الحرية الفكرية: كان لي من الطلاب الأروع ممن عرفت خلال كل مهنتي في التعليم، كانوا يريدون أن يلتهموا العلم والمعرفة كمن يلتهم طبقًا من الحلوى، لهذا لم تسعفهم رغبتهم "الشاذة" في عالم كل شيء فيه مبرمج في حاسوبات القمع: أحد طلابي كان شاعرًا، كان يكتب شعرًا جميلاً، ولأنه شعر غاضب كان جميلاً، لم يحضر كما هي عادته من بين أوائل طلابي الذين كانوا يريدون الجلوس في أول الصفوف، أقرب ما يكون مني. أذكر أنني كنت أحلل قصيدة "مديح الظل العالي" لمحمود درويش، وكانوا يأتون لمحمود كثيرًا ولي قليلاً، كانت القاعة لا تكفي، لأن طلابًا غير طلابي، طلابًا من كل الأقسام كانوا يحضرون، حتى أنني طلبت بعد ذلك، مسرح الجامعة مكانًا لمحاضراتي. لم يحضر طالبي الشاعر، ولعدة أيام لم يحضر، عندما سألت عنه، التفت طلابي من حولهم خائفين ممن كانوا يدعونهم "الأواكس" –نسبة إلى طائرة الاستخبارات الأمريكية- ثم همسوا في أذني أن رجال الشرطة اقتحموا عليه حجرته وكل مراكش تنام، واعتقلوه، هو وأشعاره.

خامسًا
هل هناك أمل بخروج المغرب من كل هذا؟
يجب أن يفهم الملك محمد السادس مشروعي التنويري بمؤسسته التنفيذية "مجلس التعاون المشرقي" كما يفهم مشروع الصحراء الغربية، الغالي على قلوب المغاربة (هل هو غالٍ حقًا؟)، بمعنى أن امتيازات المغرب، التي هي امتيازات الملك، لن تُمَس إلا من النواحي الجوهرية، نواحٍ ترفد حريات المغاربة بالفعل. عندئذ تصبح حريات المغاربة حريات للملك كملك عادل لا كملك عصيّ عن اللمس ذي سلطات مطلقة. حكام فرنسا، بعد زملائي المصريين أساتذته، يعتبرونه ذكيًا وعصريًا، ومن هو عصري وذكي ليس من الصعب عليه أن يفهم توزيع أوراق اللعبة الأخيرة بالنسبة له -أقول الأخيرة- رغم كل السلطات المركزة في صولجانه.


يتبع الحريات 9 وأخير