التنوير1: مما قاله التنويريون


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4878 - 2015 / 7 / 26 - 10:00
المحور: الادب والفن     

التسلط لابتذال الرعية
سأحكي لك ما قاله مونتيسكيو عن ملك فرنسا (رسائل فارسية 1721)، أقوى ملوك أوروبا، لم تكن لديه مناجم ذهب كملك إسبانيا، جاره، لكنه كان أغنى منه بكثير، لأنه كان يسحب ثرواته من ابتذال رعاياه، ثروات أكثر من مناجم الذهب لا تنضب. رأيناه يشن حروبًا كبيرة أو يدعمها، وليس له من الأموال غير ألقاب شرف يبيعها، وبمعجزة الغطرسة الإنسانية كان يدفع لجنوده، يشتري أعتدته، يزود أساطيله. زد على ذلك، هذا الملك ساحر كبير، فهو يمارس تسلطه حتى على روح رعاياه نفسها، ويجعلهم يفكرون كما يريد. إن لم يكن في خزينته غير مليون ريال، وهو يحتاج إلى ريالين، فما عليه سوى إقناعهم أن الريال يساوي ريالين، وهم سيصدقونه. إن كانت عنده حرب من الصعب عليه دفع أجر من يخوضها، ولم يعد لديه نقود، فما عليه سوى أن يضع في رؤوسهم أن قطعة من الورق هي نقود، وهم سيقتنعون فورًا. حتى أنه يذهب إلى حد جعلهم يصدقون أنه يبرئهم من كل أنواع الآلام، فقط عند لمسهم، بمقدار ما كانت قوته عظيمة، وعظيمة كانت سطوته على نفوسهم.

حب الحكم
سأقول لك عن التربيات الثلاث المختلفة أو المتعارضة كما يرى مونتيسكيو كيف نتلقاها (من روح القوانين 1748): تربية آبائنا، تربية أسيادنا، تربية العالم. وما يقال لنا في التربية الأخيرة يقلب كل أفكار التربيتين الأوليين. وهذا يأتي، نوعًا ما، من التناقض الموجود وسطنا بين التزامات الدين والتزامات العالم، شيء لا يعرفه القدامى. إن حاجتنا في الحكم الجمهوري إلى كل قوة التعليم، وإن خوف الأحكام المستبدة يولد من نفسه في خضم التهديدات والعقوبات، وإن شرف الأنظمة الملكية تعليه العواطف، وهو بدوره يعليها: لكن الفضيلة السياسية هي التخلي عن النفس، هذا التخلي الذي دائمًا ما يكون شاقًا جدًا. ويمكن تحديد هذه الفضيلة بحب القوانين والوطن، هذا الحب، الذي يتطلب تفضيلاً متواصلاً للصالح العام على الصالح الخاص، يعطى كل الفضائل الخاصة التي ما هي سوى هذا التفضيل. وبالأخص هذا الحب خاص بالجمهوريات، فيها وحدها يوكل الحكم إلى كل مواطن، والحالة هذه الحكم ككل أشياء العالم: للحفاظ عليه من اللازم حبه. لم نقل أبدًا إن الملوك لا تحب النظام الملكي، وإن الاستبداديين يكرهون الاستبدادية. وبالتالي كل شيء يتوقف في الجمهورية على إقامة هذا الحب، وعلى الحث عليه يجب على التعليم أن يكون يقظًا. لكن، كي يستطيع الأطفال الحصول عليه، هناك وسيلة أكيدة: أن يكون هذا الحب للآباء أنفسهم. عادة ما نكون أسياد ما نعطي أبناءنا من معارفنا، وأكثر من هذا أن نعطيهم عواطفنا. إن لم يحصل، فهذا لأن ما جرى في البيت الأبوي قد دمرته انطباعات من الخارج. ليس الشعب الوليد هو الذي ينحلُّ ويفسُد أصله، وهو لا يضيع إلا عندما يكون الناس فاسدين.

الأغاني الكافرة
سأخبرك بما قاله فولتير عن الفارس دولابار (قاموس فلسفي 1764)، حفيد ضابط برتبة فريق في الجيش، شاب كثير النباهة وكبير الأماني، ولكن لِما له من طيشِ شبيبةٍ مطلقةِ العِنان، كان واثقًا من أنه غنى إحدى الأغاني الكافرة، وحتى أنه مر من أمام موكب للرهبان الكبوشيين دون أن يخلع قبعته، فأمر قضاة مدينة أبفيل، قضاة كأعيان الرومان، ليس فقط أن يقتلعوا لسانه، أن يقطعوا يده، وأن يحرقوا جسده على نار خفيفة، لكنهم ساموه أيضًا أشد عذاب ليعرفوا على التحديد كم من أغنية غنى، وكم من مواكب رآها تمضي، والقبعة على رأسه. لم تقع هذه المغامرة في القرن الثالث عشر أو في القرن الرابع عشر، وقعت في القرن الثامن عشر، والأمم الأجنبية تحكم على فرنسا بالمسرحيات، بالروايات، بالأشعار الجميلة، براقصات الأوبرا، اللواتي لهن أحلى الطباع، براقصي الأوبرا، الذين هم الأناقة بعينها، بالآنسة كليرون، التي تنشد الأشعار بروعة، ولا تعرف هذه الأمم أنه لا يوجد في أعماق أمة ما هو أكثر قسوة من الأمة الفرنسية.

أقوال لديدرو
والآن سآتيك ببعض ما قاله ديدرو (1713-1784):
1- ما يتصف به الفيلسوف ويميزه عن العامّي أنه لا يقبل شيئًا بلا برهان، أنه لا يوافق على مفاهيم خادعة، وأنه يضع بالضبط الحدود للأكيد، للمحتمل، وللمشكوك فيه.
2- لم يعد هناك وطن، ولا أرى من قطب إلى آخر سوى طغاة وأرقاء.
3- هؤلاء المخالِفون في الرأي المعّذَّبون سيغدون معَذِّبين عندما يصبحون الأقوى.
4- لا توجد سوى خطوة واحدة من التعصب الديني إلى البربرية.
5- كل رجل لم يستلم من الطبيعة الحق في التحكم بالآخرين.
6- اتفاق الناس الذين تجمعوا في مجتمع لهو أساس السلطة، ومن أقام بالقوة لا يمكن إبداله إلا بالقوة.
7- فلنسارع لنجعل من الفلسفة شعبية، وإن أردنا أن يمشي الفلاسفة إلى الأمام، فلنقترب بالشعب من النقطة التي فيها الفلاسفة.
8- الإنسان هو الحد الوحيد الذي من اللازم الذهاب إليه وله جلب كل شيء.


يتبع التنوير2